أخبار الآن | حلب – سوريا (هاديا المنصور)

عاد "وائل" 12 عاما، للمدرسة بكل تفاؤل بعد انقطاع عن الدراسة استمر لأكثر من عامين نتيجة المعارك في حلب وقصف معظم المدارس من قبل الطيران الحربي.

وائل من مدينة حلب هو واحد من مئات الطلاب الذين استطاعت "مؤسسة ارتقاء" العودة بهم إلى مقاعد الدراسة بعد أن اتجه معظمهم إلى العمل لمساعدة الأهل في تحمل أعباء المعيشة، في حين اتجه بعضهم الآخر للعمل العسكري وهم في سن مبكرة.

النشأة والمشاريع التعليمية

تقوم مؤسسة ارتقاء التعليمية بالعمل على مواكبة سير العملية التعليمية السورية من خلال مجموعة من المدارس في عدد من أحياء حلب المحررة. كما وتعمل على الارتقاء العلمي والأخلاقي والفكري لدى كوادرها وطلابها، لذلك تقوم بزيادة نشاطاتها وفعالياتها الترفيهية والعلمية الخاصة بالتلاميذ، بالإضافة للقاءاتها الدورية مع أهالي الطلاب. وتساهم ارتقاء أيضا وبشكل كبير بتطوير الحملات الهادفة لتسليط الضوء على وضع الأطفال السوريين الذين حرموا من الدراسة، كذلك هنالك حملات لكفالة الأيتام من الطلاب.

يقول وائل: "شعرت بالحزن بعد أن أغلقت المدارس النظامية في حلب المحررة، ولم يعد بوسعي التعلم، شعرت بالظلم فأنا لا أعرف القراءة أو الكتابة بعد. عندما سمعت عن افتتاح مدرسة "الغد المشرق" في حلب سارعت للتسجيل ومتابعة الدراسة فيها".

يشعر وائل أن بإمكانه تدارك ما فاته من التعليم في هذه المدرسة نظرا للأهمية الكبيرة التي يخصصها الكادر التعليمي للطلاب عموما.

تقوم مؤسسة ارتقاء بتكريم الطلاب المتفوقين في كل عام، إضافة لحرصها الدائم على الانتظام بمنهجية تعليمية دورية متكاملة تقوم على أسس الانتظام في المدارس في أوقات الدوام إضافة إلى أوقات الامتحانات.

وعن بدايات تأسس هذه المؤسسة يتحدث رئيس مجلس إدارتها الأستاذ "أحمد العتال" 35 عاما: "تأسست مؤسسة ارتقاء في 15/11/2012 بجهود معلمين شباب وجدوا الحاجة ملحة لاحتواء الطلاب الذين انتشروا في الشوارع في حين يجب أن يكونوا على مقاعد الدراسة، لذلك ارتأى هؤلاء الشباب أن يفتتحوا أول مدرسة في حلب وهي مدرسة الغد المشرق:، ويتابع أنه مع تقدم الوقت وبسبب إقبال الطلاب الكبير على التعليم ووعي الأهالي بضرورة التحاق أبنائهم بالتعليم، حملت المؤسسة على عاتقها مهمة افتتاح المدرسة تلو الأخرى "ابتدائية وإعدادية وثانوية للذكور وللإناث" حتى أصبح عدد المدارس ستة مدارس وروضة وحضانة لأطفال المعلمين.

وينوه بأنهم حرصوا على اختيار أسماء لهذه المدارس من شأنها أن تنمي القيم عند الطالب، ومن هذه الأسماء على سبيل المثال الغد المشرق، الأمل الواعد، أجيال النصر وغيرها.

"أبو وائل" 45 عاما، من أهالي حلب المحررة يقول: "كان افتتاح هذه المدارس بمثابة الحياة بعد الموت لنا نحن الأهل، فلطالما انتابنا الحزن على مستقبل أطفالنا الذي ضاع بسبب الحرب".

مناهج المدارس الجديدة

تعمل مؤسسة ارتقاء التعليمية على ثلاثة محاور، الأول هو التعليم وذلك بتقديم المعرفة للطلاب عن طريق المناهج المعتمدة من وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، إضافة لبعض المواد الخاصة التي تركز عليها المؤسسة مثل مادة القراءة السليمة التي تم إضافتها بسبب الحاجة الملحة إليها بعد انقطاع الطلاب عن الدراسة لمدة طويلة فكان لابد من معاودة تعليمهم القراءة السليمة.

أيضا تم إضافة مادة التلاوة والقصد منها، بحسب العتال، هو ربط الطالب بالقرآن وبنطق مخارج الحروف بشكل صحيح، أيضا هناك مادة القيم حيث يعطى الطلاب كل أسبوعين قيمة مثل الصدق، الأمانة، التضحية وغيرها، يحاول المعلم إيصالها للطالب عن طريق مشاهدة مادة تلفزيونية.

