أخبار الآن | الريحانية – تركيا (عبد الرحمن الأسمر)
اضطر العديد من السوريين، في ظل تواصل الحرب التي يشنها النظام على شعبه، إلى البحث عن مقدرات عيشه وحياته اليومية. وتغيرت مهن العديد من أرباب الأسر السورية بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة المتغيرة، وسط اختلاف المناطق والقوى المسيطرة عليها.
"محمد سلمان الأسمر" من منطقة "جب الجندلي في حمص" هو واحد من هؤلاء الرجال الذين حاولوا البحث عن وسائل ومصادر رزق ليعيل زوجته وأولاده. فقد أجبر محمد على تغير مهنته من بيع الملابس إلى بيع مادة المازوت بين مديني إدلب والرقة.
ولكن فجأة ذهب ولم يعد، هنا تروي لنا زوجة محمد قصة اعتقالها من قبل داعش ثم نجاتها منهم بأعجوبة.
اختفاء وابتزاز وعنف
ومثل كل السوريين، أصبح يقضى يومه في البحث عن لقمة العيش وبقى على هذا الحال عاما كاملا، ثم قرر أن يستقر في مدينة الرقة مع زوجته وأولاده الستة ووالده ووالدته.
وبسبب تنقله السابق بين الرقة وإدلب، تعرض للتهديد من قبل داعش بتهمة "التعامل مع الجيش الحر/ المرتدين"، وبدأ الخوف يخيم على حياة العائلة.
"ذهب ولم يعد"، تقول السيدة "ريم" زوجة محمد: جاء أشخاص غرباء كانت ملابسهم غريبة وأخذوا زوجي من المنزل بحجة بعض الأسئلة وأخد معلومات عن مدينة حمص وبأنه سوف يعود دون تأخير. كانت تلك آخر مرة آرى فيها زوجي وبدأت رحلة البحث عن محمد ولكنه لم يعد، وبدأ عمي "والد محمد" بالبحث عنه في كل مكان وإدخال وساطات مع عناصر من داعش.
تتابع: تواصل والد زوجي مع عناصر من داعش وطلبوا مبلغ مالي مقدر بثلاثة ملايين ليرة مقابل الإفراج عنه. استعنّا لتأمين هذا المبلغ بالأصدقاء وبيع كل ما نملك لجمع المال ولكن لم يعد زوجي وذهب المبلغ وهددونا أننا لو تكلمنا عن دفع المبلغ سيكون مصيرنا القتل.
وبعد أكثر من شهرين قررت والدة محمد الذهاب إلى مقرات داعش للسؤال عنه ولكن كانت هذه رحلتها الأخيرة ولم تعد حتى الآن.
هذه الأحداث كانت في شهر يوليو/ تموز عام 2015، حاولت السؤال عنها ولكن دون نتيجة، لتخبرني إحدى صديقاتي بضرورة الذهاب للسؤال عنها ومعي طفلي الصغير ابن الأربعة ألشهر لعلهم يشعرون بالشفقة على حالي حيث لم يعد معيل لي ولأطفالي ولوالد زوجي المسن.
واعتقال الزوجة والطفل
ذهبت إلى المكان الذي أرشدني إليه زوج جارتنا. كانت هناك مجموعة من الشباب بملابس غريبة وأشكال أغرب، وعندما سألتهم عن زوجي ووالدته قالوا لي أنهم يخضعون للتحقيق وسوف يتم الإفراج عنهم قريبا وأن زوجي يجب أن يعاقب على تعامله مع الجيش الحر و"المرتدين". طلبت منهم رؤيته. وبعد إلحاحي وافقوا على طلبي واصطحبني أحدهم إلى داخل البناء ثم إلى قبو تحت الأرض. وكانت هنا بداية مأساتي.
أخذ العنصر الداعشي طفلي من يدي ورماني داخل حمام وقال لي "حتى تتعلمين كيف تسألين عن زوجك". بقيت في ذلك الحمام شهرا كاملا وأنا أصرخ، لا أعرف ليلي من نهاري وأريد طفلي. أعادوا لي طفلي بعد عشرة أيام من ذلك كنت تعرضت لكل أنواع الإهانات والتعذيب من قبل سيدات على الأغلب لسن سوريات. ثم نقلوني إلى غرفة كبيرة فيها عدد كبير من النساء قصصهم متشابهة. بقيت على هذا الحال لمدة شهرين ولم أعلم أية معلومة عن زوجي محمد ووالدته وأطفالي "الذين تركتهم مع جدهم المسن".
