هل بدأت إسرائيل تنفيذ جزء من “خطة الجنرالات” على شمال غزة بالفعل؟
يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لقطع المساعدات الإنسانية عن شمال غزة ومحاصرة مئات الآلاف من الفلسطينيين غير الراغبين في مغادرة منازلهم ومنعهم من الحصول على الطعام أو الماء، وفقاً لنسخة من الخطة حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس.
ومن شأن الخطة التي اقترحها مجموعة من الجنرالات المتقاعدين على نتنياهو والبرلمان الإسرائيلي، أن تمنح الفلسطينيين أسبوعاً لمغادرة الثلث الشمالي من قطاع غزة، بما في ذلك مدينة غزة، قبل إعلانه منطقة عسكرية مغلقة.
أما أولئك الذين سيبقون في المنطقة فسيتم اعتبارهم مقاتلين – مما يعني إمكانية استهدافهم وقتلهم -، وسيُحرمون من الغذاء والماء والدواء والوقود، حسبما ذُكر بنسخة من الخطة قدَّمها كبير مهندسيها لوكالة أسوشيتد برس، والذي يعتقد أن الخطة هي السبيل الوحيد لكسر حركة حماس في الشمال والضغط عليها لإطلاق سراح المحتجزين المتبقين.
قطاع غزة وصل لـ”نقطة الانهيار”
يُشار إلى أنه لم تدخل أي شاحنات مُحمَّلة بالغذاء أو الماء أو الأدوية إلى الشمال منذ الثلاثين من سبتمبر الماضي، وذلك وفقاً للأمم المتحدة وموقع الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تُشرف على معابر المساعدات الإنسانية، ووصفت الأمم المتحدة الوضع الراهن في شمال قطاع غزة وجنوبه بأنه قد وصل إلى “نقطة الانهيار”.
ونقلت الوكالة عن أحد المسؤولين المطلعين على الأمر قوله بأن هناك أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، دون تحديد الأجزاء، وقال مسؤول إسرائيلي آخر “إن نتنياهو قرأ ودرس الخطة مثل العديد من الخطط التي وصلت إليه طوال الحرب”، لكنه لم يذكر ما إذا كان قد تم تبني أي منها، وتحدث المسؤولان بشرط عدم الكشف عن هوياتهما لأنه ليس من المفترض أن تتم مناقشة الخطة علناً.
وجاء الكشف عن هذه الخطة مع استمرار الغارات الإسرائيلية التي طالت اليوم، الاثنين، مركزاً لتوزيع الأغذية تابع لوكالة “الأونروا” في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، مما أدى لمقتل 10 فلسطينيين على الأقل وإصابة 40 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
وبالإضافة لمركز “الأونروا”، قصفت إسرائيل خياما للنازحين داخل ساحات مستشفى شهداء الأقصى في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، فجر الإثنين، ما أسفر عن مقتل 4 فلسطينيين على الأقل وإصابة 40 آخرون.
وفي تعليقه على هذه التطورات الميدانية، وصف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ما جرى بأنه “محرقة جديدة”، متهماً في بيان له إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي، مع الإشارة إلى أنها المرة السابعة على التوالي التي يقصف فيها الجيش الإسرائيلي خيام النازحين داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى.
كما تم استهداف مدرسة المفتي شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بقصف جوي إسرائيلي، مساء أمس الأحد، وراح خلاله 22 شخصاً، بينهم 15 طفل وامرأة، و80 جريح، وفقاً لمكتب الإعلام الحكومي في غزة.
400 ألف شخص مُحاصرين في الشمال
يُذكر بأن إسرائيل كانت قد أصدرت بالفعل أوامر إخلاء للشمال أكثر من مرة طوال العدوان المستمر على قطاع غزة منذ عام، وكان آخرها يوم أمس الأحد، لكن حتى الآن، لم يستجب سوى عدد قليل جداً من الفلسطينيين لأمر الإخلاء الأخير.
وتتمثل بعض الفئات الرافضة لأوامر الإخلاء بكبار السن أو المرضى أو الأشخاص الذين يخشون مغادرة منازلهم، بينما يخاف الكثيرون من عدم وجود مكان آمن يذهبون إليه وأن لا يُسمح لهم بالعودة بعد ذلك أبداً، حيث منعت إسرائيل بالفعل أولئك الذين نزحوا في وقت سابق من الحرب من العودة.
وفي هذا الصدد، قالت جومانا الخليلي، وهي عاملة إغاثة فلسطينية تعمل لدى منظمة أوكسفام وتعيش في مدينة غزة مع عائلتها إن “جميع سكان غزة خائفون من الخطة، ومع ذلك، فإنهم لن يهربوا”.
وأضافت الخليلي أنهم “لن يرتكبوا الخطأ مرة أخرى.. نحن نعلم أن المكان ليس آمناً”، في إشارةٍ إلى جنوب غزة حيث يتجمع معظم السكان في مخيمات كئيبة وغالباً ما يطالها القصف الإسرائيلي، حيث أكدت بأنه “لهذا السبب يقول الناس في الشمال إن الموت أفضل من المغادرة”.
وكان فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، كشف في العاشر من أكتوبر الجاري أن “هناك ما لا يقل عن 400 ألف شخص محاصرين في المنطقة، وفي ظل انعدام الإمدادات الأساسية تقريباً سينتشر الجوع”.
وفي الوقت الذي نفت فيه هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة الإسرائيلية التي تسهل عبور المساعدات إلى غزة، إغلاق المعابر إلى الشمال، قال طبيبان في أقصى شمال غزة، أحدهما مدير مستشفى العودة، محمد صالحة، والأخرى رنا الصولوح، طبيبة في مستشفى كمال عدوان، إن “القوات الإسرائيلية قطعت الطرق بين مدينة غزة والمناطق الواقعة إلى الشمال، مما يجعل الفرار صعباً على الناس”.
إما “الاستسلام” أو “الموت جوعاً”
وبحسب وكالة “أسوشيتد برس” فقد تم تقديم الخطة إلى البرلمان الإسرائيلي الشهر الماضي من قِبَل مجموعة من الجنرالات المتقاعدين والضباط رفيعي المستوى، وفقاً لمحاضر متاحة للجمهور. ومنذ ذلك الحين، اتصل مسؤولون من مكتب نتنياهو للحصول على المزيد من التفاصيل، وفقاً لمهندس الخطة الأساسي، جيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن نتنياهو أبلغ خلال جلسة مغلقة للجنة الدفاع البرلمانية أنه “يدرس الخطة”.
ونقلت الوكالة عن إيلاند قوله إن الطريقة الوحيدة لوقف حماس ووضع حد للحرب المستمرة منذ عام هو منع وصول المساعدات إليها، وأكد: “سيتعين عليهم إما الاستسلام أو الموت جوعاً”.
وأضاف مهندس الخطة الأساسي “هذا لا يعني بالضرورة أننا سنقتل كل شخص”، مُشيراً إلى أن ذلك لن يكون ضرورياً، فلن يتمكن الناس من العيش هناك – أي في الشمال -، لأن الماء سوف يجف.
وتقول نسخة الخطة إنه إذا نجحت الإستراتيجية في شمال غزة، فمن الممكن تكرارها في مناطق أخرى، بما في ذلك مخيمات الخيام الواقعة إلى الجنوب والتي تؤوي مئات الآلاف من الفلسطينيين.
الجدير بالذكر أن عدد القتلى الفلسطينيين وصل إلى ما لا يقل عن 42175 فلسطينياً، غالبيتهم من المدنيين ،في الحملة العسكرية الإسرائيلية العنيفة والمدمرة على قطاع غزة، إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر 2023، وفقاً لآخر الإحصائيات التي نشرتها وكالة فرانس برس.