من سيحسم معركة السودان؟
في الساعات الأولى من صباح الـ 15 نيسان/أبريل، اندلعت اشتباكات مسلحة بين الجيش السوداني، والذي يقوده عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها محمد حمدان دقلو، بدأت الاشتباكات في محيط القصر الجمهوري ومطار الخرطوم وبعض مناطق متفرقة من السودان، وبعد ساعات قليلة أعلنت الدعم السريع سيطرتها على مطار وقاعدة مروي العسكرية شمال البلاد والأبيض وسط البلاد.
يأتي ذلك بعد خلاف نشأ خلال الأشهر الماضية بين قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع دقلو، حيث تعتبر الحرب السودانية الدائرة حتى اللحظة هي حرب الجنرالين، الذي يسعى كل واحد منهما إلى فرض سيطرته وقوته على الآخر، فبحسب مسؤول (يرفض ذكر اسمه) في حركة الجبهة الثورية، يقول لـ أخبار الآن بأن “الصراع نشأ لعرقلة التوقيع على الإتفاق الإطاري والذي كان ينص على دمج الدعم السريع والجماعات المسلحة في الجيش، حيث تمارس قيادات في الجيش ضغوطات على البرهان للتصرف إزاء الدعم السريع، والذي نشأت لديهم مخاوف من تنامي قوات الدعم السريع وازدياد نفوذ سيطرتها”.
ويضيف “بالجانب الآخر يريد (حمدتي) أن تكون فترة دمج قوات الدعم السريع خلال 10 أعوام بدلاً من عامين بحسب الإتفاق، حيث يسعى الجنرالين إلى إبتلاع كلٍ منهما الآخر، فـ عبد الفتاح البرهان يريد تثبيت سيطرته على الحكم بصفته قائدًا للجيش، بينما محمد حمدان دقلو يرى أن مركزه وقواته في خطر لذلك يشترط أن يتم دمج قواته خلال عشرة أعوام بدلاً من عامين”.
معارك استنزاف
وخلال الـ 5 الأيام الماضية استمرت المعارك بين كر وفر ولم تستمر سيطرة كل طرف على مواقعة أكثر من ساعات، خصوصًا مع دخول القوات الجوية للجيش في المعركة فقد استهدفت طائرات الجيش مقرات الدعم السريع خلال الأيام الماضية، وهو ما يراه خبراء عسكريين خطة ذكية من قيادة الجيش لاستنزاف الدعم السريع، خصوصًا وأن الدعم السريع لا يمتلك الآليات العسكرية التي يمتلكها الجيش، ويمتلك فقط سيارات رباعية الدفع، تتطلب العودة للمقرات للتزود بالوقود والأسلحة، لذلك كان هدف الجيش الأول تدمير معسكرات الدعم السريع والسيطرة عليها ويروا بأن استهداف الطيران للمقرات ومخازن السلاح التابعة للدعم السريع سينهك الدعم السريع على المدى القصير.
فبحسب Global Fire power، فأن هناك فارق كبير في التسليح بين الجيش السوداني، والذي يصنف أنه من أقوى جيوش القرن الأفريقي، وبين قوات الدعم السريع، حيث يبلغ عدد منتسبي قوات الجيش السوداني 205 الف جندي، منهم 100 الف من القوات العاملة و 50 الف من قوات الإحتياط، بالإضافة لإمتلاك القوات الجوية التابع للجيش ما يربو على 191 طائرة حربية تتنوع بين طائرات هجومية ومقاتلة وشحن عسكري، فضلا عن المدرعات والآليات العسكرية والمدافع الثقيلة.
بينما تُقدر قوات الدعم السريع بحوالي 100 ألف مقاتل، وتمتلك 10 ألف سيارة دفع رباعي مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة ومضادات طائرات ومدافع، وهو الذي يعطيها مرونة في الحركة والحرب داخل المدن، بالإضافة إلى أن الدعم السريع يمتلك الخبرة في المعارك السريعة والخاطفة، وذلك من خلال حروبها التي كانت تخوضها في إقليم دارفور خلال العقود الماضية، بخلاف الجيش السوداني الذي يفتقر للخبرة الكافية في حرب المدن.
يرى مجدي عبدالعزيز – صحفي سوداني، أن الجيش يتصرف باحترافية عالية في التعامل مع قوات الدعم السريع، خصوصًا أثناء تواجدهم في المناطق السكنية، حيث يعتمد الجيش على استراتيجية النفس الطويل لاستنزاف الدعم السريع، من خلال قصف مقراتهم أو السيطرة عليها، ويقول: “منذ اليوم الأول للحرب لم يسيطر أي طرف سيطرة كاملة على أي شيء، ولم تختلف الرقعة الجغرافية للمعركة عن ما كانت عليه في بداية الاشتباكات”.
وفقًا للمعلومات الميدانية، فقد قام الجيش باستنزاف قوات الدعم السريع عن طريق فتح العاصمة أمامهم بحرية، بدلاً من إغلاق العاصمة بواسطة المدرعات، وذلك من أجل تقليل قوتهم، وبعد تدمير مقر قيادة الدعم السريع وقتل واعتقال معظم قادتهم الميدانيين الفعالين والمدربين بالقتال، أصبحت هذه القوات بدون قيادة أو هدف أو وسيلة اتصال فعالة، معتمدة فقط على الهواتف الجوالة، مما يسهل عملية اعتراض مكالماتهم ومراقبتها.
موازين القوى خلال أيام الحرب الأولى
من خلال تتبع حركة الصراع ومناطق السيطرة خلال الأيام الماضية، يتضح أن قوات الدعم السريع لم تحافظ على المكاسب الميدانية أكثر من يوم، وذلك بسبب الطيران وفارق التسليح إلا أنها تحقق انتصارات ميدانية، بإعتمادها على استراتيجية حرب الشوارع والهجمات الخاطفة، حيث تسيطر حاليًا على محيط مطار الخرطوم و القيادة العسكرية، بالإضافة إلى تمركزها في محيط القصر الجمهوري.
بينما تتوزع الاشتباكات العسكرية في بقية الولايات، ومن الظاهر هو سيطرة الجيش على معظم المناطق في مخلتف ولايات السودان، بعد أن كانت قوات الدعم السريع سيطرت على معسكرات خارج الخرطوم، إلا أنها عززت بمعظم قواتها للخرطوم، وتبين الخريطة التالية مناطق الاشتباكات والسيطرة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وفي مساء 18 نيسان/أبريل، أعلنت قوات الجيش عن سيطرتها على محيط مطار وقاعدة مروي العسكرية، والتي تعتبر من القواعد الإستراتيجية بالنسبة للجانبين، بعد أن كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع، خلال الأيام الماضية.
ويتهم المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، بأن قوات الدعم السريع تستغل الهدنة الإنسانية التي توسطت بها وزارة الخارجية الأمريكية مساء أمس الثلاثاء، بالاستعداد لشن هجمات جديدة في الخرطوم، ونقل قوات مسلحة من دارفور إلى الخرطوم أثناء الهدنة، وأن الدعم السريع يستعد لاستقبال طائرات مساعدات عسكرية من حلفائها الإقليميين، بينما يتهم قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو قوات الجيش بخرق الهدنة، وخاطب المجتمع الدولي في سلسلة تغريدات على تويتر بإلزام قوات الجيش بإحترام الهدنة، ومن جانبها قالت قيادة قوات الدعم السريع أن الجيس السوداني استغل التزامها بالهدنة ونفذ عمليات هجومية على قواتها في بعض المناطق بالعاصمة الخرطوم في منطقتي القيادة العامة وشرق النيل.
Unfortunately, the Sudanese Armed Forces has failed to honor this ceasefire, bombing densely populated areas from the air and endangering civilian lives. These actions are a flagrant violation of the foundations and principles of international and humanitarian law. 3/4
— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) April 18, 2023
من جهته يرى عبد القادر علي – الباحث في شؤون القرن الأفريقي، أن الدعم السريع أصبح قوة لا يستهان بها خلال السنوات الأخيرة ويقول “لا ينقضي عجبي من “المحللين” الذين يخرجون على الفضائيات ويعيدون ويكررون مستهزئين أن حميدتي تاجر إبل ولم يدخل الكلية الحربية، متناسين أن الدعم السريع تحول إلى مؤسسة عسكرية ضخمة فيها مستشارون وخبراء، بالإضافة أنها تتمتع بدعم أجهزة استخبارات خارجية”.
هدوء حذر
وبحسب مصادر في السودان لـ أخبار الآن، فقد شهدت الساعات المتأخرة من مساء الثلاثاء 18 من أبريل، هدوء حذر وذلك بموجب هدنة الـ 24 ساعة التي أعلن عنها الجانبين، لفتح ممرات آمنة للاستجابة الإنسانية ومرور المساعدات، بالإضافة للسماح للهلال الأحمر بإنتشال جثث الضحايا.
وبحسب وسائل إعلامية سودانية فأن من المتوقع وصول وفد رفيع المستوى من الإتحاد الإفريقي، للتوسط لإيحاد حل للإقتتال، إلا أن الإتحاد الإفريقي لم يعلن عن ذلك، وأكتفي بإصدار بيان في أول أيام الحرب مناديًا من خلاله الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار، والعودة للمفاوضات السياسية التي أبدى استعداده في دعمها وتيسيرها.
ورغم أن الاشتباكات الحالية تتسبب بحسب الخبراء باستنزاف قوات الدعم السريع، ولكن تبقى جميع السيناريوهات محتملة لأنه قد يحدث أي تطورات جديدة قد تقلب الموازين.