العالم لا يحبُنا. اختصرت ريحانة جباري في رسالتها المؤثرة إلى والدتها واقعًا أليما لملايينِ النِّساء في مِنطقة الشرق الأوسط، وشمالِ إفريقيا ، ومناطقَ أخرى من آسيا. هذا العالم لا يحبُ النساء، ولا الجمالَ بكل أنواعه، "جمالَ المنظر، جمالَ الأفكار والرغبات، الكتابةَ اليدوية الجميلة، جمالَ العيون ، الرؤية، ولا حتى جمالَ صوتٍ جميل" .
ريحانة التي أبكتنا في رسالتها التي تفيض مشاعر حب وألم واستسلام واحتضان للموت لم تذرفِ الدموع، ولم تبك داخليا. كان لديها إيمانٌ وثقة بالقانون! أيُّ قانون هذا الذي يحاكم المرأة في العلاقة الجنسية في أي موقف كانت، فاعلة مشاركة طوعًا أو مفعول بها، ويتناسى الفاعلَ المشارك طوعًا، أو الفاعل غصبًا؟!! دائمًا نرى متهمًا واحدًا. بل هي متهمة واحدة دائمًا. تقف لتُرجمَ بصفة “زانية”، وقبل ذلك تحاكمُ محاكمةً بلا أركان على “فعلتها القبيحة” من دون شهودٍ ولا معرفة “ الضحية الذي زنت بها” ولا نعرف أو نرى “الزاني” صاحب “الفعلة القبيحة”. أم أنه أصبح هو المغرر به والضحية؟! وتعدم المغتصبة لدفاعها عن نفسها، ولا أقول شرفها، ويصبح المغتصِبُ ضحيةً لدفاعها عن عدم رغبتها في علاقة جنسية مع شخص لا تريده؟! أي اعوجاج وقصور في الرؤية نعانيه في هذا الزمن ، في هذه الدنيا؟! وفي عالم لم يحبها حاولت ريحانة أن تخلق قيمة حتى بموتها. لقد أحبت الحياة من كل قلبها الصغير الشاب، وأرادت بعد موتها أن تعيش الحياة عبر منح عينيها، وقلبها، وكُليتيها، وحتى عظامها لو أمكن لمن يحتاج إليها هدية منها. محاولة زرع الحب في عالم ظالم مغتصب للحياة بلا رحمة. توسل أهلها ل “الضحية” (المغتصب) الذي طعنته أن يعفوا عنها فيسقط حكم الإعدام عنها، ولكنه عالم يكره نفسه فكيف له أن يعطي الحب. تمامًا مثل ذلك الشخص الذي قيل لنا إنه “الأب” في فيديو رجم داعش فتاةً في ريف حماة ، قيل لنا إنها “زانية” ولم يأتوا لنا ب “الزاني”. “أبٌ” توسلت ابنته طالبةً منه السماحَ، ولم يستطع قلبه المفعم بالكره أن يضمها إليه، أن يبكي معها على مصيرها الإجباري ، وربما مصيره أيضًا. كيف استطاع رفض الموت مع ابنته التي استسلمت لقاتليها، واحتضنت الموت، ولم تسأل سوى المسامحة من والدها. في كل القصص المشابهة التي يُعصر فيها عنق امرأة أحبت الحياة حتى تطلع منها الروح، “يقال لنا رواية ما”، ونتلقى حكما نافذًا من أشخاص نصَّبوا أنفسهم حراسًا للدين ، وفصَّلوا عدالةً على مقاس رغباتهم. هذ المرة انتصرت عليهم ريحانة جباري. بقى قلبها يحب الحياة ولم يكسروه. “تراثها” الذي تركته لوالدتها بخط يدها بدأ يكشف عن فنانة أديبة تتذوق الجمال، ترفض الحزن والسواد، تعطي بلا مقابل.. ريحانة جباري برسالتها الأخيرة حاكمتهم عنا جميعًا. عرفت أنها وهي “مستيقظة” لن تستطيع تغيير هذا الكره فأرادت باستسلامها للموت أن تخلق قيمة للحب، وتتركها تنتشر مع الريح. فعسى أن تأخذك الريحُ بعيدا كما أردتِ.