من مدينة تعج بالسكان إلى بضع أُسر قليلة.. صور تتحول إلى مدينة مهجورة
من مدينةٍ يبلغ عدد سكانها أكثر من 125 ألف نسمة إلى ما يقارب 40 أو 50 أسرة فقط.. هكذا أصبحت مدينة صور اللبنانية التي كانت تعج بالناس بشهادة طبيب يعمل بأحد المستشفيات المحلية، حيث لم يتبق فيها سوى السكان الأكثر تصميماً أو تحدياً، بعد أسابيع من بدء الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” قد تم إخلاء مدينة صور، التي لا تبعد سوى 12 ميلاً عن الحدود مع إسرائيل، بسرعة ووحشية بسبب الحرب والخوف من أن تسوء الأمور أكثر، حيث لم يعد هناك سوى أضواء قليلة بالمباني السكنية والمتاجر والمطاعم في منطقة تجارية مغلقة بألواح خشبية -بعضها نوافذها محطمة-، وتتجول قطعان الكلاب في بعض الأماكن، فيما تتراكم أكوام ضخمة من القمامة في زوايا المدينة.
من بين هؤلاء العازمين على البقاء حسب قول رئيس بلدية صور، حسن دبوق، هُم الأطباء والممرضات في مستشفيات المدينة، والمتطوعين في قوات الدفاع المدني، وكبار السن.
تقول الصحيفة إن المشاهد المهجورة في صور، رابع أكبر مدينة في لبنان، هي لمحة عما يمكن أن يعنيه انتشار الحرب بين إسرائيل وحزب الله بالنسبة للبلاد، حيث فر العديد من الناس بالفعل من منازلهم وهُم يكافحون الآن من أجل العثور على مكان آمن.
ووفقا للأوضاع الميدانية الراهنة، فقد وصلت الحرب في لبنان لمراحل قاسية، بدأت من صراع مقيد عندما أطلق حزب الله النار على إسرائيل في أكتوبر العام الماضي مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الناس على جانبي الحدود، وحتى التصعيد الإسرائيلي الأحدث، بما في ذلك الغزو البري وحملة جوية واسعة النطاق تقول إسرائيل إنها تهدف لـ”إنهاء الهجمات عبر الحدود”.
وبينما تحاول قواتها التقدم، أصدرت القوات العسكرية الإسرائيلية أوامر بإخلاء معظم مناطق جنوب لبنان، بما في ذلك المناطق الواقعة شمال وشرق وجنوب صور، ولم تصدر الأوامر لسكان المدينة بالمغادرة بعد، ولكن مع انتشار الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل مطرد عبر المدينة، يبدو الأمر وكأنه مسألة وقت.
كما أمر الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، السكان بالابتعاد عن جزء كبير من ساحل البحر الأبيض المتوسط في لبنان، والذي يمتد من مدينة صيدا، شمال صور، إلى الحدود مع إسرائيل في الجنوب.
وفي الوقت الذي صدر فيه الأمر، ضربت غارة جوية إسرائيلية مبنى على الطريق الساحلي في صور، بعد ساعة أو نحو ذلك من مرور الصحفيين بالمنطقة، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست.
وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، كانت مستشفيات المدينة تشهد فترات من الفوضى المستمرة، ولحظات أخرى بالوقت ذاته تمكَّن خلالها الأطباء من أخذ قسط من الراحة.
وحول هذا الأمر، قال عبد الناصر فران، وهو جراح في مستشفى حيرام، عمل خلال صراعين سابقين مع إسرائيل في عامي 1996 و2006، إن صباح يوم الإثنين كان من أكثر اللحظات هدوءاً، حيث كان يعيش في صور، ولكنه مثل بقية الموظفين انتقل إلى المستشفى، مضيفا “الخروج من المدينة ليس آمنا… لقد اختفت أغلب أحياء صور”.
وبدأ يشتد وضع المستشفى في منتصف سبتمبر الماضي، عندما فجرت إسرائيل أجهزة البيجر التي يستخدمها عناصر حزب الله، فوصل الجرحى حينها لمستشفيات المدينة دفعة واحدة.
وفي الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، مع تصعيد إسرائيل لغاراتها الجوية، بدأت المستشفى باستقبال نحو “40 إلى 50 مريضاً يومياً” منهم نساء وأطفال ورجال وشباب.
وأفاد الطبيب عبد الناصر بأن الغارات الإسرائيلية “قتلت أو أصابت العديد من المدنيين من أجل قتل أحد أفراد حزب الله”، مشيرا إلى أن المستشفى استقبلت 200 جريح خلال 5 دقائق فقط.
وحتى قبل الغارات الأخيرة، كان المشفى يعاني من نقص في المواد، بما في ذلك الوقود. يقول فران: “نستطيع البقاء لمدة 4 أو 5 أيام بالغاز المتوفر لدينا”.
وكان الأطباء يغادرون المستشفى ببطء أيضاً، فقد قال الطبيب إن “المستشفى الذي يضم 110 أسرة كان به أربعة جراحين في بداية الأزمة، ثم أصبحوا اثنين، والآن أصبحت وحيداً”.
وأضاف أنهم سيكونون بخير “إذا جاء المصابون في فترات زمنية معقولة”، ولكن ليس “إذا استقبلوا جريحين بنفس الوقت وكلاهما يحتاج إلى الفرز الأحمر”، ويشير هنا إلى الأشخاص الذين يعانون من إصابات خطيرة ويحتاجون لتدخل طبي من أجل إنقاذهم.
وعلى الجانب الآخر كان هناك رجال الدفاع المدني الذين بقوا في المدينة، وكانوا ينامون في الشارع لعدة أيام قبل أن يوفر لهم الجيش اللبناني مكاناً على الجانب الآخر من الشارع نفسه، ورغم أن المنطقة أصبحت خاوية، ولكنهم كانوا يستجيبون “لأربعة أو خمسة تفجيرات” خلال اليوم، وأحياناً يصل العدد إلى “عشرة تفجيرات”.
وقال رئيس الدفاع المدني في مدينة صور، علي صفي الدين الذي لم ير عائلته منذ أكثر من أسبوعين منذ فرارهم إلى بيروت، إن “الوضع الآن أصبح خطيراً للغاية”، فقد انتظرت فرق الإسعاف والإطفاء التابعة له ما يقارب “15 أو 20 دقيقة” قبل الاستجابة لمواقع الضربات الإسرائيلية، وذلك خوفاً من أن يتبعها تفجيرات أخرى بنفس الموقع، حيث أكد بأن ذلك حدث “عدة مرات”.
يُشار إلى أن سكان المنطقة ليسوا من مواطنيها فقط، حيث قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في بيان إن المنطقة تستضيف 3 مخيمات على الأقل للاجئين الفلسطينيين، ولكن معظم سكان المخيمات غادروا “بحثاً عن الأمان والحماية في أماكن أخرى”.
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” قد علَّقت معظم عملياتها في المخيمات بوقت سابق من هذا الشهر بسبب نزوح موظفيها أيضاً.
وقالت الوكالة إن مَن بقوا في المخيمات يعانون من نقص حاد في “المياه والكهرباء والغذاء”.
فيما قال رئيس بلدية صور، حسن دبوق إنه سمع بأن بعض الناس يعودون للمنطقة المعرضة للخطر، بعد أن نفدت أموالهم لاستئجار مساكن في مناطق أكثر أماناً في البلاد، حيث أنهم تعبوا من الاعتماد على الصدقات.
وأشار دبوق في معرض حديثه، إلى عائلة فرَّت من المنطقة وتوجهت إلى بيروت، لتموت في غارة جوية إسرائيلية على العاصمة الأسبوع الماضي.