رفضٌ لاستخدام التصعيد في الجنوب كحجة من أجل تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان
يبلغ عدد البلديات اللبنانية حالياً 1064، من بينها 164 منحلّة ويتولاها القائمقام أو المحافظ، بالإضافة إلى العشرات المشلولة نتيجة خلافات بين أعضائها وعدم توافر الإمكانات المالية لديها.
وبعد مصادقة البرلمان اللبناني على تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية للمرة الثالثة خلال عامين، يتخوّف الخبراء من تفاقم الأزمات المرمية على عاتق اللبنانيين أكثر فأكثر نتيجة غياب السلطات المحلية أو ضعف دورها وقدراتها.
في هذا السياق، يرجح محمد شمس الدين الباحث في شركة الإحصاءات «الدولية للمعلومات»، أن يؤدي التمديد الثالث للمجالس البلدية إلى أن “يستقيل حكماً أعضاء جدد، فيرتفع بذلك عدد البلديات المنحلة لأنها غير قادرة على مواجهة الكثير من المشاكل التي تواجهها”.
على المستوى الشعبي، يعتبر جزء من اللبنانيين أن تأثير تأجيل الانتخابات البلدية يكاد لا يُذكر، إذ يرون أن وجود البلدية من عدمه لا يغيّر شيئاً في حياتهم اليومية، خصوصاً أنهم لم يشعروا بفعالية ودور البلديات طيلة الفترة الماضية.
في المقابل، يشدد الجزء الآخر من اللبنانيين على ضرورة وجود مجالس بلدية لأهميتها في معالجة أزمة النفايات، وتنظيم السير ضمن نطاقها، والتعاون مع القوى الأمنية على ضبط الأمن، فضلاً عن تقديم الخدمات وتخليص المعاملات المحلية، والعمل على مساعدة العائلات المحتاجة.
هذا الشق، يؤكد عليه الخبراء الذين يتحدثون عن المهام الكثيرة الملقاة على عاتق البلديات كضمان الأمن، وحل أزمة النفايات، وتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين الطرقات الداخلية، كما التعامل مع مسألة النزوح السوري وتنظيمه ضمن نطاقها، خصوصاً أنه شهد تطورات عدة في الفترة الأخيرة وزادت المشكلات المرتبطة بها، لا سيما إثر مقتل المسؤول الحزبي باسكال سليمان.
وبالتالي يتخوّف هؤلاء من تراكم النفايات في شوارع المناطق، وارتفاع معدل السرقات وحالات الشذوذ الأمني، فضلاً عن انتشار الفوضى إذا ما شُل عمل البلديات أكثر مما هو عليه على خلفية التمديد للمجالس.
ويشددون بالتالي على ضرورة وجود البلديات باعتبار أنها السلطة الوحيدة المتبقية لتسيير شؤون اللبنانيين بغياب رئيس جمهورية وحكومة أصيلة.
حجة “الجنوب”
أرجأ البرلمان اللبناني الانتخابات البلدية لعام واحد أي حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025، ممدداً ولاية المجالس الحالية بحجة تعذّر إجراء هذا الاستحقاق بسبب الظروف الأمنية والعسكرية والسياسية المعقدة خصوصاً في جنوب البلاد جراء القصف الاسرائيلي والتوتر الدائر بين حزب الله وإسرائيل.
وحول هذا الموضوع، وصفت «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (لادي) الأسباب التي سيقت لتمديد أول وثانٍ للمجالس البلدية والاختيارية بـ«الواهية»، مؤكدةً أن إرجاء الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي لا يخدم الجنوبيين بأي شكل من الأشكال، بل يحرمهم وسكان لبنان جميعاً من المشاركة الفاعلة في تشكيل تلك المجالس، ترشيحاً واقتراعاً.
ورأى الأمين العام لـ”لادي” أنه بوجود حرب في البلاد لا تتبخر حقوق المواطنين، رافضاً استخدام مصيبة اللبنانيين في الجنوب لخلق مصيبة أخرى لسائر اللبنانيين.
واعتبر أن المناطق اللبنانية بحاجة إلى البلديات كي يكون هناك تنمية لأن السلطة المركزية فشلت، مشيراً إلى إمكانية تنفيذ مشاريع تنموية وخدمات بديلة عن الخدمات المركزية بوجود البلديات، خصوصاً أن الأخيرة يمكنها جذب التمويل الخارجي.
على الصعيد السياسي، وفي تفاصيل ما جرى في الجلسة التشريعية، تمّ إقرار التمديد رغم اعتراض كتل برلمانية على رأسها كتلة حزب القوات اللبنانية ونواب مستقلين، بينما أيّده حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحر الذي يتزعمّه الرئيس السابق ميشال عون.
وفي هذا السياق، قال النائب ملحم خلف، وهو في عداد 13 نائباً انتخبوا إثر احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في 2019، بعد انسحابه مع عدد من زملائه من الجلسة، “نرى أن هناك عصيانا على أحكام الدستور وتعليقا لأحكام الدستور”. وأضاف “أهلنا في الجنوب بأمس الحاجة لإعادة انتظام الحياة السياسية”.
وتجري الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان كل ست سنوات. وتمّت آخر مرة عام 2016، وكان من المفترض حصولها عام 2022، إلا أن البرلمان أقرّ تأجيلها لمرتين منذ ذاك الحين جراء تداعيات الانهيار الاقتصادي المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.
إلى ذلك، شككت بعض الجهات اللبنانية بدستورية الجلسة النيابية التي عُقدت، معتبرةً أن مشروع القانون الذي تم إقراره فُتح باب البرلمان على شرفه بدورة تشريعية ضرورية في غياب رئيس الجمهورية.
من جهتها، اعتبرت النائبة المعارضة بولا يعقوبيان في تصريح لإحدى الصحف اللبنانية أنه اذا ما استُثني عدد من النواب لتبيّن أنّ جلسة البرلمان الخميس كانت فاقدة النصاب. وقالت: “قالوا إنّ النصاب كان 72 نائباً، انطلاقاً من تعداد النواب الذين وصلوا الى مبنى ساحة النجمة. علماً أن المطلوب هو تعداد الحضور داخل القاعة العامة. وهكذا جرى تعدادي و5 من زملائي النواب: ملحم خلف، إبراهيم منيمنة، سعيد ياسين، نجاة صليبا وفراس حمدان، من بين الحضور، ونحن لسنا كذلك. فقد كنا خارج القاعة وعقدنا مؤتمراً صحافياً لاعلان قرارنا تقديم الطعن في التمديد في حال إقراره”.