أخبار الآن | إدلب – سوريا (إيهاب بريمو)
حكمت ظروف الأزمة على الكثير من العائلات السورية، بالشتات بين تركيا والمدن والقرى السورية المنكوبة، ويأتي العيد دائما كمناسبة للقاء قطبي الوجع السوري، "النازح والمقيم"، حيث تسمح الحكومة التركية للاجئين بالسفر بشكل قانوني إلى الأراضي السورية.
"وسيم" شاب سوري لاجئ، من مدينة إدلب، يعمل بمدينة إسطنبول في إحدى ورش الخياطة منذ سنة ونصف ويعيش في مكان عمله ليتمكن من جمع المال ومساعدة أهله المقيمين في "جسر الشغور".
رحلة السفر إلى "جسر الشغور"
تمكن "وسيم" من جمع مبلغ من المال للذهاب إلى سوريا وقضاء إجازة العيد. 18 ساعة كانت الفترة الزمنية التي قضاها من إسطنبول إلى مدينة أنطاكيا للوصول إلى معبر "باب الهوى" الحدودي بين تركيا وسوريا. 18 ساعة من اللهفة واضطراب القلب الذي أنهكته آلام الغربة والحنين الى وجوه الأحبّة ومرتع الصبا.
عند وصول "وسيم" إلى المعبر تلقى رسالة من أخته "فرح" تنعى فيها أخاه الصغير "خليل" الذي لم يكمل الـ 17 عاما والذي استشهد جرّاء غارة جوية لنظام الأسد على المنطقة. لم يستوعب "وسيم" الخبر فقد جاءته الرسالة متزامنة مع دخوله الأراضي السورية وانقطاع شبكة الاتصالات التركية ولم يتمكن من فهم ما حصل.
بقي "وسيم" ثلاث ساعات يحدق في الرسالة بذهول رافقه فيما تبقى من رحلته، وعند وصوله إلى الحي سمع صوت أحد المارّة، يقول له "الله يتقبلو خليل كان كتير محبوب بين الناس"
تتسارع دقات قلبه وهو يرى وجوه الناس تنظر إليه معزية باستشهاد أخيه، يكمل السير حتى باب المنزل، وبجانب السُلم الصغير على عتبه بيته يجلس والده، مطأطئ الرأس، ساهِم الطرف، يلهيه عظم الحدث عن إدراك ما حوله، وحين شعر بوقوف أحد قبالته، رفع رأسه ليكتشف أنه وسيم
التحم الجسدان بحرقة وكان المشهد أعمق وأشد كربةً من أن يكتب في سطور، "وسيم" كان يود أن يفاجئ أهله بقدومه في العيد فلا أحد يعلم بذلك سوى أخته "فرح ".
فجأة يعلو صوت أحد المارّة بالقول "الحمد لله على سلامتك وسيم، البقية بحياتكم عمي أبو وسيم"، علا حينها صراخ وسيم ألما، وركض يفتش الغرف لعلّ ما سمع يكون كذبا، أو هذيانا، لكن صمت الحقيقة كان أقوى من ظنونه وصراخه، صمت يكسره أنين والدته وأخته فرح وهما ترتديان الأسود، جلس بين قدمي أمه التي بدأت بملامسة رأسه وهي تردد: "شفت يا حبيبي عيدية بشار الأسد، حرق قلبي وأخذ خليل مني. "
هذا فصل من فصول الرواية التي لمّا تكتمل بعد، أوانه عيد الأضحى ومسرحه "جسر الشغور" تلك المدينة التي تمتد عذاباتها من ثمانينات القرن المنصرم حتى يومنا هذا، عانت ولم تزل جور النظام الذي أتقن العزف على حبال المشانق.
يمر العيد بها على استحياء حاله حال الذي سبقه، ملوّحا بيد خاوية، فلا سكاكر تُفرِح قلوب الأطفال، ولا سكينة ترد الدمع عن عيون الثكالى، إلا بقية من أمل تحملها أفئدة من سطّروا بالدم سيرة الكفاح على درب الحرية.
إقرأ أيضا
من هي الجهات التي ساندت نظام الأسد في صناعة المواد السامة؟
عيد آخر يمر على السوريين تغيب فيه مظاهر الفرح