تحذيرات أممية من أن حرب السودان قد تثير أكبر أزمة جوع في العالم
منذ يومين كانت الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في السودان، تلك الحرب التي لا يلوح في الأفق مخرج لها حتى الآن، بينما نتتفاقم تداعياتها التي طالت ملايين السودانيين بين قتل ونزوح ونقص حاد في الغذاء يهدد بإثارة أكبر أزمة جوع في العالم..
ولعل هذا ما دفع المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين إلى التحذير على هامش مؤتمر دولي في باريس حول السودان، من أن الأزمة الغذائية التي يمر بها قد تكون “الأكبر من نوعها على الإطلاق”.
واندلعت المعارك في الخرطوم في 15 نيسان/أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه في ذلك الحين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وأودت هذه الاشتباكات التي باتت تغطي مساحات واسعة من البلاد، الى مقتل آلاف الأشخاص، من بينهم 10 آلاف الى 15 ألفاً في مدينة واحدة في إقليم دارفور بغرب البلاد، وفق الأمم المتحدة.
نزوح 6 ملايين سوداني
واضطر ستة ملايين ونصف سوداني إلى النزوح من ديارهم بينما لجأ مليونان ونصف آخرون الى الدول المجاورة.
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين اجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، من نقض حاد في الغذاء. وبات مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا، في أزمات يشعر العاملون في المجال الإغاثي بالعجز حيالها بسبب رفض منحهم تأشيرات دخول وفرض رسوم جمركية باهظة على المواد الغذائية، إضافة الى نهب المخازن وصعوبة الوصول الى العالقين قرب جبهات القتال.
وانهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في السودان. وتقدّر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار.
أما القطاع الزراعي الذي كان يعمل فيه العدد الأكبر من السودانيين في بلد كان يعد سلة غلال إفريقيا، فاستحال أراضي محروقة. حتى المصانع القليلة تمّ قصفها.
وتؤكد الدولة أنها فقدت 80% من مواردها. وقد يؤدي استمرار المعارك الى وقف تصدير نفط جنوب السودان الذي يعود على حكومة الخرطوم بعائدات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات شهريا.
انعدام غذائي كارثي
وتقول الأمم المتحدة إن نحو خمسة ملايين شخص مهددون “بانعدام غذائي كارثي” في الأشهر المقبلة، وهو أعلى مستوى في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
خلال عام واحد، أدّت الحرب في السودان إلى سقوط آلاف القتلى ودفعت البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلا، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8,5 ملايين شخص، بحسب الأمم المتحدة.
مع ذلك، لم يصل تمويل الاستجابة الإنسانية المقررة للسودان إلّا لنسبة 5%، وفق الخارجية الفرنسية.
وأوضحت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي “أن غزّة موضع كل الاهتمام وهذا أمر مفهوم، لكن لا يمكننا أن ننسى دولًا مثل السودان”، مؤكدة أن برنامج الأغذية العالمي “لا يمكنه إطعام الناس إذا لم تكن الحكومات والكيانات الخاصة مستعدة لتمويله”.
وحضت الأطراف المتحاربة على تيسير انتقال العاملين الإنسانيين في الأراضي السودانية إذ إنهم عاجزون عن الوصول إلى “90% من السكان”.
وأضافت “حين نبدأ بالتساؤل عمّا إذا كان هناك مجاعة أم لا، فالحقيقة هي أننا لا نعرف لأننا لا نستطيع الوصول (إلى السكان). لذلك من المهم جدًا بالنسبة لنا أن نحصل على سبل آمنة للوصول” إلى المستفيدين.
القتال يعيق إيصال المساعدات الإنسانية
برنامج الأغذية العالمي يقول إنه وبسبب العنف المتواصل وتدخل الأطراف المتحاربة ليس باستطاعته إيصال مساعدات غذائية طارئة كافية للمجتمعات اليائسة في السودان والمحاصرة بالقتال. وفي الوقت الحالي، فإن 90 في المائة من الأشخاص الذين يواجهون مستويات الجوع الشديد في السودان عالقون في مناطق لا يستطيع البرنامج الوصول إليها إلى حد كبير.
ونبه البرنامج إلى أن المساعدات الإنسانية واجهت مزيدا من العرقلة بعد إلغاء السلطات التصاريح اللازمة لقوافل الشاحنات عبر الحدود، مما أجبر برنامج الأغذية العالمي على وقف عملياته من تشاد إلى دارفور.
وكان أكثر من مليون شخص في غرب ووسط دارفور قد تلقوا مساعدات برنامج الأغذية العالمي عبر هذا المسار الحيوي منذ آب/أغسطس، وكان البرنامج بصدد توسيع نطاق دعم هذا العدد شهريا مع استمرار ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية في دارفور.
مؤتمر باريس حول السودان
ويم الاثنين الماضي تعهّد المجتمعون في مؤتمر باريس حول السودان تقديم مساعدات إنسانية تزيد على مليارَي يورو لدعم المدنيين في الدولة الإفريقية التي تشهد نزاعًا داميًا منذ عام، على ما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقال ماكرون “يمكن أن نعلن أنه سيتم في المجمل تعبئة أكثر من مليارَي يورو”، لافتًا إلى أن الالتزامات التي سُجّلت قبل المؤتمر الاثنين بلغت 190 مليون يورو فقط.
وستساهم دول الاتحاد الأوروبي في 900 مليون يورو من التعهدات الإجمالية التي تبلغ حصة فرنسا فيها 110 ملايين.
وأضاف ماكرون “سيسمح هذا الدعم (…) بالاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا في قطاعات الأمن الغذائي والتغذوي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الأكثر ضعفًا”.
ورغم أن التعهدات بالتبرعات طموحة، فإنها لا تزال بعيدة عن مبلغ 3,8 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات بحسب الأمم المتحدة.
كما تعهدت الإمارات بـ 100 مليون دولار دعما للشعب السوداني خلال مشاركتها في اجتماعات المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان في “باريس”.
#الإمارات تتعهد بـ 100 مليون دولار دعما للشعب السوداني خلال مشاركتها في اجتماعات المؤتمر الدولي الإنساني بشأن #السودان في "#باريس"#وام pic.twitter.com/JGIpWC4MUG
— وكالة أنباء الإمارات (@wamnews) April 17, 2024
تحذير أممي من تفاقم الأزمة الإنسانية
قالت الأمم المتحدة إنها تتوقّع أن تتفاقم الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تدفع ببعض المناطق إلى المجاعة.
وقد تمتد حالة الطوارئ أيضا إلى دول إفريقية مجاورة ما لم يتوقف القتال، وفق ما أوضحت وكالات تابعة للأمم المتحدة، مع مرور سنة على بدء الحرب في السودان.
وقال الناطق باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير “الوقت ينفد”. وأضاف لصحافيين في جنيف “إذا لم يتوقف القتال وإذا لم تدخل المساعدات الإنسانية من دون عوائق، فإن أزمة السودان ستتفاقم بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تؤثر على المنطقة برمّتها” من حيث تدفق عدد متزايد من اللاجئين وانتشار الأمراض وانعدام الأمن الغذائي.
دراسة تحذر من مجاعة
ونشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية تقريرا بعد مسح شمل 4504 أسر ريفية في السودان خلال الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر إلى كانون الثاني/يناير.
وقال ثائر الشريدة، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان إن البلاد التي يعيش ثلثا سكانها في مناطق ريفية، تغرق في “أزمة أمن غذائي متسارعة”.
وأضاف عبر تقنية الفيديو من بروكسل “تحذّر الدراسة من مجاعة في السودان عام 2024، خصوصا في ولايتَي الخرطوم والجزيرة وفي إقليمَي دارفور وكردفان” متحدثا عن تعطل سلاسل الإنتاج والتوريد وإلى تضاؤل المداخيل وارتفاع التضخم.
وحذّر الشريدة من أن حتى المساعدات الإنسانية والغذائية الفورية “قد لا تكون كافية لدرء المجاعة التي تلوح في الأفق”.
كارثة هائلة من صنع الإنسان
في غضون ذلك، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن الوضع في السودان هو “كارثة هائلة من صنع الإنسان” وإن الاستجابة الدولية ضعيفة.
وحضّت المنظمة الأمم المتحدة في بيان على “إظهار جرأة أكبر في مواجهة هذه الأزمة الهائلة” مضيفة أنه يجب زيادة المساعدات الإنسانية في المناطق التي يمكن الوصول إليها.
وقال أوزان أغباس، مدير عمليات الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان، إن “القيود التي فرضتها الأمم المتحدة وشركاؤها على نفسيهما” تمنعهما من التدخل “عندما تسنح الفرص”.
بدوره، دعا فريد عبد القادر من الاتحاد الدولي للصليب الأحمر الطرفين المتحاربين إلى “النظر إلى التبعات الإنسانية لأفعالهما” وإلى وقف إطلاق النار.