عيد الأضحى في تونس.. أسعار جنونية للأضاحي ومواطنون محرومون من الفرحة
أسبوع واحد يفصل التونسيين عن عيد الأضحى أو كما يحلو لهم تسميته “العيد الكبير”، هذه المناسبة التي يستعد لها الكبار والصغار قبل أيام عن طريق شراء الأضحية وتهيئة أجواءها المميزة إلا أن العيد هذه السنة لا يشبه الأعياد التي سبقته والأسواق التي تعج في العادة بالمشترين خالية إلا من بعض المواطنين المستائين من الأسعار التي وصفوها بـ”الجنونية”.
وللحديث أكثر عن هذا الموضوع التقت أخبار الآن مع عضوة النقابة الجهوية للفلاحين هاجر الطرابلسي التي شرحت الأسباب وراء ارتفاع الأسعار غير المعهود وأشارت إلى أن الجفاف يعد أهم الأسباب لأنه قلص مساحات المراعي وجعل الأغنام غير قادرة على توفير غذائها بمفردها ما يجعل الفلاح مضطرا لتوفير المواد العلفية الخشنة في الضيعة وهذه الأعلاف تتأثر بشكل مباشر بالأسعار العالمية.
الإنتاج الحيواني يتركز جدا على الأعلاف وغيابها يعني تراجع هذا الانتاج وأضافت:”من سنة إلى أخرى يتم رفع الدعم عنه هذا إلى جانب الأزمة العالمية المتمثلة في الغزو الروسي لأوكرانيا التي أثرت بشكل كبير على توريد الأعلاف المركبة التي تستوردها تونس من الخارج.”
وتابعت:”الفلاح أصبح مرهقا من كل هذه المشاكل وحاول لفترة التقليص في الكلفة لتجنب الخسارات الكبيرة لكن عدد كبير من الفلاحين خيروا مغادرة المهنة نهائيا لأن كل الأبواب أغلقت في وجوههم وهذا جعل أعداد المواشي تتراجع بشكل كبير إذ بلغ عدد المواشي في السنة الفارطة 1 مليون و140 ألف رأس غنم في حين تراجع العدد لسيستقر تقريبا عند 900 ألف رأس غنم، بما يعنيه أن عدد المواشي تراجع بنسبة 20 بالمائة خلال سنة واحدة فقط.”
في حين يشكو المواطنون عجزهم عن توفير ثمن الأضاحي المرتفع في ظل انهيار المقدرة الشرائية للتونسي وفي هذا الإطار التقت أخبار الآن بعدد من المواطنين في ضيعة لبيع المواشي وقال الشاب عبد الرحمان الطرابلسي: “الأسعار مرتفعة، نحن عاجزون حتى على شراء ملابس فما بالك خروف يضاهي سعره مرتب موظف في تونس.” وأضاف الطرابلسي:”جئت رفقة أخي من أجل شراء خروف للعائلة لكن الأسعار ليست في المتناول وحين ناقشنا السعر مع الفلاح أكد أن الأسعار مرتفعة بسبب ارتفاع أثمان الأعلاف.”
أما الشابة آمنة المهدوي التي التقت بها أخبار الآن رفقة عائلتها فأكدت أن العيد لم يعد يشبه نفسه وقالت:”أسعار الأضاحي مرتفعة، سعر الخروف مقارنة بالسنة الماضية ارتفع ما بين 300 و500 دينار تونسي، فرحة العيد لم تعد كما كانت وارتفاع الأسعار هو من تسبب في تكدير هذه الفرحة على التونسيين.”
وأضافت الشابة:”مقدرة المواطن الشرائية عاجزة عن توفير أضحية بأسعار الخرفان الحالية” هذا وكانت تتواجد آمنة رفقة عائلتها في “رحبة الأغنام” وهو المكان الذي يعرض فيه مربي المواشي، الأضاحي للبيع وحاولوا جاهدين التخفيض في أسعار بعض الخرفان التي بلغ سعرها 1600 دينار تونسي أي ما يقابل 500 دولار.
