خبير في المياه والسدود لأخبار الآن: كان يجب إفراغ السد قبل أسبوع في درنة
خلف إعصار دانيال آلاف القتلى والمفقودين وخسائر مادية لم يتم حصرها بعد لكنها تقدر بمبالغ خيالية هذا وأكد وزير الصحة الليبي عثمان عبد الجليل، أن الوضع في درنة مخيف، وهناك أماكن ما زالت معزولة وأحياء جرفت بكاملها وعن أسباب هذه الكارثة يقول البعض أنها تتعلق بأزمة المناخ والأمطار الطوفانية التي هطلت على المدينة في حين يحمل البعض الآخر المسؤولية للسدود التي فاقمت من خطورة الكارثة الطبيعية وللحديث أكثر عن هذا الموضوع تواصلت أخبار الآن مع الخبير في مجال المياه والسدود، عبد الله الرابحي الذي شرح بالتفصيل موقع مدينة درنة ومكان السدود فيها والأسباب التي دفعت لحدوث هذه المأساة الإنسانية.
الخسائر البشرية والمادية أكبر من أن تكون ناتجة عن عوامل طبيعية
وقال الخبير لأخبار الآن: “إن كميات الأمطار في شرق ليبيا كانت هائلة وتجاوزت 420 ملم في ظرف 24 ساعة وهذه الكمية تعتبر كبيرة جدا لكن هذه الكميات لو أخذنا بالاعتبار أن كميات من الأمطار أكبر بكثير نزلت في مناطق أخرى من العالم وتجاوزت في بعض الأحيان 800 ملم لكن لم يحصل فيها نفس ما حدث في ليبيا”.
وأضاف:”الأضرار في درنة كبيرة جدا وأكبر من أن نقول أنها ناتجة عن عوامل طبيعية أو فيضانات ففي اليونان مثلا لم تتجاوز نسبة الوفيات 5 رغم أن نسبة الأمطار أكبر ولذلك فإن وضعية ليبيا خاصة وبالنسبة لدرنة تقع في منطقة تسمى بـ”الحوض الساكب” وهو مصب لتجميع المياه وهذا الحوض يتسع لحوالي 575 كلم مربع.”
وتابع:”إذا كل الأمطار نزلت على حوض يقع فوق مدينة درنة وهذا الحوض يقع على ارتفاع 700 متر في حين أن المدينة تقع على البحر عبر شريط ساحلي مساحته 12 كلم وأشار إلى أن المدينة تقع على سفح الجبل والمسافة بين السد والمدينة صغيرة جدا وبالتالي الأمطار حين تنزل تعبر 12 كلم من السد إلى المدينة وتنزل كالشلالات بحكم ارتفاع السد وهذا يؤكد أن المدينة لها خاصيات معينة كقربها من البحر والجبل إلى جانب قرب مصب الواد من المدينة.”
سدود في مكان آهل بالسكان والسلطات لم تتصرف في الوقت المناسب
هناك سدين في درنة، الأول 23 مليون متر مكعب والثاني فيه تقريبا 1,17 مليون متر مكعب وهو سد صغير وهذه السدود موجودة على واد درنة في الأعلى وفق الخبير وبالتالي نظرا للارتفاع الكبير للقتلى التفسير الوحيد هو انهيار السدين والسبب المباشر لانهيارهما هو الكميات الكبيرة التي جعلتها تنهار كما أن وضعية هذه السدود غير مناسبة وكان يجب أولا أن لا يكون هناك سدود في مكان آهل للسكان أو العكس بالعكس كما أنه غاب اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وهذا ما جعل الكارثة تحل بدرنة ومن المفترض أن تتصرف السلطات لإنقاذ الجميع حين علمت قبل أسبوع بوقوع عاصفة قريبة، وفق تعبيره.
كما صرح الخبير:”أنا كنت شاهدا وعشت الفياضانات الحاصلة سنة 2000 في معتمدية بوسالم من ولاية جندوبة في تونس والفياضانات الحاصلة سنة 2018 في نابل وما أنقذ تونس من كارثة في ذلك الوقت هو إصدار السلطات تعليمات في اتجاه تنفيس السدود خاصة الصغرى منها وفي اعتقادي في ليبيا كان هناك خطأ في معالجة الموقف واتخاد القرار المناسب لأن المصاب جلل بسبب الإهمال.”
