تونس بعد أن كانت الأولى عربيا في تصدير الزيتون.. الآن تعاني من تداعيات الجفاف على ثروتها الفلاحية
يمتزج تاريخ زيت الزيتون مع تاريخ تونس إذ أن العديد من الحضارات المتوسطية أخذت تتحول عبر التاريخ لنشر ثقافة شجرة الزيتون: الفينيقية والقرطاجية والعربية، ويشكل هذا البلد نموذجا فريدا ضمن المنطقة العربية، لأنه المصدر الأول للزيتون في العالم العربي وهو ما يجعل هذه المادة ذات موقع إستراتيجي في الإنتاج وإيرادات التصدير إلا أن الفلاحين أطلقوا صيحة فزع جراء تراجع إنتاج الزيتون، إذ أن أزمات عديدة كالجفاف عصفت بهذه الثروة الفلاحية.
والتقت أخبار الآن بالفلاحة، مريم اليوسفي التي روت بأسف لأخبار الآن تداعيات الجفاف على أرضها وزياتينها وقالت لأخبار الآن: “لمدة ثلاث سنوات لا توجد أمطار ونحن كالأسماك نعيش بالماء إذ أخرجتنا منه نموت”.
وأضافت: “نحن نعيش من الفلاحة كبارا و صغارا، جميع من في الريف يعيشون بالزيتون والمطر”. وأكدت أكثر من مرة خلال حديثها أن موت الزيتون يعني موتها الحرفي هي وعائلتها”.
كما أكدت الفلاحة مريم وهي تخفي دموعها أن هذه السنة لم تشهدها طيلة سنواتها الستين، وشددت على أن صابة الزيتون منعدمة وأن الدعم من الدولة بدوره مفقود، ولم تكن اليوسفي المتضررة الوحيدة إذ شاركنا فلاح آخر يحمل اسم صالح بن منصور معاناته وخسائرها الكبيرة بسبب انقطاع الأمطار عن الزياتين وقال: “شجرة الزيتون مباركة ولطالما كانت سخية معنا لكنها هذه السنة أصبحت عاجزة وأصابتنا بالعجز بدورها”.
وأضاف: “عندما تأتي الأمطار وتثمر أشجارنا نعيش منها وحين تغيب الأمطار لا نفعل شيئا سوى الجلوس في المنزل”. كما أكد الفلاح على أن الزيتون مريض ولم تنجح كل الأدوية في علاجه لأنه ببساطة يحتاج لماء المساء أي للأمطار.
وشدد على أن الفلاحة هي الأساس وهي الثروة الوطنية التي يأكل منها الناس جميعا على اختلاف طبقاتهم وزيت الزيتون مادة غذائية لا تغيب عن موائد كل التونسيين لكن اليوم أصبح حتى متوسط الدخل عاجزا عن شراء قارورة زيت زيتون وفق تعبيره.
وللوقوف على أسباب هذه الأزمة التي جعلت الفلاحين يطلقون صيحة فزع التقت أخبار الآن الخبير في السياسات الفلاحية، فوزي الزياني الذي أشار إلى أن الأسباب في البداية هي عالمية لأن جميع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط كلها تشكو من الجفاف.
وأكد على أن ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام نزول الأمطار هما أهم عنصران أثرا على شجرة الزيتون وجعل الصابة العالمية للسنة الثانية والثالثة على التوالي منخفضة جدا وأضاف: “الطلب أكثر من العرض لأن الاستهلاك العالمي يبلغ حوالي 3 ملايين و300 ألف طن وهو في تصاعد بنسبة 5% سنويا مقابل انخفاض في الإنتاج بسبب أزمة المناخ”.
وأشار إلى أن تونس ليست بمعزل عن ظرفية حوض الأبيض المتوسط، إذ أن توقعات هذه السنة للزيتون حسب وزارة الفلاحة تقدر بـ200 ألف طن طبعا، ونحن حاليا دون المتوسط لكن من الصعب أن تصل بلاده إلى 200 ألف طن هذه السنة ومن المرجح أن تصل الصابة إلى 150 ألف طن فقط.
وعن الأسعار أكد الزياني أن زيادة ثمنه تقدر بحوالي 70% لأن الموسم الماضي انطلق بـ15 دينار للتر زيت الزيتون الواحد والآن تباع بـ25 دينار وحتى الأسعار بمستوى الطلب بالجملة والتصدير تقدر بحوالي 28/30 دينار للكيلوغرام الواحد على مستوى التصدير هذا يثبت وفق روايته أن العالم لا يوجد فيه زيت كاف، وهذا سيجعله يرتفع لأكثر من 30 دينار بسهولة تامة في أواسط العام المقبل.
أسباب أخرى ذكرها الخبير تتعلق بتراجع المخزون العالمي لزيت الزيتون بسبب أزمة المناخ وارتفاع درجات الحرارة وبالتالي انخفاض الانتاج بنسبة كبيرة وكذلك المخزون العالمي.
بالنسبة للحلول فتحدث الخبير الفلاحي عن مساران اثنان، الأول يتعلق بمسار التصدير وقال: “يجب على التصدير أن يأخذ مساره يعني لما تكون الأسعار العالمية محددة ببورصة عالمية ما يقدر بحوالي 10 دولارات للكيلوغرام ونحن في تونس نبيع في ذات الوقت بالسعر العالمي تقريبا، وهذا المسار من شأنه أن يجلب لنا العملة الصعبة”.
وتسائل الزياني خلال حديثه: “كيف لتونسي يعيش في دولة ثروتها الوطنية الأولى بإمتياز هي زيت الزيتون، لكن لا يتمتع به ويحرم منه؟وواصل الحديث عن المسار الثاني الذي يتعلق وفق تعبيره بسياسة دولة سياسية اجتماعية وصرح: “أنا أعبر عنه بالمسار الاجتماعي لأن الدولة مالكة لمئات الآف من زياتين وهي قادرة أن توفر ملكية مع الأداءات التي توظف في التصدير، وكذلك تحويل قسط من دعم الزيت النباتي وهذا سيتيح لنا شبه صندوق نستطيع دعم به زيت الزيتون للعائلات المتوسطة والفقيرة ويستطيع أن يأخذ احتياجاته منها بسعر تفاضلي”.
وختم حديثه بالقول: “لا ننسى نقطة مهمة وهي فرصة تاريخية لتونس للتموقع على مستوى العالمي على مستوى التصدير ويجب أن تكون لدينا سياسة ترويجية تسويقية ناجعة وناجحة في الأيام المقبلة لكي نستطيع تصدير خاصة زيت الزيتون معلبة الذي يستطيع يضعف إرادات العملة الصعبة”.
ويكابد الفلاحون مشقة الخروج بأخف الأضرار من تداعيات الجفاف الذي يضرب البلاد من 4 سنوات، مما جعل هذا الموسم الأسوأ في تاريخ الفلاحة التونسية من حيث الخسائر، خاصة مع غلاء تكاليف الإنتاج ونقص مخزون السدود وانعدام حوكمة توزيع المياه وغياب دعم حكومي يراعي ظروف الفلاحين الصغار، حسب خبراء ومزارعين.