ليس المواطنون وحدهم المتضررين من أزمة الأضاحي، الفلاحون الذين التقت بهم أخبار الآن أيضا أطلقوا صيحة فزع من صعوبة الوضع الذي يمرون به إذ أكد مربي الماشية وصاحب ضيعة لتسمين الأغنام والعضو في نقابة الفلاحين، حمادي شطورو لأخبار الآن تضرره من ارتفاع الأسعار ، وقال:”المواطن يتسائل لماذا الفقير يحرم من فرحة العيد ولماذا يقوم الفلاح برفع الأسعار لكن في الحقيقة الفلاح بريء من هذا الغلاء لأنه ضحيته أيضا لأن الأعلاف تضاعف سعرها عشرات المرات.” وأضاف:” لأول مرة في التاريخ، نشهد أسعارا مماثلة، في العادة أسعار الأعلاف ترتفع بما يقابل 1 دينار تونسي فقط لكن في الوقت الحالي الزيادة أصبحت تقدر بما يزيد عن 15 دينار للكيلوغرام الواحد.”
كما أكد أن إقبال المواطنين على شراء الأضاحي تراجع بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية لكنه ذكر أيضا أن التونسيين يعمدون لشراء الأضاحي في الأيام الأخيرة التي تسبق العيد آملين في أن تتراجع الأسعار ويضطر الفلاح لبيع الأضاحي بأسعار تناسبهم لكنه شدد على أن الفلاحين لن يخفضوا الأسعار لأن خسارتهم ستكون فادحة وختم الحديث بالقول:”أفضل أن لا أبيع ويبقى الخروف في مزرعتي على أن أبيع بسعر أكون فيه خاسرا مائة بالمائة.”
وفي ذات السياق يؤكد الفلاح حمدي العيادي تضرره الكبير من ارتفاع الأسعار ورفع الدعم والجفاف أيضا، وأشار إلى أن كل العوامل هذه السنة تكاتفت للإضرار بالفلاح التونسي لكنه أشار في نفس الوقت أنه يقاوم كل هذه الظروف من أجل قوت عائلته إذ صرح:”الفلاح التونسي متعب ويعاني من غلاء الأسعار ورفع الدعم التدريجي وليس له خيار غير رفع أسعار الأضاحي حتى لا يخسر كل شيء.”
ومن الحلول التي اقترحتها عضوة نقابة الفلاحين، هاجر الطرابلسي لهذه الأزمة التي مست الفلاح المواطن هي تشجيع الدولة للفلاحين خاصة من يكونون قريبين من محطات تطهير المياه المستعملة لاستغلال هذه المياه لسقي أراضي الفلاحين وخاصة المراعي حتى تجد الماشية غذاء لها.
كما اقترحت هاجر الإحاطة والإرشاد بالفلاح لأن أغلب الفلاحين في تونس توارثوا هذه المهنة أبا عن جد وبالتالي فاتتهم التقنيات المتطورة في الفلاحة والأساليب التي من الممكن أن يستفيد منها وفي نفس الوقت يفيد الدولة من خلال تحسين الإنتاجية والمحافظة على الموارد المائية والبيئية كما شددت على ضرورة عدم رفع الدعم على الفلاحين لأن رفع الدعم التدريجي الذي اعتمدته الدولة أضر بشكل كبير بمربي المواشي والفلاحين في تونس.
في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعاني التونسيون من غلاء المعيشة وعدم القدرة على توفير أبسط حاجياتهم ومن بين الحاجيات التي أصبح التونسي عاجزا عن توفيرها لعائلته هو خروف العيد الذي كان في الماضي يمثل رمزا للفرحة خاصة لدى الأطفال وفي الماضي كانت الطبقة الفقيرة وحدها عاجزة عن توفير الأضحية لكن اليوم أصبحت الطبقة المتوسطة أيضا غير قادرة على توفيرها.