قبل 6 سنوات، انتشر خبر الاختطاف المؤلم لـ 276 طالبة في شيبوك (نيجيريا) من قبل جماعة جهادية على نطاق واسع بين المشاهير، بما في ذلك ميشيل أوباما والتي غردت مستخدمةً وسم “أعيدوا إالينا بناتنا”. أصبحت تلك الجماعة الإرهابية، والتي تدعى بوكوحرام، مشهورة منذ ذلك الوقت بشكل مفاجئ بين الجهاديين. حتى الآن، تم الإفراج عن 103 فقط من هؤلاء الفتيات من خلال المفاوضات التي تضمنت فدية وإطلاق سراح السجناء المحتجزين في السجون النيجيرية.
منذ بدء أزمة وباء كوفيد-19 العالمية، قامت جماعة بوكوحرام ومجموعتها المنشقة، والتي تدعى الدولة الإسلامية في مقاطعة غرب إفريقيا، بمضاعفة هجماتها في المنطقة. أحد الأدلة على ذلك هو أنه منذ يناير الماضي، تعرضت منطقة الحكومة المحلية في شيبوك للهجوم أكثر من 20 مرة، الأمر الذي تسبب بمقُتل 10 أشخاص واختطاف 17 آخرين، ومن المحزن أن نحو 20 من رهائن شيبوك رفضوا العودة إلى ديارهم بسبب المخاطر الأمنية.
الأهم من ذلك هو أن بوكوحرام نفذت في الشهرين الماضيين بعضًا من أكثر الهجمات دموية في تاريخها في أربعة بلدان: نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.
في شهر مارس الماضي وعلى مدار 24 ساعة، شنت بوكو حرام هجومين عنيفين في كل من نيجيريا وتشاد، حيث قُتل ما لا يقل عن 70 جنديًا نيجيريًا في كمين بوكوحرام على قافلتهم في الجزء الشمالي الشرقي المضطرب من نيجيريا، وقد حدث ذلك بعد أن أطلق الجهاديون قنابل آر بي جي على شاحنة كانت تقل جنودًا أثناء مرورها بالقرب من قرية جورجي في ولاية بورنو.
أما بالنسبة لتشاد، فقد هاجمت بوكوحرام في اليوم التالي مواقع الجيش التشادي حول بحيرة تشاد، واستمر القتال العنيف ثماني ساعات حتى ساعدت القوات الجوية التشادية في صد هجوم إرهابيي بوكوحرام. وأعلن الرئيس التشادي ديبي الخسائر الفادحة في ذلك الهجوم، وهي من أكثر الهجمات التي تكبدتها بلاده دمويةً، فقد قتل نحو 92 جنديا وجرح ما يقارب 47 آخرون.
وقد تعهد إدريس ديبي، والذي يحمل رتبة جنرال سابقاً، بالانتقام من جماعة بوكوحرام، حيث شن الجيش عملية انتقامية حول بحيرة تشاد في 31 مارس. وكدليل واضح على عنف القتال، فقد قام زعيم بوكوحرام أبو بكر شيكاو للمرة الأولى على الإطلاق بمناشدة مقاتليه لمواجهة القوات التشادية، ومواصلة القتال وعدم الفرار أبدًا. وقد أسفرت العملية التي استمرت أيامًا عن سقوط عدد كبير من القتلى، حيث قال الجيش التشادي إنه قتل ما يقارب 1000 مقاتل من جماعة بوكو حرام، وأنه خسر 52 من جنوده خلال العملية.
ومن الجدير بالذكر أن ديبي اشتكى بمرارة من أن تشاد كانت وحدها التي تقاتل ضد بوكو حرام، مشيرة إلى أنه لم تشارك نيجيريا ولا النيجر في هذه العملية الأخيرة.
على الرغم مما قاله رئيس تشاد، فإن النيجر صرح بأن قواته المسلحة تسببت في “خسائر فادحة” لبوكوحرام في عملية مشتركة مع تشاد وقعت في منطقة البحيرة، حيث قالت بأنه “تم تدمير مخابئ الأسلحة ونقاط لوجستية وعدة قوارب”، وأضافت بأنه تم قصف الجزر التي كانت تستخدم كقواعد خلفية للجماعة من قبل الطائرات جواً.