قصص وأقبية الموت
قصص الألم تتشابه والحزن يسكن عيون الجميع، تعرضنا إلى كل أنواع التعذيب على يد عناصر داعش من نساء ورجال. كان الموقف الأصعب عند تشغيل مولدة الكهرباء ليلا هذا يعني أن فترة التعذيب بدأت. يختارون كل ليلة بعضا منا للتحقيق بتهم لم نرتكبها. كانت "نجاح" حاملا وتعذب كل ليلة حتى تعطي معلومات عن زوجها المتهم بأنه مرتد وعميل للجيش الحر، حان موعد ولادتها وملأت الدنيا صراخا وهي تنزف بشدة، سحبت بطريقة عنيفة من قبل نساء داعش لتعود بدون طفلها حيث قالوا أنه مات أثناء الولادة وهي تؤكد أنها سمعت صوت بكاء الطفل الوليد.
أما "عبير" من مدينة السخنة، فكانت تعذب كل يوم بأشد أنواع التعذيب بمجرد أنها كانت تطبخ لعناصر الجيش الحر وهي بحاجة إلى عمل لأنها تعيل أطفالها الخمسة بعد وفاة زوجها، اتهمت بممارسة الرذيلة كانت تطلب منهم وهي تملأ المكان صراخا: أرجو عرضي على طبيب حتى تتأكدوا أنني لا أعرف رجلا منذ خمس سنوات، كانت سيدة بمنتهى الأخلاق ذنبها الوحيد أنها مضطرة للعمل. وصفت بأنها فاجرة وتجلد وتضرب كل ليلة.
أما "فاطمة" فقد اعتقلت عندما جاءت للسؤال عن أخيها الذي كانت تهمته كتهمة زوجي مرتد وكافر لأنه من عناصر الجيش الحر.
وكلما جاء دوري في التحقيق كنت أشعر أنها المرة الأخيرة التي سوف أشاهد طفلي. تعرضت للضرب والإساءة بشكل يومي.
الهروب صدفة!
في إحدى الليالي كانت طائرات التحالف تقصف المكان وعمت الفوضى وفتحت أبواب المكان وبدأ الجميع بالهرب وكان هناك غرف مخصصة للرحال وهرب القسم الأكبر وأنا منهم مع ثلاثة رجال وسيدتين. اختبأنا في منزل قريب من المكان وساعدنا أصحابه بالهروب بعيدا عن مقرات داعش. وعندما رويت قصتي للرجال الذين هربوا معي أخبرني أحدهم أن زوجي قد تم قتله من قبل داعش منذ اليوم الأول لاعتقاله، أما والدة زوجي فلم أعلم عنها شيئا.
قرر هؤلاء الرجال مساعدتي للوصول إلى أبنائي. وصلنا إلى المكان بعد تعب وعناء ومخاطر كثيرة. لم أجد عائلتي ولكن وجدت رقم هاتف مع جارتنا لشقيق زوجي الذي جاء وأخذ الأولاد وجدّهم.
استطعت الوصول لهم خلال الهاتف وعلمت أنهم متواجدين في تركيا. لم اكن املك نقودا لكن الرجال الذين فروا معي قالو لي "أنت أخت لنا ولن نتخلى عنك حتى نوصلك إلى عائلتك".
رحلة شاقة فيها الكثير من الخطر والتعب والجوع. أخيرا وصلت إلى الحدود ولا أعلم كيف! خمسة عشر يوما منذ خروجنا من السجن. دخلت إلى تركيا عن طريق أحد المهربين مقابل مبلغ مالي دفعه الرجال الذين كانوا معي.
وصلت إلى أطفالي وأنا معهم الآن ولكن منهكة وضعيفة وحزينة لوفاة زوجي وأمه، وأصبحت مريضة لا أستطيع إعالة أطفالي. هناك الكثير من التفاصيل عن مأساتي واعتقالي لكن الكثير من الكلام غير المباح.