أخبار الآن | مقال رأي

في حين أن اهتمام العالم كان محصوراً في أكبر أزمة صحية في العصر الحديث مع جائحة كوفيد-19، فإن الإرهابيين ينظرون إلى الوضع الحالي بنظرة انتهازية. لقد فتحت العواقب المختلفة لجائحة كوفيد 19 سبلًا جديدة للجماعات الإرهابية التي تتوق أيضًا إلى الدعاية، وهم الآن غير سعداء لأن التغطية الإعلامية لأفعالهم الدموية كانت قليلة.

من الواضح تمامًا أن الجماعات الجهادية لديها آراء مختلفة حول كيفية التعامل مع كوفيد-19. يجب علينا أن نتذكر أنه منذ أواخر التسعينيات في أفغانستان ولحد الآن، لا يزال أحد هواجس الرئيسة لتنظيم القاعدة هو الحصول على سلاح بيولوجي واستخدامه ضد الغرب.

و لكن كوفيد-19 قد سبقهم.

من المثير للاهتمام أن “بلاغ”، وهي مجلة شهرية تُنشَر خارج إدلب في سوريا من قبل رجال دين متعاطفين مع القاعدة، تصف الفيروس بأنه “أحد جنود الله”، و تسميه “جندي كورونا”. بشكل غير مفاجئ، أشار القائد الجهادي السوري عاصف عبد الرحمن على حسابه في تيليغرام أن إيران يمكن أن تستخدم المرضى المصابين بالفيروس كسلاح بيولوجي، سواء كانوا أحياء أو أموات.

من جهة أخرى، في أوائل شهر مارس، نصح تنظيم داعش أتباعه بعدم دخول البلدان المتأثرة بفيروس كوفيد 19: “يجب ألا يدخل الأصحاء إلى أرض الوباء ولا يجب أن يخرج المصابون منها”. ثم بعد ذلك بأسبوعين، غير التنظيم  توصيته وطلب من أتباعه العودة إلى الأساسيات: هاجموا الكفار كلما وحيثما أمكن.

بإختصار، يعتبر كل من تنظيمي داعش والقاعدة فيروس كوفيد 19 بمثابة تهديد، لكن بعض مقاتليهم يعتبرونه أيضًا فرصة لكسب المزيد من المؤيدين والقيام بهجمات أقوى من ذي قبل.

في حين أن معظم دول العالم مقيدة، فإن الهجمات الإرهابية في الغرب هي في حالة خلاف. حيث كانت الأهداف عادة أماكن مزدحمة مثل المطارات والمقاهي وقاعات الحفلات الموسيقية، و هذه المواقع أصبحت فارغة الآن.

وعلى الرغم من ذلك، وقع هجوم جهادي في فرنسا في بلدة “رومان سور ديزير” الجنوبية الصغيرة في الرابع من أبريل. حيث قام لاجئ سوداني بطعن الناس في وسط المدينة وهو يصرخ “الله أكبر”، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة سبعة. وقد اشتكى من الحياة في أرض الكفار بينما هو نفسه قد طلب اللجوء في فرنسا.

على عكس الغالبية العظمى من حالات الإرهاب في أوروبا، هو لم يكن معروفًا لدى الأجهزة الأمنية. وسيكون من المثير للإهتمام معرفة ما إذا كان قد تعهد بالولاء لتنظيم داعش قبل القيام بالهجوم، وهو شيء قد يستغرق بعض الوقت لمعرفته، بما أنه سيتعين على أجهزة الأمن البحث بدقة في هواتفه الستة وجهاز الكمبيوتر الخاص به.

على الرغم من الأماكن الخالية بسبب فيروس كوفيد-19، لا تزال هناك أماكن مزدحمة للغاية، ألا وهي المستشفيات. ومن الصدفة، دعى التنظيم في أواخر عام 2016 أتباعه في أوروبا بإستهداف المستشفيات، رداً على ما قام به الأسد وروسيا في سوريا. لم يتم تعزيز الأمن في المستشفيات الغربية، و لا يزال ممكناً للجهاديين إستغلال هذه الفرصة للقيام بهجمات هناك.

ونتيجة غير مقصودة لكوفيد-19 هي تأثيره على العمليات العسكرية للدول الرائدة. فعلى سبيل المثال، تتجه حاملة الطائرات الفرنسية و السفينة الأمرالية شارل ديغول إلى موطنها في وقت مبكر بعد الاشتباه في إصابة ما يصل إلى 40 بحارًا بكوفيد-19. ويُفترض بالفعل أن 600 جندي فرنسي مصابون بكوفيد-19، بما في ذلك بعض الجنود المنتشرين في منطقة الساحل. وفي العراق، بعد أن سحبت فرنسا قواتها غالباً بسبب كوفيد-19، أعلنت كندا أنها سحبت عددًا كبيرًا من المدربين العسكريين الكنديين من العراق إلى الكويت، حيث أن الحكومة الفيدرالية تقوم بـ”تقليص” حجم مهامها الخارجية مؤقتًا في رد منها على كوفيد-19.

ويزداد إحتمال إنسحاب القوات الغربية من مختلف المناطق بسرعة، وسيكون لذلك عواقب وخيمة.

سوف يتأثر أمن أفريقيا بشدة إذا غادرت أي من القوات الأجنبية هناك، وهو أمر طلبه الجهاديون مراراً وتكراراً من أجل التفاوض مع السلطات، كما هو الحال في مالي. في الأسابيع الثلاثة الماضية فقط وخلال هجومين كبيرين، قام الجهاديون بإستهداف جنود: في 19 مارس، قُتل حوالي 30 جنديًا ماليًا في هجوم جهادي على قاعدة عسكرية في شمال شرق مالي؛ ثم في 6 أبريل، هاجم الجهاديون قاعدة عسكرية في بلدة بامبا الشمالية وقتلوا حوالي 20 جنديًا.

ومن المثير للاهتمام أن الجماعتين الجهاديتين الرئيسيتين في المنطقة والمرتبطتان بالقاعدة وداعش، لا تقومان بالإعلان عن “الخلافة”، من أجل تجنب التدقيق في أمرها من قبل الغرب. وبدلاً من ذلك، فهم يحاولون كسب الوقت للتدريب وجمع قواهم والتآمر للهجمات التي يمكن أن تصل في النهاية إلى أهداف دولية رئيسية.

الدولة الافريقية التي شهدت إنتصار الجهاديين خلال أزمة كوفيد-19 هي موزمبيق. في مقاطعة كابو دلغادو الغنية بالغاز الطبيعي، سيطر داعش للمرة الأولى على بلدتين. يبدو أن الجماعة بدأت في كسب السكان المحليين، بينما يفقد هؤلاء الثقة في الحكومة وقوات الأمن التابعة لها. وبعد الاستيلاء على موسيمبوا دا برايا، قام الجهاديون بسرقة البنوك والمحلات التجارية وتوزيع الأموال والطعام على السكان.

لقد ركزت السلطات كثيراً على وباء كوفيد-19 لدرجة أنها خفضت حراستها بشكل طبيعي عندما يتعلق الأمر بالإرهاب. لقد لاحظ الجهاديون ذلك وحاولوا إغتنام أي فرصة لتحقيق أهدافهم، سواء من خلال الهجمات البسيطة في الغرب أو الاستيلاء على الأراضي في أفريقيا وطرد القوات الأجنبية. تبعات أزمة كوفيد 19 على العالمين الجيوسياسي والأمني سوف يشعر العالم بها لفترة طويلة…

كاتب المقال، أوليفير غيتا، هو المدير الإداري لشركة جلوبال سترات، وهي شركة استشارات المخاطر الأمنية والجيوسياسية للشركات والحكومات

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

مقالات أخرى للكاتب:

القضية الشائكة المتمثلة في عودة المقاتلين الأجانب

هل التفاوض مع الإرهابيين هو الحل؟