أخبار الآن | عمان – الأردن مقال خاص لـ الفرد عصفور
أثار فايروس الكورونا تساؤلات كثيرة: من أين جاء وإلى متى يستمر وما هي حدود ضحاياه وما هي الخسائر التي ستنجم عنه، كلها أسئلة صعبة للغاية على البسطاء أو أصحاب الأجندات الأيديولوجية الدوغماتية المغلقة ويصعب على هؤلاء قبول التفسير العلمي القائم على مبدأ أن لكل ظاهرة طبيعية سبب طبيعي فيلجأون إلى الحلول السهلة بتحميل المسؤولية لجهة مجهولة في عالم الغيبيات.
أحد منافذ الهروب هو الإيمان بنظرية المؤامرة بأن كل ظاهرة غير مفهومة أو مرض غامض لا بد أن يكون ناتجا عن تآمر منظم من جهة خفية وأجهزة أمنية تستطيع فعل كل ما لا يمكن للآخرين أن يفعلوه.
فالقول إن فايروس الكورونا الفايروس مصدره مختبرات الحرب البيولوجية في الصين أو مختبرات المخابرات الأميركية أسهل بكثير من الاعتراف بالتقصير في حماية الصحة العامة أو الاعتراف بالفشل في تحقيق عناية طبية كافية. فالدول الفاشلة والمقصرة تعتمد الأسلوب الأسهل لإعفاء نفسها من المسؤولية.
لا يخلو العالم من المؤامرات وفي معظم الأحيان تكون فكرة المؤامرة مجرد أمنيات دفينة عند الذين يروجون لها أو تكون حيلة سياسية لتحويل الأنظار عن أحداث أخرى. ما ينتشر في الصين حاليا وكذلك في إيران من أفكار ومعلومات مضللة تتعلق بمؤامرة تصنيع فايروس كورونا هدفها إبعاد الناس عن التقصير الحكومي والعجز الرسمي في مواجهة الفايروس.
ففي الصين هي مؤامرة أميركية وفي أميركا هي مؤامرة صينية وبين غياب المعلومات وافتقاد المصداقية وانعدام الإجابات المقنعة على التساؤلات المشروعة التي يطرحها الناس تنتشر الإشاعة ومن وسطها تتولد نظرية المؤامرة وتنتعش.
ففي الولايات المتحدة حيث نظرية المؤامرة لها قاعدة عريضة من المؤيدين في كل ميدان وكل مجال، يتهمون إيران وتركيا بنشر الفايروس في الدول المعادية. المرشحة الجمهورية للكونغرس جوانا رايت في لوس أنجلوس غردت على تويتر باتهام غريب لعصابة تضم هيلاري كلينتون وبيل غيتس وجورج ساويرس والبابا بانها وراء تصنيع الفايروس في الصين. كما تحدث سياسي أميركي وعضو مجلس الشيوخ الجمهوري توم كوتون على قناة فوكس نيوز بان الفايروس منتج صيني وقد تسرب من مختبرات ووهان.
لكن صحف أميركية شعبية ومنها الواشنطن تايمز وجهت الاتهام صراحة للصين بانها صنعت الفايروس ضمن جهودها لتطوير السلاح البيولوجي. وهناك جماعة يمينية أميركية متطرفة ادعت أن فايروس كورونا يتم استخدامه لإسقاط الرئيس دونالد ترامب.
في الصين تبدو السلطات مشجعة للأفكار والتصريحات التي تشير إلى مؤامرة أميركية في تصنيع الفايروس. وهذا التشجيع في الواقع يسهل على حكومة الصين التملص من مسؤولية التقصير في التعامل مع الفايروس. ترى بعض الصحف الصينية أن الفايروس سلاح بيولوجي أنتج في مختبرات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ليكون أحد أشكال الحرب النفسية والاقتصادية ضد الصين وقد تعاونت بريطانيا مع الولايات المتحدة في تصنيع الفايروس لأجل تحقيق أرباح من بيع المطاعيم المضادة.
