الحرب عبء يثقل كاهل اللبنانيين بعد أزمات متلاحقة
“غارة أو رعد؟”.. هذا السؤال شغل بال اللبنانيين في اليومين الماضيين بعد أن تحوّل الطقس إلى ماطر وعاصف، إذ اختلطت الأصوات في سماء لبنان بين أصوات طبيعية واعتيادية لمثل هذا الوقت من السنة، وأخرى غير طبيعية صنعها الإنسان لخلق الرعب والهلع.
هذا السؤال طرحه الكثيرون، كباراً وصغاراً، لدى سماعهم أي دويّ وذلك بهدف التفريق بين مظاهر الشتاء واعتداءات إسرائيل، الأمر الذي زاد من ثقل الحرب المستمرة بين حزب الله وإسرائيل، خصوصاً في الضاحية الجنوبية وبعض مناطق بيروت، إضافةً إلى الجنوب وسهل البقاع.
ولأن “شرّ البلية ما يضحك”، أطلق البعض نكاتاً حول حالة الرعب والضياع التي يعيشونها، والتي تلخّص وضع الحرب وأجواء الطقس وغيرها.
ويجمع اللبنانيون على أن المناطق اللبنانية كافة لم تعد آمنة وأن الخوف بات يطالهم أينما حلوا، خصوصاً أن الغارات الإسرائيلية والاغتيالات التي تنفذها إسرائيل توسّع نطاقها إلى خارج الضاحية الجنوبية التي كانت مركزاً للضربات الإسرائيلية بمواجهة حزب الله.
حرب تلقي بظلالها على الصحة النفسية
بعدما أنهكتهم أزمات متلاحقة على مدى سنوات، يجد اللبنانيون أنفسهم راهنا تحت رحمة حرب تلقي بظلالها على صحتهم النفسية، الى درجة بات كثر منهم “غير قادرين على التحمل”، وفق ما يحذّر مختصون.
في رسم كاريكاتوري بعنوان “حلوى لبنانية”، يصوّر اللبناني برنار حاج تراكمات اختبرها اللبنانيون في السنوات الأخيرة على أنها قالب حلوى من طبقات عدة، تمثل كل واحدة منها محنة: الانهيار الاقتصادي، وباء كوفيد، انفجار مرفأ بيروت، الأزمة السياسية، اكتئاب جماعي. وتأتي الحرب لتشكل حبة الكرز التي تزين أعلى قالب الحلوى.
ويلخّص الرسم أزمات يعيشها اللبنانيون منذ الأزمة الاقتصادية التي بدأت في خريف 2019، مرورا بوباء كوفيد وانفجار مدمر في مرفأ بيروت في صيف 2020. وتصف المعالجة النفسية كارين نخلة تلك التراكمات بأنها “صدمات جماعية متلاحقة لم تتوقف أبدا”.
ونخلة مسؤولة في منظّمة “إمبرايس”، التي تعنى بالصحة النفسية وأنشئت عام 2017 للحدّ من الانتحار. ويتلقّى العاملون في المنظمة “المدربون والمؤهلون بشكل كبير” اتصالات على مدى 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.
ومنذ 23 أيلول/سبتمبر، تاريخ تحوّل التصعيد بين حزب الله واسرائيل الى حرب، ازدادت الاتصالات الواردة الى مركز المنظمة.
وتقول نخلة إنهم يتلقون حوالى خمسين اتصالا يوميا من “أشخاص تحت الصدمة، يعانون من الهلع، كثر منهم يتصلون من مناطق تتعرض للقصف، يتساءلون فقط ما الذي ينبغي عليهم فعله”.
خلال ساعات الليل، تجبر سلسلة من الغارات التي تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية عائلات على الفرار، على وقع دوي انفجارات ضخمة، تهتزّ بسببها النوافذ، وتندلع منها روائح البلاستيك ومواد محترقة.
توقظ هذه التجربة مجددا في نفوس اللبنانيين صدمات قديمة وجديدة، بينها انفجار المرفأ وحرب تموز/يوليو 2006 بين حزب الله واسرائيل، والحرب الأهلية اللبنانية الدامية (1975-1990).
أدوية منومة
تفيد دراسة أعدّتها منظمة “إدراك” غير الحكومية عام 2022، ونشرتها في أيلول/سبتمبر، أن ثلثي اللبنانيين على الأقلّ يعانون من اضطراب نفسي.
يوصّف رئيس قسم الطبّ النفسي في مستشفى أوتيل ديو في بيروت رامي بو خليل الوضع الحالي بالقول “لسنا بخير جميعا، بشكل أو بآخر”، من اكتئاب وقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
ويقول بو خليل “لدى اللبنانيين قدرة خارقة على الصمود”، لافتا خصوصا إلى الدور الذي يلعبه الدعم العائلي والمجتمعي والديني.
ويشرح “لكننا نتعامل مع ظاهرة تراكم التوتر، الذي يجعل الكأس يفيض(…)” مضيفا “لسنوات ونحن نحشد مواردنا الجسدية والنفسية والمالية. الآن، لم يعد الناس قادرين على التحمل”.
ويعرب بو خليل عن قلقه لرؤية مرضى “يتطلّب وضعهم الدخول إلى المستشفى” لكنهم عاجزون عن ذلك لأسباب مادية، وآخرين يتدهور وضعهم لأنهم “غير قادرين على تحمّل مزيد من الصدمات”.
يلحظ الطبيب أيضا زيادة في تناول الحبوب المنومة. ويقول “يريد الناس أن يناموا”، ومن الأسهل تناول الأدوية عندما لا يتوفر لديهم المال أو الوقت لاستشارة الطبيب.
وتشير كارين نخلة أيضا إلى أن “كثرا لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الصحة النفسية”، مع وصول كلفة الاستشارات النفسية الخاصة الى قرابة مئة دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين.
وتراوح فترة الانتظار للحصول على استشارة مجانية في جمعية “إمبرايس” بين أربعة إلى خمسة أشهر.
وتقول نخلة “الحاجة الآن” للخدمات النفسية “هي أكبر من أي وقت مضى”.