قد يبدو أن الضربات العسكرية الأخيرة ضد مواقع داعش وجبهة النصرة في سوريا ستقرب بين الفصيلين المتناحرين الذين انبثقا أول الأمر عن القاعدة المركزية. لكن النصرة بدأت بالفعل باستغلال الضربات لتثبت أنها كانت على صواب وأن داعش على خطأ؛ ولتذكر بدور داعش في شق صفوف القاعدة.
فكيف بدأ صراع الشركاء هذا؟
بدأ الأمر في تشرين الأول/أكتوبر 2004، عندما أعلن أبو مصعب الزرقاوي وكان أسس لجماعة إرهابية في العراق هي التوحيد والجهاد، مبايعته لأسامة بن لادن زعيم القاعدة؛ وأعاد تسمية جماعته بالقاعدة في العراق.
كان الزرقاوي دموياً حتى بمقاييس القاعدة المركزية. في تموز/يوليو 2005، وجه الظواهري، الساعد الأيمن لابن لادن، عتباً للزرقاوي على مغالاته في قطع الرؤوس والتقتيل الطائفي في العراق حتى لا تخسر القاعدة الحاضنة الشعبية هناك.
بعد مقتل الزرقاوي في حزيران/يونيو 2006، تسلم الزعامة أبو حمزة المهاجر المعروف أيضاً باسم أبو أيوب المصري وأعاد تسمية القاعدة في العراق لتصبح الدولة الإسلامية في العراق. المصري كان من كبار معاوني الظواهري. وعلى مدى الأعوام الثلاثة التالية، تم تداول اسمين على هرم الدولة الإسلامية في العراق: المصري، وأبو عمر البغدادي. وقيل إن البغدادي كان صنيعة المصري حتى يضفي طابعاً عراقياً على التنظيم لاستقطاب السنة.
في نيسان/أبريل 2010، قتل المصري وأبو عمر البغدادي. وتولى الزعامة أبو بكر البغدادي.
في كانون الثاني/يناير 2012، قررت القاعدة المركزية التسلل إلى الثورة السورية ولكن تحت مسمى جبهة النصرة بزعامة أبي محمد الجولاني. ظلت النصرة تعمل في سوريا من دون أن تتأكد علاقتها بالقاعدة.
لكن في 9 نيسان/أبريل من العام التالي، أعلن البغدادي عن ضم جبهة النصرة إلى تنظيمه الدولة الإسلامية في العراق ليصبح التنظيم الجديد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
بعد هذا بيوم، أعلن الجولاني رفض الدمج مع البغدادي وأعلن ولاءه للقاعدة المركزية.
في حزيران/يونيو 2013، وجه الظواهري زعيم القاعدة المركزية رسالة إلى كل من البغدادي والجولاني. حلّ الدمج، وأوصى بأن يلتزم البغدادي العراق والجولاني سوريا. وفي الرسالة عاتب البغدادي على فضحه علاقة النصرة بالقاعدة، بخلاف ما كان متفقاً عليه.
في الشهر التالي، رد أبو بكر البغدادي برفضه ما جاء في رسالة الظواهري.
في شباط/فبراير 2014، تبرأ الظواهري من تنظيم داعش وأفعاله. وبدأ الاقتتال بين الفصيلين على أشده وصل الذروة بمقتل مبعوث الظواهري إلى سوريا أبي خالد السوري في أواخر شباط.
في تموز/يونيو 2014، سيطر داعش على مناطق واسعة غرب العراق وتحديداً مدينة الموصل. وسيطرت على آبار نفط أمنت لها 3 ملايين دولار يومياً.
في نهاية تموز، أعاد البغدادي تسمية داعش إلى الدولة الإسلامية ونصّب نفسه خليفة.
في أيلول/سبتمبر 2014، ظهرت منشورات في أفغانستان وباكستان تدعو للانضمام إلى داعش؛ وأعلن الظواهري في نفس الوقت توسع القاعدة في الهند.
في 22 أيلول/سبتمبر 2014، بدأ قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة خمس دول عربية ضربات عسكرية ضد مواقع داعش والنصرة في سوريا. وتم الكشف لأول مرة عن جماعة جديدة اسمها خراسان كانت تنتمي للقاعدة المركزية وكانت مهمتها شن هجمات في أمريكا وأوربا.
في 28 أيلول/سبتمبر، أصدر الجولاني، زعيم النصرة، كلمة صوتية اعتبر فيها أن داعش وفر المبرر لهذا التدخل العسكري. وحذر من أن الظلم الذي ألحقه داعش بالفصائل المقاتلة على الأرض “وقتل قيادات ونهب ثروات” قد يبرر لهذه الفصائل الانصمام إلى التحالف. لهذا دعا صراحة “من تعذر بدفع صيال (أي ظلم) جماعة الدولة فليفعل ذلك دون أن يكون مشاركاً في الحلف الدولي.” الجولاني يطرح نفسه بديلاً عن النظام،وعن التحالف وعن داعش. وقد لا يطول الوقت حتى تتقدم النصرة للسيطرة على المناطق والموارد الخاضعة لسلطة داعش، وتخوض حرباً معها بمساعدة من يواليها من الفصائل المعارضة.
وهكذا، ما أن تتخلص هذه الفصائل المعارضة من حفرة داعش، حتى تقع في بئر النصرة.
لهذا لا بد من تعزيز قدرات الجيش الحر حتى يقطع الطريق على النصرة وحتى يتدخل لإعادة السيطرة على المواقع المتاحة بالتنسيق مع التحالف الذي سيوفر الغطاء الجوي.