تصميم خاطئ للتهيئة العمرانية وسد مصب الماء بالإسمنت أودى بحياة المئات
وشدد الخبير عبد الله على أن السدود في كل مكان في العالم معلومة الموقع وخصوصية واد درنة أن موقعه الجبلي هو الذي جعل إمكانية تحويل وجهته غير ممكنة وفي بعض المواضع يصل عمقه إلى 25 متر حسب الدراسات وبالتالي فإن مصب الماء أي الدلتا تم سده عند بناء الطرقات وتم تحويل الموقع الذي يمثل متنفس الواد إلى منطقة زراعية وبالتالي في اعتقادي هناك تصميم خاطئ للتهيئة العمرانية لتلك المساكن التي بنيت بكثافة فوق الموقع الذي يمثل متنفسا للواد و الحال أن التاريخ يبرز أن كل مجرى واد مصيره عودة المياه إليه ولو بعد آلاف السنين فإن اعتديت على حرمة الواد عليك أن تخشى من عواقب ذلك خاصة في ظل أمطار استثنائية مثل تلك التي عرفتها ليبيا وينبغي أن نعلم أن لكل سد مفيض ولعل الأصوات التي سمعها الليبيون قرب السد من دوي هي أصوات امتلائه.
كما أكد في أكثر من مرة خلال حديثه على أن وجود السد ليس هو المشكل لكن الخطأ راجع إلى سوء تصرف البشر بالأساس وأشار إلى أن أول خطأ يتمثل في التصرف غير السليم في المنشآت من حيث التصميم الخاطئ للمدن تحت السدود و طبيعة حضور العنصر البشري وعدم أخد القرار المناسب في الوقت المناسب إذ كان يمكن بناء على التوقعات المعلومة تفريغ السد قبل أسبوع من الكارثة.
في العادة وفق الخبير حتى وفي فرضية أمطار استثنائية لا تنهار السدود وهذا يعود إلى نقص في الصيانة ونقص في حضور البشر وخطأ في أخد القرار في الوقت المناسب إذ يمكن التحكم في السد لكن على شرط عدم سد منافس السدود بالإسمنت الصلب التابع للبنايات السكنية وذلك لتجنب صعود الماء فوق متن السد وهذا ما سبب في نهاية المطاف انهيار سدين و أربع قناطر.
هذا ويعتبر الخبير في السدود والمياه أن الخطأ أيضا يكمن في عدم إخلاء المناطق قبل 24 ساعة من حصول الكارثة رغم كون تلك المناطق في مجرى السد.
وذات السياق تواصلت أخبار الآن أيضا مع المهندس البيئي والخبير في البيئة حمدي حشاد:”حصيلة ليبيا مرتفعة لعدة أسباب أهمها أن السلطات الليبية لم تأخذ الأمور بجدية رغم متابعتهم للكوارث التي حصلت في اليونان وكان الوضع هناك كارثيا وغرقت عدة جزر ومنتجعات سياحية إلا أن ليبيا استهترت بالوضعية ولم تأخذ الأمر بجدية لأنه من المفترض بمجرد الشك في وجود كارثة حتى لو كانت نسبتها 0.1% يجب بأخذ التدابير اللازمة.”
وأيضا وفق الخبير البنية التحتية في ليبيا متهالكة والذي حدث هو أمطار الطوفانية حتى لو كانت البنية التحتية لليبيا قوية ومتماسكة ستحدث أضرار كبيرة وهناك مشكلة كبيرة وهي أن الناس بنوا منازلهم بجانب أودية، يوجد وادي عرضه يصل إلى 300 متر ويطلق على الواد الوادي الكبير ويوجد واد آخر صغير وبقي ذاك الوادي جافا لمدة 35 سنة أو 30 سنة فبنى الناس منازلهم على ضفاف ذاك الوادي ولم يعطوا أهمية للمخاطر وعندما حدثت تلك العاصفة فاض من الجهتين وأغرق مسافة 200 متر من كل جانب وهنالك عمارة يسكن فيها 200 شخص غرقت بأكملها.
وختم حشاد حديثه لأخبار الآن بالقول:”هناك قاسم مشترك بين الدول العربية وهي قلة الثقافة المدنية وكيفية التعامل والتصرف في الكوارث الطبيعية ولهذا كانت الحصيلة مرتفعة جدا.”
للمزيد عن إعصار دانيال في درنة: