متفوقو تونس في الباكالوريا يكشفون أسباب هجرتهم وخبيرة في التوجيه الجامعي تقف على الانعكاسات
بعد صدور نتائج الباكالوريا في تونس الشهر الماضي، قام الطلاب بتحديد مسارهم الجامعي خلال هذه الفترة وككل سنة تتوجه أنظار المتفوقين في هذه المناظرة التونسية نحو مواصلة التعليم في الخارج.
وفي هذا الإطار التقت أخبار الآن بطالبين متفوقين في الباكالوريا، نغم الفقي صاحبة المرتبة الثانية وطنيا في امتحان الباكالوريا وزميلها المتفوق زياد بن حميدة الحائز على معدل 19,10 من 20.
وصرح الشاب زياد لأخبار الآن: “أنا واحد من الطلبة المتفوقين في الباكالوريا التونسية وقررت أن أواصل دراستي الجامعية بألمانيا والأسباب التي دفعتني إلى المغادرة هي أن الفرصة فتحت أبوابها لي وقد نصحني الكثيرون من عائلتي وأصدقائي المستقرين بالخارج بعدم التفريط فيها لكونها قد لا تتوفر مرة أخرى”.
وتابع: “كنت عازما على دراسة الطب بتونس لكنني اخترت في الأخير اختصاصا آخر قريبا من الطب (هندسة طبية) يفتح آفاقا واعدة في الخارج، لكن هنا هو اختصاص لا يحظى بالمكانة التي يحظى بها في الخارج”.
واسترسل الشاب المتفوق في ذكر الأسباب التي تدفعه لمغادرة تونس وذكر من بينها أن المستقبل في تونس لم يعد كالمستقبل الذي توفره الدول الغربية سواء من حيث جودة الحياة وتوفير الأمان المعيشي والمادي وقال: “حياتي في ألمانيا ستكون أفضل ومريحة أكثر”.
كما كشف لأخبار الآن أن العديد من زملائه الذين لم يتحصلو على المنحة الحكومية للدراسة بالخارج سيتوجهون للدراسة بالخارج على نفقتهم الخاصة وختم بن حميده حديثه لأخبار الآن بالقول: “أنا أحب تونس لكن أطمح إلى التميز في الخارج والرجوع إليها لإفادتها بالمهارات التي اكتسبتها شرط أن يتوفر الحد الأدنى من الاهتمام والدعم من الدولة التونسية”.
وفي نفس السياق قالت الطالبة نغم الفقي لأخبار الآن: “أنا طالبة باكالوريا شعبة رياضيات نجحت بمعدل 19,64 على 20 مرتبتي الأولى على مستوى ولايتي والثانية وطنيا ضمن شعبة الرياضيات قررت أن أواصل دراستي في الخارج وتحديدا في ألمانيا وذلك لكون الفرص متاحة هناك أكثر و لكي لا أندم يوما ما على ضياع فرصة مماثلة للهجرة”.
وأكدت الشابة نغم: “هناك عدة مهن جديدة واعدة في الخارج غير موجودة هنا، لذلك تبقى الفرص هناك متاحة أكثر، وكنت لأبقى في تونس لو كان التأطير الدراسي و التكوين الجامعي متطورا أكثر على غرار النظام الجامعي الألماني الذي يركز على التكوين التطبيقي”.
لكنها استدركت بالقول: “من يدري؟ قد تكون هناك إمكانية للعودة إلى تونس التي أحبها بعد أن أنهي دراستي وأعمل لبعض السنوات في الخارج إن وفرت لي بلادي ظروفا جيدة في المستقبل”.
شاركت الفقي أيضا أحلامها مع أخبار الآن وقالت: “من أحلامي أن أسافر حول العالم وأنخرط في منظمة اليونيسيف وأن أكون شخصا يقدم المساعدة والعون للمستضعفين”.
وللوقوف أكثر على أسباب هجرة الشباب وانعكاساتها الإيجابية والسلبية التقت أخبار الآن خبيرة في التوجيه المدرسي والجامعي و مختصة في علم نفس المراهق، إيمان الطرابلسي، والتي قالت إن وزارة التعليم العالي كشفت أنه خلال سنة 2022 هناك أكثر من 17 ألف طالب تونسي توجه إلى الدراسة بالخارج لوجهات مختلفة (فرنسا، ألمانيا، روسيا، أوكرانيا).
كما أكدت على أن الدولة التونسية توفر منح دراسة بالخارج للطلبة المتفوقين في امتحانات الباكالوريا (للدراسة بكل من فرنسا و ألمانيا) وهناك برامج تبادل طلابي بين دول المغرب العربي خاصة في المجال الطبي.
وأشارت إلى أن هناك أيضا برامج ومنح مسندة من بعض السفارات الأجنبية على غرار سفارة اليابان بتونس وسفارة المجر وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية، وأضافت أنه يمكن للطالب أن يختار التمويل الذاتي لمصاريف دراسته إن أمكن له ذلك، هذه طرق الخروج للدراسة بالخارج بالنسبة للتونسيين.
العالم قرية صغيرة والهجرة هدف الجيل “زد”
وحسب المعطيات الإحصائية لديوان التونسيين بالخارج هناك أكثر من 75 ألف طالب تونسي بالخارج 58 بالمائة منهم مستقرون بفرنسا.
وفي هذا الإطار كشفت الخبيرة أن الظاهرة لا تقتصر على الشباب التونسي لكنها عالمية خاصة بالنسبة للجيل من الشباب المولودين بين سنتي 1997 و2010 أو ما يعرف بالجيل “زد” أي الجيل الذي ولد في سياق الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة و هو جيل يحبذ جدا التنقل و يتسم بالواقعية واقتناص الفرص وواقع تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تسوق لقصص نجاح بلغ أصحابها أهدافهم بعد هجرتهم.
كما ذكرت عددا من الأسباب الأخرى للهجرة كالتفكير في مستقبل مستقر والبحث عن جودة الحياة وعن نمط تعليمي متطور وخاصة في الاختصاصات الجامعية غير المتوفرة في تونس كعلوم الفضاء وتوقفت المختصة عند عدد من النقاط الإيجابية للدراسة بالخارج التي من أهمها إتقان الطالب لغة جديدة والقدرة على التواصل والاندماج في مجتمع جديد والتدبير المالي وتحسين السيرة الذاتية.
نزيف الكفاءات التونسية وعجز الدولة عن استرجاع أبناءها
أما الانعكاسات السلبية فتتمثل وفق الطرابلسي في الشعور بالوحدة و الغربة للطالب والعائلة في نفس الوقت خاصة أن العائلة التونسية أضحت مصغرة من حيث العدد ومن ناحية ثانية هناك من لا يقدر على التأقلم مع المحيط الجديد أي الطلبة الذين يعانون من اضطراب قلق الانفصال والعامل السلبي المخيف وفق تعبير المختصة هو أن أغلب الطلبة التونسيين الدارسين بالخارج (55 بالمائة منهم) يختارون الاستقرار بالبلدان التي يدرسون بها ما فاقم في أزمة الموارد البشرية للدولة التونسية التي تكلفها تمويل دراسة الطالب التونسي بالمرحلة الاعدادية والثانوية 1100 دولار لكل طالب و بالمرحلة الابتدائية ما يقدر بـ500 دولار.
وهنا يمكن الحديث عن نزيف الكفاءات التونسية وفقدانها وفق الطرابلسي وفي الحلول اقترحت الخبيرة أنه ينبغي بناء على ذلك أن تبدأ الدولة العاجزة في بعض الأوقات عن استعادة الكفاءات، التفكير في استراتيجية لإعادة هذه الكفاءات للعمل بتونس من ذلك توفير بيئة جاذبة للبحث العلمي والتركيز على تحسين جودة الحياة ليعود الطالب التونسي إذ تحتل بلاده المرتبة الثانية بعد سوريا في هجرة الأدمغة.
للمزيد عن التعليم في تونس: