الغارات الإسرائيلية العنيفة والحصار الشامل وتدمير غزة قد يضمن استمرارية حماس

مع خروج سكان غزة المتضررين من منازلهم المدمرة في شمال القطاع بعد دخول وقف إطلاق النار المؤقت لمدة أربعة أيام حيز التنفيذ، قام مراسل فلسطيني يعمل لدى محطة تلفزيون تابعة لحماس بتصوير عشرات من المدنيين المستائين وهم يشتمون حماس ويتهمون الحركة بتدمير حياتهم، وهذا ليس مثالا معزولا.

ففي مقطع قصير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يظهر آثار الغارة الإسرائيلية المدمرة التي أدت إلى مقتل مدنيين في غزة، تصرخ أم فلسطينية حزينة من الألم: “كل هذا بسبب كلاب حماس” ويمكن سماع رجل قريب، على الأرجح أحد أفراد الأسرة، يقول لها بسرعة: “كفى!”. يضع يده على فمها ليمنعها من قول المزيد.

 

العديد من الفلسطينيين إما مترددون أو خائفون من التعبير عما يفكرون به بصدق بشأن حماس، الحركة المسلحة التي تحكم غزة منذ عام 2007 والتي نفذت الهجوم في 7 أكتوبر على إسرائيل. أدى القصف الإسرائيلي المكثف في مختلف أنحاء قطاع غزة إلى مقتل مئات الأشخاص يومياً، ما أثار ردود فعل سلبية من الفلسطينيين الذين يدفعون ثمن أفعال لم يرتكبوها أو يخططوا لها أو يؤيدوها.

مباشرة بعد الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول على البلدات والكيبوتسات الإسرائيلية، انتشرت العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من سكان غزة الذين عبروا عن قلقهم الشديد وخوفهم ورعبهم وقلقهم بشأن ما قد يترتب عن الهجوم وأدان المئات ما قامت به حماس  وأكدوا أن الهجوم سيؤدي حتماً إلى تدمير القطاع بشكل كامل.

بعد أول غارة إسرائيلية واسعة النطاق على مخيم جباليا للاجئين في غزة، أظهر مقطع فيديو قصير آخر غضب رجل حزين ضد حماس خلال مؤتمر صحفي عقده أحد المتحدثين باسم الجماعة، حيث ألقى باللوم على الجماعة فيما حل بالقطاع.

“لماذا يختبئون بين الناس؟” سأل رجل تعرض للضرب داخل مستشفى غزة على قناة الجزيرة، في إشارة إلى عناصر حماس. “لماذا لا يذهبون إلى الجحيم ويختبئون هناك؟” قاطعه المذيع بسرعة.

حماس لا تحظى بشعبية كبيرة بين سكان غزة لكن الطريقة التي تشن بها إسرائيل الحرب في القطاع ستجعل الأمور في نهاية المطاف أسوأ بكثير لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى الطويل.

ورغم تجاهلها لشعبها، تمكنت حماس من عزل نفسها ورعاتها من تأثير الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عاماً وهناك غضب متزايد بين سكان غزة من هذا الواقع، فضلاً عن رفض أساليب حماس ومعتقداتها وأيديولوجياتها وحكمها للقطاع.

وفي منشور شهير على فيسبوك نشره أحد سكان غزة المحبطين داخل القطاع، انتقد مؤخرا “الفصائل المسلحة المدعومة من إيران” بقيادة حماس، وأضاف: “لا يبدو أننا كمدنيين نؤخذ في الاعتبار من بعيد في خططهم أو حساباتهم”، مشيرًا إلى أن المسلحين “يصورون أنفسهم على أنهم بخير تمامًا” فيما يتعلق بأنفاقهم وإمداداتهم ومخزوناتهم المعدة جيدًا في حين لم يتم وضع مثل هذه الاستعدادات. في مكانها لدعم احتياجات السكان المدنيين.

لماذا لا تحظى حماس بشعبية وتأييد من سكان غزة؟

ودعا المنشور إلى إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، مشددا على أن حياة سكان غزة أكثر قيمة من صفقة تبادل الرهائن أو أيديولوجيات حماس ومعتقداتها.

قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر مباشرة، أظهر استطلاع أجراه الباروميتر العربي تراجعا مستمرا في ثقة سكان غزة في حكم حماس وفقا لعدة مقاييس.

ومن المثير للاهتمام أن حماس تتمتع بدعم أكبر بكثير بين سكان الضفة الغربية على الرغم من افتقارها إلى وجود قوي في المنطقة ومن المرجح أن يؤدي الاستياء من عنف المستوطنين، والاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية العاجزة إلى تغذية الدعم للمقاومة العنيفة التي تمثلها إيديولوجية حماس وتكتيكاتها.

لكن الغارات الإسرائلية المكثفة وأعداد القتلى المهول بالإضافة للدمار الكبير والحصار الشامل الذي جوّع المدنيين يدفع ذلك بالفلسطينيين للنقمة، كما قد تؤدي ردة فعل إسرائيل العنيفة إلى تقوية الجماعات المسلحة في فلسطين.

ولكن على الرغم من المعاناة واسعة النطاق، فإن الضفة الغربية تتقدم على غزة بسنوات ضوئية من حيث نوعية الحياة، فإن ما يجلبه حكم حماس من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الدعم الذي تحظى به الجماعة بشكل خطير، الأمر الذي يجعل من الصعب تقييم الرأي العام الفلسطيني، بما في ذلك في غزة، هو أن مفهوم “المقاومة” يتمتع بدعم واسع النطاق، حتى لو كان الناس يكرهون حكم حماس وممارساتها. وتستغل حماس ذلك، وتخفي إخفاقاتها وراء أعمالها المقاومة، مما يجعل من الممكن ادعاء أي إنجاز.

لماذا لا تحظى حماس بشعبية وتأييد من سكان غزة؟

وعلى وجه التحديد السبب الذي دفع حماس إلى شن هجومها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولم يكن الهجوم يتعلق بعنف المستوطنين في القدس أو السعي إلى كسر الحصار. كان الأمر يتعلق بوقف موجة الاستياء والسخط من الفلسطينيين، إذ يشير استطلاع للرأي أجري مؤخراً إلى أن مناورة حماس ربما نجحت وتشير الأدلة إلى وجود دعم شعبي فلسطيني واسع النطاق لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وعلى الرغم من القيود الشديدة التي يفرضها هذا الاستطلاع، فإن حماس تعتبر الإفراج عن 150 سجيناً فلسطينياً بمثابة انتصار على الرغم من عدد القتلى والتكلفة الكبيرة.

وقال خليل الحية، القيادي البارز في حماس، لصحيفة نيويورك تايمز من قطر إن أهداف الحركة ليست “إدارة غزة وتزويدها بالمياه والكهرباء”، أو “تحسين الوضع في غزة”، بل وضع الفلسطينيين في مكانهم الصحيح.

بمعنى آخر، تهدف حماس إلى استخدام غزة كقلعة يمكنها من خلالها جر 2.3 مليون إنسان في مشروع “مقاومة” تنطوي على حرب وعنف مستمرين ودائمين.

يلوم العديد من سكان غزة، إسرائيل على تهجيرهم من الأرض التي عاشت عليها عائلاتهم لأجيال إذ أن حوالي 70٪ من سكان غزة هم لاجئون أو أحفاد لاجئين من نكبة عام 1948، ولكن الغزاويين ليس لديهم أية أوهام بشأن نوايا حماس الشريرة، وعدم كفاءتها وأنانيتها. وهم يرون أن الحصار الإسرائيلي يمكّن حماس من إعفاء نفسها من مسؤوليتها في الحكم بفعالية وتوفير احتياجاتهم.

إذا لوحت إسرائيل بعصا سحرية فوق غزة وأزاحت حماس بطريقة أو بأخرى ورفعت قبضتها على السلطة دون وقوع خسائر في صفوف المدنيين فقد يرحب نصف القطاع على الأقل بمثل هذه الخطوة.

وقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية رداً على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى مقتل أكثر من 14.000 شخص بالإضافة إلى العديد من الجثث تحت الأنقاض ولقد استنزفت حصيلة القتلى والدمار غير المسبوقة معظم رأس المال السياسي الدولي الذي اكتسبته الحكومة الإسرائيلية بعد هجمات حماس المروعة.

ويقدر الجيش الإسرائيلي أن عمليته داخل القطاع قد قتلت ما يصل إلى 2000 من مقاتلي حماس (لا يشمل ذلك حماس وأعضاء الجماعات الأخرى الذين قتلوا في 7 أكتوبر) من قوة يقدرها بنحو 30 ألف جنديوهو عدد منخفض بشكل صادم من المقاتلين الذين قتلوا مقارنة إلى القتلى المدنيين. وقد حذر المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الجنرال ديفيد بتريوس من أنه “يجب أن يكون هناك قلق حقيقي بشأن الشعب الفلسطيني في غزة”.