“مجموعة الخير”.. أكبر عملية احتيال في المغرب عبر التسويق الهرمي
يتابع الرأي العام في مدينة طنجة المغربية بشغف كبير تطورات القضية التي أسالت ولا زالت الكثير من الحبر، والمعروفة باسم “مجموعة الخير طنجة” التي تتوخى الربح السريع اعتمادا على ما يسمى بالتسويق الهرمي، بعد أن وصل الملف إلى يد القضاء الذي حدد يوم 22 أغسطس الجاري أولى الجلسات عند قاضي التحقيق.
وعرفت هذه القضية تفاعلا مجتمعيا كبيرا، ظهر ذلك جليا من خلال حضور الموضوع بشكل لافت في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالنظر لعدد الضحايا الذين يقدرون بالآلاف بمختلف مدن الشمال وطنجة على الخصوص.
كما أن رياح القضية وصلت إلى مغاربة المهجر بكل من إنكلترا وهولندا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبدرجة أقل إيطاليا، حيث وبعد مرور أزيد من سنتين على إنشائها، وجد الآلاف من الضحايا أنفسهم أمام أكبر عملية “نصب” شملت عشرات المليارات من السنتيمات -مصادر موقع “لكم” المغربي تتوقع أن يصل المبلغ إلى حدود 20 مليار سنتيم- في أكبر عملية من هذا النوع يشهدها المغرب.
مئات الشكاوى وعشرات الاعتقالات
عدد الشكايات لم تتجاوز حتى الآن 810 شكاية، منها حوالي 60 شكاية قٌدمت بدول أوربية، وهو رقم متواضع نوعا ما إذا قارناه بعدد الضحايا، أرجعته العديد من المصادر إلى هول الصدمة التي تلقاها أعضاء الشبكة التي تعتمد على التسويق الهرمي في استفادة منخرطيها من جهة، ومن جهة أخرى لأن الأمر يتعلق بارتباطات عائلية، فتجد مثلا “أدمينة” تتحرك وتستقطب محيطها العائلي والأخوي والأسري، وبالتالي يصعب عليهم تقديم شكاية بواحدة منهم، خاصة وأنهم يعتبرونها ضحية لمن هم فوق، هذا فضلا على أن معظم “العضوات النشيطات”، أو ما يسمون في الثقافة التنظيمية داخل المجموعة، بـ “الأدمينات”، من الناس الذين لهم وضع اعتباري داخل محيطهم، ومعروف عنهم الصلاح وحسن السيرة، ووفق كل من تحدثنا إليهم من الضحايا، فإن معظم من يشكلون العمود الفقري لهذا الهرم الذي يتوخى الربح السريع، هن نساء “أدمينات”
“عضوات نشيطات”.
من أبرز العناوين التي تعرفها القضية بعد اعتقال حوالي 13 شخصا من بينهم 9 نساء، فضلا عن الاستماع للعشرات قبل إطلاق سراحهم، هو إقدام إحدى “الأدمينات”، على الانتحار بعد أن شربت مادة سامة (الماء القاطع)، تركت وراءها زوجا وأطفالا، مباشرة بعد أن تم إطلاق سراحها حيث تم الاستماع إليها، بعد أن حاصرها العشرات من الضحايا وضغطوا عليها مستفسرين عن أسباب تأخر استفادتهم.
في البحث لجواب عن سؤال حول هذا التطور الكبير الذي عرفته المجموعة في مدة لا تتجاوز 28 شهرا، أفادت مجموعة من التصريحات من أشخاص ضحايا هذه القضية، أن المجموعة تعتمد في عملها وتوسعها، وجلب أعضاء وعضوات جدد، على مجموعة من التقنيات، منها الدعاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الواتساب، والانستغرام، كما أن مجموعة معتبرة استفادت خلال الشهور الأولى، ما حفز الكثير من المنضمين الجدد إلى الالتحاق بها، حيث يساهم العضو الجديد بمبلغ لا يقل عن 1800 درهم على أن يتوصل بعد شهور بعشرة آلاف درهم، شرط استقطاب منظمين آخرين يقدمون مبالغ إضافية على أن يستفيد الجميع بعد بضعة أشهر من ربح معتبر.
من أبرز الأمور التي أثارت انتباه المتابعين لهذه القضية، هو عدد الملفات الخيرية التي كان لمجموعة الخير يد فيها، كإنشاء آبار المياه بمنطقة الحوز في سياق الزلزال الذي ضرب مؤخرا المنطقة، وإنشاء سقايات، كما عملت المجموعة على تنظيم العديد من حفلات الزفاف لشباب من طبقة ضعيفة، وشراء ملابس عيد الفطر للأطفال، وشراء العشرات من الخرفان وتوزيعها على الفقراء أيام عيد الأضحى، هذا فضلا عن التدخلات المستمرة لفائدة عدد من المرضى، كما تكفلت المجموعة بتكاليف مجموعة كبيرة من العمليات أجريت بمصحات طنجة والرباط.
شخصيات مؤثرة بالمجتمع للترويج للنصب
كان واضحا، حجم الاعتماد على مجموعة من الوعاظ والخطباء الذين أثار بعضهم الموضوع من على منبر الجمعة، ينوه بعمل المجموعة، ويشجع الناس على التعامل معها، كما أن اسم المجموعة عملها يثار من حين لآخر في عدد من الأفراح والأعراس بحيث تعمل فنانة أو فنان على الدعاية للمجموعة.
معظم الضحايا، من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، ولقوة الجاذبية قالت سيدة أنها عملت على بيع خواتم عرسها على أمل استرجاع المبلغ بشكل مضاعف ثلاث مرات، وأضافت سيدة أخرى أنه ومع مرور الوقت وتوصل العديد من السيدات بمبالغهن يسمونه “رْزِيَّقْ”، “ضحك علي الشيطان وبعت قطعة أرضية اشتريتها بعرق جبيني ولسنوات طويلة، وشاركت بمبلغها على أساس أن أتوصل به مضاعفا بعد شهورا قليلة لكن الأمور ذهبت في اتجاه آخر، لنتفاجأ بأن الرئيسة اختفت”.
وهناك مجموعة من المعامل والشركات المتواجدة بطنجة، بعضها أجنبية، شارك العشرات من عمالها في مجموعة الخير(المنطقة الصناعية اجزناية، منطقة المجد، ومغوغة)، مما تسبب في مشاكل داخلها، حيث تم الاستماع إلى عدد ممن يسمون بـ “الأدمينات” و”العضوات النشيطات”، قبل أن يتم إطلاق سراحهن، في انتظار استكمال التحقيق.
وقال محمد وهو أحد الأشخاص المشاركين في هذه المجموعة حيث كان من المنتظر أن يتوصل بأمواله قبل ثلاثة أشهر، أنه باع سيارته التي اشترها أصلا با “الكريديت”، لما رأى صديقه قد توصل بمبلغ مضاعف، لكنه يقول “معانديشي الزهر”، متسائلا ماذا سيفعل مع المبلغ الذي اقترضه، مشيرا إلى أن مجموعة من أصدقائه تقريبا في مثل وضعه، هناك من باع قطعة أرض صغيرة، وهناك من اقترض من والده 2.5 مليون سنتيم، أو صديقه مليون سنتيم، طمعا في الحصول على المبلغ وزيادة، مؤكدا في حديثه مع “لكم” أن الأمر قد يعرف انفجارا لا أحد يعرف أين ستصل شظاياه، على حد تعبيره، خاصة وأن نسبة الطلاق في صفوف النساء المشاركات قد تكون مرتفعة على اعتبار أن هناك من دخل في هذه القضية دون معرفة الأزواج.
وكان مجموعة من الوعاظ والخطباء بمدينة طنجة قد حذروا من المشاركة في هذه المجموعة لما رأوه من إقبال كبير حسب ما صرحوا به، ولعل أبرز تحذير صدر قبل شهور، عن الفقيه محمد ابن الأزرق الأنجري الذي خرج في فيديو لقي مشاهدة واسعة، يدعو المواطنين إلى عدم المشاركة، معتبرا أن الأمر يتعلق بنصب واحتيال.
هل يمكن استرداد الأموال التي ضاعت في التسوق الهرمي؟
لمعالجة القضية من الناحية القانونية، تواصلت أخبار الآن مع المحامي محمد فوزي والذي أوضح أن “التسويق الهرمي يعتمد على جلب زبائن لسلع افتراضية وتتم استفادة الزبائن بحسب عدد الناس الذي يجلبه العميل”.
وأضاف: “في غالب الأمر هذه السلع لا تكون موجودة وهناك احتيال ونصب في هذا الموضوع إلى أقصى درجة ممكنة وهو السبب الرئيسي في أن بعض الدول تمنع التسويق الهرمي”.
وحول ما إذا كان هناك طرق لاسترداد الأموال التي وضعها الناس في التسويق الهرمي لفت إلى أن “الأمر يعتمد على ماذا إذا كان هناك عقود أو اتفاقيات مكتوبة تحتوي بنوداً واضحة وصريحة”.
وأردف: “أما إن لم يكن هناك عقد مكتوب فإن الأموال ستكون ضاعت على الذي وضعوا أموالهم في عملية التسويق الهرمي”.
وتابع حدثه: “الأمر يختلف عن التسويق الشبكي الذي يعتمد على تسويق سلعة معينة ومعروفة ويبدأ تحصيل الأموال من خلال تسويق هذه السلع”.