بسعي محموم وتسرع لافت، يسعى "حزب الله" الى زج مسيحي لبنان في أتون حرب طائفية ضد السوريين، سواء في لبنان في مواجهة النازحين السوريين أو دفعهم للإنخراط في الحرب السورية نفسها، أو حتى في مواجهة مع نظرائهم من السنة اللبنانيين، ويلاحظ المتابع لإعلام الحزب في الاونة الاخيرة أن هذه القضية باتت ترقى الى درجة المهمة المقدسة العاجلة التي ينبغي على الحزب إنجازها في المدى الزمني المنظور، حيث تكثف دوائر الحزب المخابراتية والسرية عملها على إنضاج هذا المتغير في الساحة اللبنانية عبر عملية ولادة قيصرية وتهيئة المناخات المناسبة لحدوثه في أسرع وقت.
على وقع ذلك، وفي إطار تجهيزه لمسرح الصراع القادم بين المسيحيين والسنة، يحاول حزب الله، عبر إعلامه وتصريحات مسؤوليه السياسيين من مختلف المستويات، تصوير أن الطلاق وقع وإنتهى بين الطرفين، بل يجزم بأن إعتداء السنة على المسيحين وقع وإنتهى!، وإن المسيحيين هم الأن في مرحلة الإستعداد للرد على هذا الإعتداء!، ويعمل على تخليق سردية متكاملة لذلك العدوان على المسيحيين عبر تجميع حوادث متفرقة وغير ذات صلة وقع بعضها في سورية وبعضها الاخر في العراق وتوظيفها في سياق تلك السردية، بل أنه يذهب الى إعتبار أن الأحداث المتفرقة التي حصلت في لبنان والتي كانت تستهدف الحزب نفسه والتي جاءت كرد فعل على إجرامه في سورية إنما تستهدف المسيحيين أيضا، إما لأنهم يقعون في مدار الوطنية اللبنانية التي تذكّر حزب الله إنتماءه لها فجأة، وإما بسبب وقوع المناطق المسيحية على خط التماس في جبهة صراع الثوار السوريين مع حزب الله.
بالطبع الوقائع على الأرض ليست كما يصورها الحزب، وهذه الصورة التي يسعى الى ترويجها غير موجودة بذلك الشكل الا في أماني الحزب ورغباته، ذلك ان المسيحيين اللبنانيين أصحاب خبرة سياسية كبيرة في التعاطي مع القضايا الإشكالية، إضافة الى كونهم يقرأون الأحداث بشكل واع، كما أن لديهم قياداتهم السياسية التي لها رؤيتها الخاصة لما يجري وتقف في أغلبيتها ضد المذبحة التي يرتكبها حزب الله وحليفة نظام الأسد ضد السوريين، من دون ان يعني ذلك عدم قدرة الحزب على تحقيق إختراقات معينة ضمن التجمع المسيحي اللبناني، وخاصة في المناطق الهامشية والفقيرة في الشرق "البقاع" وفي الجنوب حيث يمتلك هناك سطوة كبيرة على السكان المحليين، إضافة الى المؤيدين لبعض التيارات القريبة من المحور الايراني مثل "التيار الوطني" بزعامة ميشال عون، و"حزب المردة" الذي يرأسه سليمان فرنجية الحليف التقليدي لنظام الاسد، وكذلك مناصري "الحزب القومي السوري الإجتماعي".
لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، ما طبيعة الدوافع التي تقف وراء سلوك حزب الله لهذا الطريق، وما هي الأهداف التي يبغي تحقيقها؟
لا شك أن الهدف الأساسي الذي يسخّر حزب الله كل جهوده له في هذه المرحلة هو إنقاذ حليفه السوري من السقوط الذي بات حتميا ووشيكا، حيث يسعى الحزب الى إعادة خلط الاوراق في المنطقة بعد أن تبين أن داعش لن تشكل عامل إنقاذ لنظام الاسد من ورطته، فالحلف وذراعه "حزب الله" ينتقلان الى الخطة "ب" التي تقضي بجعل المنطقة كلها على شفير الهاوية، من خلال الحرب بين جميع مكوناتها، وهذا المناخ وحده يكون صالحا لإنقاذ حلف إيران من الهزيمة المؤكدة والتي باتت تطارده مثل كابوس مزعج، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها تغيير الهياكل السياسية والبنى السلطوية بكاملها في العراق وسورية، لذا فإن الحلف الذي يشتغل "حزب الله" في منظومته يسعى الى حرف الوقائع وتغيير المعطيات من أجل حرف الأهداف السياسية للحلف الدولي الذي تشكله أميركا، خاصة وان هناك تلميحات من أكثر من مصدر غربي بأن الحرب على الإرهاب قد تتوسع لتطال كل بنية الإرهاب في المنطقة بما فيها نظام الأسد وحزب الله.
وما يزيد من قلق هذا الحلف نية اميركا إيجاد بنية سنية مقاتلة، على غرار تلك التي صنعتها ايران من الطائفة الشيعية في المنطقة، ما يعني نهاية النفوذ الإيراني بشكله الحالي على الأقل الى الأبد وحرمانها من استعادة نفوذها بأي شكل، وبالتالي فإن "حزب الله" يعمل على ترويج خطورة هذا المتغير وتصويره على أنه يستهدف الأقليات في المنطقة التي يتوجب عليها التحالف ورفض هذا التوجه الأمريكي وإعتباره بمثابة إعطاء ضوء أخضر للأكثرية من أجل إبادة وإقتلاع الأقليات، وتعمل إيران عبر دبلوماسيتها ليل نهار من أجل عدول أميركا عن قرارها هذا، وتحاول الضغط بشتى الوسائل، وكان أخرها ما سمي "مؤتمر مسيحيي المشرق" الذي عقد في أميركا وحاول إيصال هذه الرسالة للقيادات الأمريكية التي لم تستجب لمثل هذه الإدعاءات.
على هامش هذا الهدف يحاول حزب الله تصوير نفسه على أنه حامي الأقليات في المنطقة، وأن إنخراطه بالمقتلة السورية إنما كان بهدف حماية المستضعفين من الأقليات، بل أنه يطمح الى التحدث بإسمهم والحصول على تفويض بهذا الأمر، وفي هذه الإطار الدعائي ذهب نصر الله الى مطالبة السنة في المنطقة "لضمانة حماية المسيحيين والأقليات"، في تلميح خبيث على انهم يهددون وجود المسيحيين والأقليات، في الوقت الذي يبيح لنفسه هو ومنظومة إيران شنّ حرب على الشعب السوري تقدّر حصيلة ضحاياها حتى اللحظة ب 12 مليون بين قتيل وجريح ومفقود ومعتقل ونازح، فمن أين له الحق بمثل هذا الإدعاء وهو الذي إجتاح سنة 2008 الجبل مهددا حياة دروزه ومسيحيه، وهو الذي أدار مقتلة لزعماء لبنان وقادته شملت كل الطوائف بين عامي 2004 و2009؟، بل من أين له الحق بإختطاف مكونات المنطقة وبلفها على غرار إختطافه للمقاومة وإدعاءه تمثيلها؟، وكأن الأكثرية في المنطقة قبل ظهور وليه الفقيه كانت مجرد جواسيس وقتلة وبعث لها القدر نصر الله ليضبطها!.