وأخيرا مادة الإرشاد النفسي وذلك لكي ترتقي المؤسسة بمستوى الطالب النفسي ليتخلص من المشاكل النفسية التي يواجهها بسبب الحرب اليومية التي يعيشها، حيث تقدم المؤسسة للطالب الدعم النفسي عن طريق بعض النشاطات والألعاب والمهرجانات.

"أم عامر" 32 عاما، من مدينة حلب تقول: "عندما انتسب ولدي عامر إلى مدرسة الأمل الواعد كان يعاني من مشاكل نفسية تمثلت بالعدوانية والانطواء على الذات والخوف الذي كان ملازما له، كل هذه المشاكل استطاع تجاوزها خلال فترة قصيرة، والفضل يعود لكادر المدرسة وبرامجها ونشاطاتها المتناسبة مع الوضع النفسي الذي يعيشه أبناؤنا في هذه الأوقات الصعبة التي تعيشها البلاد".

العملية التربوية

أما عن المحور الثاني فيوضح العتال: "مكتب التدريب تأسس في العام الثاني لانطلاق مؤسسة ارتقاء التعليمية وهو يعمل على التعاقد مع مدربين مختصين في العملية التربوية التعليمية، مثلا نحن لدينا ثلاثة برامج أساسية يطلع عليها المدرب قبل العمل في مدارسنا ”البرنامج الأول هو بدائل العقاب يتعرف خلالها المدرب على كيفية التعامل مع الطلاب وخاصة المشاغبين منهم. البرنامج الآخر هو الإدارة الصفية، أما الثالث فهو كيفية التخطيط الصفي. وبمدى نجاح المدرب في تطبيق هذه البرامج يتم تعيينه كأحد المعلمين ضمن الكوادر، مع العلم أنه مع بداية العام الدراسي تعلن المؤسسة عن حاجتها للتعاقد مع عدد محدد من المدرسين باختصاصات معينة، وتجرى للمتقدمين مسابقة ومقابلة من قبل موجهين تربويين خبراء في المجال التربوي، وبناء عليه يتم اختيار المعلمين المناسبين.

الأستاذ "محمد" 25 عاما، هو أحد معلمي المؤسسة يقول: "الواقع أن مؤسسة ارتقاء التعليمية ساعدتني في الحصول على وظيفة ضمن اختصاصي وشهادتي وذلك بعد أن كنت عاطلا عن العمل"، مبديا سعادته بالعمل مع هذه المؤسسة التي وصفها بالنموذجية بتعاملها مع المعلم ومع الطالب.

مكتب تأهيل المعلمين

أما المحور الثالث فهو، بحسب العتال، مكتب التأهيل؛ أي تأهيل الطلاب الثلاثة الأوائل وذلك بتدريبهم لمدة سنة على يد أفضل الموجهين المختصين ليكتسبوا الخبرة اللازمة ويتم تعيينهم في العام التالي كأحد المدرسين ضمن كوادر المؤسسة.

الشهادة الثانوية الممنوحة من قبل المؤسسة معترف بها في المناطق المحررة وفي الجامعات الحرة في سوريا، أما في تركيا فيتم تعديلها من قبلهم لشهادة معترف عليها وبالتالي متابعة المرحلة الجامعية هناك.

صعوبات وعقبات

أهم ما يواجه المؤسسة من مشاكل يتحدث عنها رئيس إدارتها فيقول: "القصف المستمر للمدارس من قبل الطيران الحربي والذي يؤدي الى نزوح الكوادر والطلاب، وهو ما يؤدي  الى إغلاق بعض المدارس وإنشاء مدارس بديلة في مناطق أخرى، أيضا من الصعوبات التي نواجهها قلة الدعم، وتدخل المنظمات الداعمة في السياسات التعليمية للمؤسسة".

يوجد إقبال كبير من قبل الطلاب على مدارس "ارتقاء" فقد بلغ عدد الطلاب في السنوات الأربع الماضية 6000 طالبا وعدد الكادر 150 بين معلم ومعلمة وإداريين، والمؤسسة مدعومة من جهات فردية ممن يؤمنون بأهمية المحافظة على التعليم وقت الحرب، وهناك مؤخرا دعم من مؤسسات عربية وأجنبية.

ويختتم العتال حديثه بالقول: "سنعمل على توسيع عملنا مستقبلا ليشمل جميع الريف الحلبي والإدلبي، وسنسعى لتكون مؤسسة ارتقاء هي الرائدة في التعليم المتميز عالي الجودة، من خلال معلم كفؤ وإدارة متميزة، وإن شاء الله نحن مستمرون ورغم كل الظروف وسننتج طالبا يؤمن بقضايا أمته ويعمل على بناء سوريا الجديدة والحرة".