“هجوم غادر”.. إدانات دولية لمقتل والي غرب دارفور
دانت أطراف عدّة مقتل والي غرب دارفور بعد توقيفه بأيدي قوّات الدعم السريع، مع دخول النزاع في السودان شهره الثالث، وسط دعوات إلى تدخّل في الإقليم الذي حذّرت الأمم المتحدة من وقوع “جرائم ضدّ الإنسانيّة ” فيه.
وقال الجيش إنّ قوّات الدعم خطفت خميس أبكر وقتلته ليل الأربعاء الخميس بعد ساعات على اتّهامه إيّاها بـ”تدمير” مدينة الجنينة. من جهتها، حمّلت قوّات الدعم المسؤوليّة عن قتله إلى “مُتفلِّتين”.
ويُشكّل قتل أبكر تصعيدًا في النزاع الذي اندلع في 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ويتزامن مع تحذيرات متزايدة بتدهور الأوضاع في إقليم دارفور الذي عانى خلال عقدين نزاعا داميا، خصوصا في الجنينة، مركز غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم الواقع بغرب السودان عند الحدود مع تشاد.
ودان البرهان “الهجوم الغادر”، معتبرًا في بيان أن ما تنفّذه قوات الدعم “من قتل وسلب ونهب وترويع للمواطنين واستهداف للمنشآت الخدمية والتنموية بمدينة الجنينة، يعكس مدى الفظائع التي تقوم بها القوّات المتمرّدة ضدّ الأبرياء العزّل”.
ودانت قوات الدعم مقتل أبكر، مؤكّدةً أنّه جرى “على أيدي متفلّتين، على خلفية الصراع القبلي المحتدم بالولاية”.
وقالت إنّ مجموعة من “أحد المكوّنات القبليّة” دهمت مقر أبكر، ما دفعه إلى طلب “الحماية من قوات الدعم السريع” التي قامت “بتخليصه… وإحضاره لمقرّ حكومي”، إلا أنّ “المتفلّتين دهموا المكان بأعداد كبيرة” واشتبكوا مع عناصر قوّات الدعم “ما أدى لخروج الأوضاع عن السيطرة”.
ودعت إلى “تشكيل لجنة تحقيق مستقلّة للتقصّي حول الأحداث التي وقعت بالولاية وأدّت لمقتل الوالي ومئات المواطنين”.
غير أنّ الأمم المتحدة حمّلت قوّات الدعم مسؤوليّة “العمل الشنيع”.
وقالت بعثة المنظّمة في بيان “تنسب إفادات شهود عيان مُقنعة هذا الفعل إلى ميليشيات وقوّات الدعم السريع”، داعيةً إلى “تقديم الجناة بسرعة إلى العدالة وإلى عدم توسيع دائرة العنف في المنطقة بشكل أكبر”.
في نيويورك، اعتبر مسؤول الشؤون الإنسانيّة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، أنّ إقليم دارفور الذي يعيش سكّانه “كابوسًا” بسبب الحرب في السودان التي دخلت شهرها الثالث، يتّجه نحو “كارثة إنسانيّة” جديدة على العالم منعها.
وقال غريفيث في بيان إنّ إقليم “دارفور يتّجه سريعًا نحو كارثة إنسانيّة. لا يمكن للعالم أن يسمح بحصول ذلك. ليس مرّةً جديدة”.
من جهتها ندّدت واشنطن بشدّة بـ”أعمال العنف المروّعة” في السودان، قائلة إنّ التقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوّات الدعم السريع “موثوقة”.
وقال متحدّث باسم الخارجيّة الأمريكيّة إنّ ثمّة “ضحايا وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان قد اتّهموا بشكل موثوق جنود قوّات الدعم السريع ومجموعات مسلّحة متحالفة معها، بارتكاب عمليّات اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي على صلة بالنزاع”.
وأضاف أنّ “الفظائع التي وقعت اليوم في غرب دارفور ومناطق أخرى هي تذكير مشؤوم بالأحداث المروّعة التي دفعت الولايات المتحدة إلى أن تُحدّد في عام 2004 أنّ إبادة جماعية قد ارتُكِبت في دارفور”.
“وحشية وقساوة”
يضمّ دارفور نحو ربع سكّان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريبًا. في العقدين الماضيين، تسبّب النزاع فيه بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون آخرين، حسب الأمم المتحدة.
وخلال النزاع، لجأ الرئيس السابق عمر البشير الى ميليشيا “الجنجويد” لدعم قوّاته في مواجهة أقلّيات عرقيّة. ونشأت قوات الدعم السريع رسميًا عام 2013 من رحم هذه الميليشيات.
وكان أبكر زعيم إحدى حركات التمرّد الموقّعة لاتّفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020 سعيًا لإنهاء النزاع.
وشجبت هيئة محاميي دارفور قتل أبكر “بهذه الدرجة المُمعِنة في الوحشيّة والقساوة”، مطالبة بتدخّل أممي “لإيقاف المجازر البشريّة والإبادة الجماعيّة المرتكبة بواسطة الميليشيات العابرة المسنودة بقوات الدعم السريع”.
واعتبرت الباحثة السودانية خلود خير أن “هذا الاغتيال المروّع يتطلب إدانة واسعة وتبعات على قوات الدعم السريع، إضافة الى تحرك لحماية سكان دارفور وغيره”، سائلة “ما هي عمليا الخطوط الحمر؟ عدم التحرك الدولي يقتل”.
وسبق مقتل أبكر تحذير رئيس البعثة الأمميّة فولكر بيرتس من أنّ العنف في دارفور، خصوصا في الجنينة، قد يرقى إلى “جرائم ضدّ الإنسانيّة”.
وفي بيانها، دعت البعثة إلى “الوقف الفوري لجميع العمليات العسكريّة من أجل تهدئة الوضع، والتصدّي للعنف العرقي المتزايد، والسماح بالحصول على المعونة الإنسانية، ومنع مزيد من التدهور الذي قد يؤدي إلى صراع واسع النطاق”.
رفض سوداني للدور الكيني
وحوّل النزاع الذي تستخدم فيه كلّ أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، الكثير من أجزاء السودان إلى مناطق “منكوبة”، ولم يترك لسكّانه أيّ أفق بشأن متى يمكن أن تضع الحرب أوزارها.
وقال محمد الحسن عثمان الذي ترك منزله في جنوب العاصمة، لوكالة فرانس برس، “لم نكن (نعتقد) في أسوأ توقّعاتنا أنّ الحرب ستطول لهذا الأمد”.
أضاف “كل تفاصيل حياتنا تغيّرت، أصبحنا لا ندري هل سنعود إلى منازلنا أم علينا أن نبدأ حياة جديدة”.
ووفق آخر أرقام مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، أودى النزاع بأكثر من ألفي قتيل. إلا أن الأعداد الفعليّة قد تكون أعلى بكثير، حسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من مليوني شخص، لجأ أكثر من 528 ألفا منهم الى دول الجوار.
داخليا، لجأ الآلاف الى مدينة مدني على مسافة نحو 200 كلم جنوب الخرطوم، والتي بقيت في منأى عن أعمال العنف.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن فرقها في مدني شهدت “زيادة مقلقة في عدد الوافدين من الخرطوم”.
وأفاد قاطنون في العاصمة بأن السلطات “منعت السيارات القادمة من الولايات من التوجه إلى الخرطوم بدون إبداء الأسباب”.
إلى ذلك، مددت سلطة الطيران المدني إغلاق المجال الجوي حتى 30 حزيران/يونيو، على أن تستثنى من ذلك “رحلات المساعدات الإنسانية ورحلات الإجلاء بعد الحصول على تصريح من الجهات المختصة”.
ويحتاج 25 مليون شخص إلى المساعدة والحماية، وفقًا للأمم المتحدة، لكن حتى أواخر أيار/مايو، تم تمويل 13 في المئة فقط من حاجات المنظمة.
وتستضيف جنيف في 19 حزيران/يونيو، مؤتمرا ترأسه السعودية بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان.
وفشلت جهود تقودها السعودية والولايات المتحدة شملت محادثات في مدينة جدة، في التوصل إلى أي حلّ. وأبرم الطرفان في جدّة عددًا من الاتفاقات لوقف النار، بقيت غالبيتها بلا تطبيق على الأرض.
من جهتها، تقود الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) مبادرة. وأعلنت هذا الأسبوع رفع عدد الدول المكلّفة بها بضمّ إثيوبيا الى لجنة كانت تقتصر على كينيا والصومال وجنوب السودان، على أن تكون كينيا رئيسة لها بدل جنوب السودان.
وأعلنت الخارجيّة السودانيّة “رفضها رئاسة كينيا للجنة الإيغاد الخاصّة بمعالجة الأزمة”.
وشدّدت على أنّ كينيا “ليست مؤهّلة لرئاسة اللجنة”، مؤكدة أن هذا الأمر “لم يُطرح للنقاش” خلال قمة استضافتها جيبوتي هذا الأسبوع.
وكان الرئيس الكيني وليام روتو كشف أن الأطراف الإفريقية ستسعى الى عقد لقاء بين البرهان وحميدتي، وهو ما قابله مسؤول حكومي سوداني بالتأكيد أن قائد الجيش لن يجلس مع خصمه.