فيما يتعلق بإيران ونظرية المؤامرة بخصوص فايروس كورونا فان تغريدة الرئيس الأسبق محمود أحمدينجاد تحكي الكثير. فقد غرد نجاد بتاريخ السابع عشر من شباط فبراير معربا عن مواساته للشعب الصيني على تفشي فايروس كورونا “المصنع مخبريا” ومعربا عن أمله بأن الصين قريبا “ستتغلب على هذه المشكلة المفروضة عليها” لإعاقة تقدمها.
كذلك لم تغلق السلطات الإيرانية المزارات التي تشهد ازدحامات تشكل حاضنة مناسبة لانتشار الفايروس، ويقدم رجال الدين الوصفات الغريبة للوقاية من الكورونا وأبرزها زيارة المقامات الدينية للتبرك بها والحصول على الشفاء. ويرى هؤلاء أن فايروس الكورونا مؤامرة معادية قصدها إيذاء الشعب الإيراني.
أما في الشرق الأوسط فالأمر وإن كان لا يختلف كثيرا من حيث وجود فكرة المؤامرة عند الناس وبعض الصحف والمواقع الإخبارية وحتى بعض القنوات التلفزيونية، إلا أن الملفت للنظر هو أن فكرة المؤامرة كانت أسرع انتشارا من سرعة اتشار الفايروس.
في تغريدات تويتر في الشرق الأوسط نرى اتهامات عجيبة وغريبة تتعلق بانتشار الفايروس وأسباب نشوئه وهوية الممولين والأسباب المتعلقة بنشره في هذا البلد أو ذلك. البعض نشر أرقاما تتعلق بحجم التمويل الذي تم دفعه للعلماء الذين صنعوا الفايروس والبعض ذكر أسماء شخصيات أشرفت على ذلك.
يبرع أصحاب نظرية المؤامرة المهووسون بفكرتها بالحفر عميقا في نصوص قديمة أدبية أو سياسية لإيجاد ما يمكن أن يدعم ادعاءهم. فقد فتشوا في رواية ظهرت عام 1981 بعنوان عيون الظلمة للكاتب الأميركي دين كونتز ليجدوا جملة تتحدث عن اختلاق فيروس قاتل أعطته الرواية اسم (ووهان 400) ليقول إن الفيروس كان في تفكير الأميركيين منذ زمن بعيد.
وعندما ظهر فايروس الإيدز قيل إنه تسرب من مختبرات عسكرية أميركية وانه كان ضمن تجارب السلاح البيولوجي ليعمل على تقليل أعداد سكان العالم.
كثيرون لا يريدون الاقتناع بان المرض ظاهرة طبيعية تنجم عن ظاهرة طبيعية أو بيئية. فالمعروف أن فايروس كورونا مستوطن في الوطواط وهو طعام شعبي معروف في الصين وبعض دول آسيا. والأمر جدا عادي أن ينتقل الفايروس من وطواط مصاب إلى الإنسان الذي يتناوله ومنه إلى إنسان آخر وهكذا في متوالية هندسية مرعبة.
قبل أسابيع انتشر فيديو بعنوان فيديو الصدمة: سر خطير في الرقم عشرين. يتحدث هذا الفيديو وهو مشغول بعناية عن مؤامرة تهدف إلى تقليل سكان الأرض وهذه المؤامرة التي تستعمل الأوبئة القاتلة تظهر مرة كل مئة سنة وقد بدأت منذ العام 1720 بانتشار الطاعون وفي العام 1820 الكوليرا وفي العام 1920 الأنفلونزا الإسبانية وفي العام 2020 كورونا.
أحيانا تبدو نظرية المؤامرة مقنعة عندما يتم حبك قصتها بطريقة جذابة أو عندما تحول إلى فيديو متقن الصنع. ولكن مهما كان من أمر إتقان تلك الفيديوهات فلا يمكن لها أن تقنع أصحاب الفكر وأتباع المنطق سوى بأن خيال أصحاب النظرية واسع وماهر في اختلاق أحداث وهمية لم تقع وقد لا تقع أبدا.
مقالات أخرى للكاتب: