من النشأة الاولى لما كان يعرف بتنظيم التوحيد والجهاد الذي حول اسمه لاحقا إلى القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة أبي مصعب الزرقاوي ثم إعلان التنظيم لاحقا تغيير اسمه الى الدولة الاسلامية في العراق٫ كانت الخلافات تتشكل تدريجيا بين تنظيمين متطرفين بدا أن كل واحد منهما يريد استغلال الاخر لمصلحته إلى أبعد الحدود، ولكن في الوقت نفسه يحاول طمس هوية الثاني وابعاده تدريجيا عن المشهد.
وإذا كان قبول القاعدة الأم بانضواء تنظيم الزرقاوي حينها تحت إمرتها أمرا مستساغا تنظيمها حينها بفعل انحسار نشاط التنظيم الأم ومحاصرة معظم قادته في المناطق الجبلية بأفغانستان وباكستان، وحاجته إلى أذرع تفك عنه الحصار، خاصة بعد قبوله انضمام القاعدة في بلاد المغرب والقاعدة في جزيرة العرب، وهما تنظيمان ينشطان في بلاد أبعد ما تكون عن القبول بفكر القاعدة القائم على تكفير الأنظمة الحاكمة، فإن قبول تنظيم القاعدة الأم بانضمام تنظيم الزرقاوي كان يبدو أسهل تبريرا في نظر المتابعين، ذلك أن العراق حينها كان واقعا تحت الاحتلال الأميركي، وكان بؤرة الصراع الأكثر ضراوة في المنطقة.
وبالنسبة لتنظيم الزرقاوي المنبثق من فكر جماعة التوحيد والجهاد التي تعتبر أكثر تشددا في تفكيرها إذ يصل بها الأمر إلى تكفير المجتمعات الاسلامية كلها وليس فقط الأنظمة الحاكمة، فإن انضمامه إلى تنظيم القاعدة كان سيوفر له العديد مما يطمح إليه خاصة وهو ينشط في بلد به عشرات التنظيمات العسكرية الصغيرة التي يحاول كل واحد توسيع نفوذه، وانضمام أحدها إلى القاعدة يوفر له ميزة الصخب الاعلامي الذي طالما كان يواكب إسم القاعدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
بداية الخلاف..
على عكس ما يبدو للبعض من أن الخلاف بين القاعدة وما بات يعرف اليوم بداعش سببه الصراع في سوريا، فإن الخلاف بين التنظمين يعود إلى سنوات قبل ذلك.
فخلال سنوات العنف الطائفي في العراق والتي بلغت ذورتها خلال عامي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ كان نشاط تنظيم الزرقاوي الابرز في الهجمات التي تستهدف الطائفة الشيعية ولم يعد قتال القوات الأميركية والغربية الموجودة في العراق من أولوياته، وهو ما ولد انتقادات حادة للتنظيم من طرف رموز التيار السلفي المقاتل بلغت أوجها في رسالة من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الذي رأي أن قتال الشيعة ليس من أوليات تنظيمه وأن على تنظيم الزرقاوي ما دام يحمل اسم القاعدة أن يتوقف عن ذلك.
وهذا أحد الأسباب التي يرى مراقبون أنها جعلت تنظيم الزرقاوي يتخلى عن اسم القاعدة ويغير اسمه إلى الدولة الاسلامية في العراق.
الخلافة والخلاف
القطرة التي أفاضت كأس الخلاف بين القاعدة الأم وداعش كانت في إبريل الماضي، حين أعلن الأخير عما سماه دولة الخلافة، وإذا كان الاعلان الذي لا قيمة له ظاهريا لم يحظ بأي اعتراف من طرف أي جهة حتى من طرف علماء الدين المحسوبين على التيار السلفي المقاتل فإنه بالنسبة للقاعدة الأم كان الضربة التي لم تكن تتوقعها، ليس لأنه يمس أحد المشاريع التي طالما خدرت بها عقول مجنديها بل أنه يفتح الباب واسعا أمام خسارتها أهم الموارد البشرية والمادية التي كانت تعتمد عليها.
وبدأ رد الفعل سريعا حين انضمت جبهة النصرة في سوريا المحسوبة على قاعدة الظواهري إلى صفوف الجيش الحر في قتال تنظيم داعش، ثم توسع الاستقطاب بين تنظيمي داعش وقاعدة الظواهري حتى شمل كل جهات العالم الاسلامي التي كان ينشط فيها تنظيم القاعدة الأم.
وبات مشهد التبرئ من أفعال داعش أحد المشاهد الثابتة في خطابات التنظيمات المتطرفة، وشهدت خطب ولقاءات رموز التيار السلفي المقاتل حملات فكرية تفند الأسس التي أقام عليها البغدادي خلافته.
وليس آخر ذلك تصريحات أبي حفص الموريتاني في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون الآن التي أكد خلالها أن "دولة البغدادي" ليست هي "دولة الخلافة" التي تجمع كلمة المسلمين.
ثم جاء تبرؤ القاعدة في اليمن من جرائم داعش، وقبله رفض القاعدة في بلاد المغرب مبايعة البغدادي وهما فرعا القاعدة الأم الأكثر نشاطا وتشددا ليجعل ذلك أحد مرتكزات خطاب داعش يفقده أقرب الحلفاء الفكريين.
وإذا كانت جرائم داعش بحق المدنيين تجعله ممقوتا في العالم بل محاربا من طرف الجميع سواء من الدول أو المجتمع المدني فإن طرحه الفكري جعله عدوا حتى للتنظيم الذي كان إلي عهد قريب يعد أكثر التنظمات تطرفا في العالم.
وهو ما يكشف أن الصراع المقبل سيضاف إليه عنصر صراع المتطرفين والاكثر تطرفا.
وهو أمر لا شك سيصب في مصلحة القوى المدنية الرافضة للفكرين معا، ويجعل محاربة الارهاب تأخذ منحى أكثر وضوحا إذا أحسن استغلال خلافات الطرفين بما يخدم مصالح الانسانية الحالمة بالسلام.