من الصعب تحديد من الذي يجب تصديقه بشأن هذا الأمر، ولكن على أي حال، فقد أعلن ديبي بشكل غير مفاجئ أن جيشه، والذي يعد الأقوى والأفضل في المنطقة، لن يشارك بعد الآن في العمليات العسكرية خارج الحدود الوطنية لبلاده، الأمر الذي يعد انتكاسة كبيرة للحرب ضد الجماعات الجهادية في غرب أفريقيا. إلا أن تشاد تراجعت بعد بضعة أيام وأوضحت موقفها، حيث قالت بأنها لن تنسحب من التحالفات العسكرية الدولية مثل G5-Sahel و MINUSMA.
وقد أكد الرئيس التشادي ديبي أن جيشه طهر منطقة بحيرة تشاد من بوكوحرام بشكل كامل، إلا أن هذا الأمر مستبعد بعض الشيء، بالرغم من وجود تقارير عن تراجع جهاديي بوكوحرام إلى البلدان المجاورة كما هو معتاد. في الواقع، لقد استفادت بوكوحرام ومنذ تأسيسها من الاختلافات والمشاحنات طويلة الأمد بين دول المنطقة، وعلى سبيل المثال فإنها تستخدم الكاميرون الآن كمكان احتياطي لفترة من الوقت خلال فترة تقهقرها.
بالتصادف مع ذلك، فقد نفذت بوكوحرام هجومين إرهابيين في الكاميرون في 6 أبريل، ما أسفر عن مقتل جنديين وسبعة مدنيين. ثم بعد ذلك بيومين، جاء أكثر من 100 جهادي إلى قرية كاميرونية على الحدود مع نيجيريا، حيث تسببوا بمقتل شخص واحد على الأقل وقاموا بعد ذلك بنهب المستشفى الموجود في القرية وأخذوا معهم جميع الإمدادات الطبية، وعلى الأغلب أن السبب وراء ذلك هو لمعالجة المقاتلين المصابين في معركة بحيرة تشاد.
بوكوحرام لا تتباطأ بشن الهجمات على نيجيريا، والتي تعد مسقط رأسها، بل على العكس تماماً، فمنذ بداية العام قتلت جماعة بوكوحرام الإرهابية أكثر من 1000 نيجيري. على سبيل المثال، في فبراير الماضي قتل 30 شخصًا على الأقل في هجوم على منطقة مايدوجوري، حيث اقتحم الجهاديون شاحنات محملة بأسلحة ثقيلة، ثم قتلوا وحرقوا ونهبوا المنطقة قبل أن يقوموا باختطاف النساء والأطفال. يعود نجاح بوكوحرام في نيجيريا جزئياً إلى الأنظمة المتعاقبة الفاسدة إلى حد كبير، والتي استهلكت الأموال المخصصة لعمليات مكافحة الإرهاب ومعدات الجيش. السبب آخر هو الترتيب الفعلي بين الجهاديين والحكومة لإدارة التمرد بصرامة في شمال شرق البلاد، مع شرط عدم تنفيذ هجمات في أبوجا ولاغوس والدلتا. لطالما حاول الرئيس بوهاري إخفاء عدم كفاءته، فقد صرح لسنوات مرارًا وتكرارًا أن بوكوحرام قد هُزِم، إلا أن الحقائق على أرض الواقع تثبت بأنه مخطئ تماماً.
وفي محاولة لتجاهل الانتقادات، فقد استخدمت الحكومة النيجيرية مؤخرًا تكتيكًا آخر، فقد صرح وزير الإعلام لاي محمد في فبراير الماضي بأن بوكوحرام بدأت في استهداف المسيحيين، في محاولة لإثارة حرب دينية.
هذا الأمر غير صحيح تمامًا، وكما أشار كوانكور صمويل، المتحدث باسم الرابطة المسيحية في نيجيريا، فإن “بوكو حرام والدولة الإسلامية في مقاطعة غرب إفريقيا تقوم بقتل المسيحيين وحتى المسلمين الليبراليين، إلا أن المشكلة تكمن في إدارة الحكومة للوضع، ولم تُتخذ إجراءات حاسمة لوقف القتل “.
كما تحاول السلطات النيجيرية العثور على أعذار من خلال إلقاء اللوم على الدول الأجنبية، دون ذكر أي منها، متهمة إياها بدعم بوكوحرام.
إذا كنا نأمل في أن يقلل وباء كوفيد-19 من معدل هجمات بوكوحرام، فقد أثبتت الجماعة عكس ذلك. مع اقتراب شهر رمضان، والتي تعد فترة زمنية يفضلها الجهاديون لتنفيذ المزيد من الهجمات، تظل التوقعات الأمنية في المنطقة متشائمة للغاية.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن
(Photo by Mohammed Elshamy/Anadolu Agency/Getty Images)