ساحة الرأي | ياسر الأطرش – (أخبار الآن)
في الحالة السورية، كما في مثيلاتها، تبدو المرأة الطرف الأضعف، لا لجهة ضعف بنيانها الجسدي كما يمكن أن يتبادر أوليا، ولكن لجهة إمكانية استغلالها، وتسليعها، واستخدامها كوسيلة ضغط نفسي وعسكري !.
وعلى قساوة المشهد، وازدياد قتامته، لم نشهد على مدى أربع سنوات محاولات جادة مدعومة بحيث تفضي إلى حلول أو شبه حلول تقلل خسائر المرأة، بل على العكس، تدرج الأمر من الاستغلال إلى التسليع إلى الإتجار العلني.
القصة بدأ فصولها نظام الأسد، عندما استخدم المرأة منذ بدايات الثورة، وسيلة للضغط ولي ذراع معارضيه، فاستهدف المرأة ليس لكونها جزءا من النشاط الثوري وحسب، بل لكونها نقطة ضعف يمكنه بها النيل من خصومه وكسر إراداتهم ب "هتك شرفهم"، فسارع إلى اعتقال النساء واغتصابهن وتصويرهن في أوضاع مخلة ومذلة، وغالبا ما كان مسعاه يلاقي صدى، فالشاب الذين يعتقلون أخته أو أمه لا يجد بديلا عن تسليم نفسه فداء لها، على مبدأ يدرك النظام ألا مبدل له، وهو أن الشرف أغلى من الروح في عقيدة جل السوريين.
وما كان من المؤسسات المعنية بالمرأة إلا أن ترفع الصوت محذرة تارة، ومصدرة بيانات وإحصاءات صادمة تارة أخرى لأعداد المعتقلات والمغتصبات والمختطفات، دون أن تؤدي دورا فاعلا في تقديم صور حل ممكنة، ولا ساعية فعليا لإنقاذ ما يمكن من المتضررات المحتملات، وجاءت مساعدات الهيئات الدولية المختصة بشؤون المرأة متأخرة جدا ومقتصرة على محاولة لملمة جراح المنتهكات، دون وصفة وقاية واحدة.
وتتالت الفصول، على نفس النهج، فالمرأة موضع حرج وإحراج واتهام ليس إلا، فكتبت قناة الميادين لصاحبها "غسان بن جدو" الفصل الثاني من القصة، تحت عنوان "جهاد النكاح"، وفي هذا الفصل تم تسويق المرأة على أنها إرهابية، ولكن دون التخلي عن دور الجسد في الموضوع، فالمرأة الإرهابية تمارس الإرهاب من بوابة جسدها بمنحه ل "الإرهابيين"، في استحضار ممسوخ متقصد ل "الحور العين".
ومع حالات الخطف والاغتصاب اليومية، امتنع كثير من الأهالي عن إرسال بناتهن إلى المدارس والجامعات، ما أدخل المجتمع في معضلة جديدة قديمة، وأصبح الخوف على الفتاة ومنها! .. وهكذا عدنا إلى ما يشبه حالة "إذا بشر أحدهم بالأنثى".
وخارج حدود جحيم الوطن، كان "المستضيفون" يكتبون الفصل الأوسع والأوجع من القصة، فمنذ بدايات النزوح السوري، وقبل أن يفكروا بالأولويات، أو باحتواء الأطفال، الفئة الأكثر ضعفا وحاجة وحقا بالرعاية، توجهت بوصلتهم إلى المرأة، وقاموا يشتغلون على إبداع وسائل للإيقاع بها، وسائل يجب أن تكون محمية بسور الدين المتين، حيث يتم البيع والذبح على الشريعة! .. وهذا ما كان .. فراح علماء "الشهوة" يفتون بوجوب الستر على السوريات اللاجئات، عشرات "العلماء" تورطوا، وآلاف المريدين لبوا، فكانت عمليات البيع تتم وفق شريعتهم، دون أن نجد أصوات مشايخ الثورة تتعالى وتذود عن القاصرات، وانبرى المتورطون من الآباء وذوي الفتيات للدفاع، إنه زواج شرعي مكتمل الأركان، بورقة عقد وشاهدين، ومبلغ يدسه الأب في جيبه يستعين به على ويلات النزوح، غير مكترث بما يمكن أن تحمله القادمات من الأيام، فهذه التي خرجت من خيمته وحدها، ربما، أو غالبا، ستعود بعد قليل من الوقت حاملة إليه حفيده الذي لن يرغب في رؤيته أو تحمل تبعات قدومه إلى الدنيا.
ويستمر الفصل العبثي، إذ لا حدود للرغبة، ويقول الراوي أيها السادة: إن غالبية كتاب الفصل ومعجبيه هم من "مدعي الورع"، ولشدة "ورعهم وتقواهم" تراهم ينشئون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومجموعات "واتس أب" وكل ما قدرهم الله عليه، ليستروا على السوريات، وطبعا لا يختارون الأرامل أو كبيرات السن نوعا ما، بل تؤكد إحصاءات المؤسسات المختصة أنهم لا يطلبون للزواج إلا القاصرات ما دون 18 عاما .. إنه سوق مفتوح للنخاسة، تحت مسمع ومرأى ورعاية دولهم والمجتمع الدولي العاجز.
أما الفصل الرابع فتكتبه المرأة ذاتها، مضيفة آلاما جديدة لقلب قرينتها السورية، فالنساء في بلدان اللجوء يجاهرن بعدائهن للمرأة السورية، فهي مشروع زوجة ثانية سهلة البلوغ حتى لغير المقتدرين ماديا من الرجال، عزز هذا الشعور وأكده وجود حالات غير قليلة في البلدان المعنية، مع غياب شبه تام لدور المنظمات الدولية والمؤسسات التوعوية والتثقيفية، وانشغال رجال الدين "الثوريين" بالسياسة، واقتصار دور متبني قضية المرأة السورية على إطلاق حملات افتراضية لم تؤت أكلها ولم تنجح في تضييق حدود الظاهرة ولو مقدار خطوة.
ومع ذلك تظل هذه الجهود ضرورة، على أن تتوسع في كل الاتجاهات وتحاول الوصول بإلحاح إلى مفاتيح القرار أو المؤثرين فيه، من مؤسسات دولية ومتنفذين ممن يسمع الناس لهم، سواء أكانوا سياسيين أم دينيين أم شخصيات عامة، وصولا إلى خلق رأي عام يدين ظاهرة الإتجار بالسوريات ، ويفرض على السلطات خنق الظاهرة بمعاقبة مرتكبيها حسب لوائح وقوانين الإتجار بالبشر.
على أمل أن نكتب نحن خاتمة الفصول كما يليق بمن صنع ثورة.