أخبار الآن | عمان – الأردن ( مقال رأي)
كشفت حادثة إصابة الزورق الإيراني كونارك بصاروخ في مياه بحر عمان أثناء مناورة للبحرية الإيرانية مدى الفوضى وعدم التنسيق بين قوتين بحريتين تتبعان أو يفترض انهما تتبعان دولة واحدة.
الحادث بيّن حجم الخلاف بين أجهزة الدولة الإيرانية ومدى الازدواجية التي تعاني منها إيران. هناك ازدواجية في كل الأجهزة الرسمية. الجيش يقابله الحرس الثوري، البحرية يقابلها بحرية الحرس، الأمن العام يقابله الباسيج، المخابرات يقابلها مخابرات الحرس حتى المؤسسات المدنية لها ما يقابلها في الدولة الإيرانية.
في إيران قوتان بحريتان ولكل منهما شخصيتها. هناك القوة البحرية النظامية التي تتبع الرئيس عبر وزير الدفاع والهيكلية التراتبية النظامية ثم هناك القوة البحرية التي تتبع الحرس الثوري التي تأتمر بأوامر المرشد خامنئي.
الحرس الثوري ينافس الحكومة في تحقيق أهداف الثورة الإسلامية في الخارج. ووزارة الخارجية تخضع لإملاءات الحرس الثوري.
في أوائل شهر يونيو انكشف جزء من الخلاف المستتر بين الجيش والحرس الثوري وهو خلاف يبدو متأججا لكنه لا يطفو على السطح إلا نادرا. هذا الخلاف منشأه التمييز في معاملة الدولة وأجهزة الإعلام لكل منهما.
وقد شكا الجنرال حبيب الله سياري مساعد المنسق العام للجيش الإيراني في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية من تمييز ضد الجيش الإيراني ومنعه من إظهار قوته أمام الحرس الثوري منتقدا تجاهل الإعلام الرسمي للجيش وهي مسألة تمت إثارتها كثيرا في الآونة الأخيرة. لكن هذه المرة عندما أتت على شكل مقابلة مصورة مع وكالة الأنباء انكشفت على مدى واسع لأن الوكالة قامت بحذف المقابلة عن موقعها وتبع ذلك إقالة مديرها العام.
في المقابلة المذكورة انتقد الجنرال سياري الأنشطة السياسية والاقتصادية للحرس الثوري وقال انه وفقا للمبادىء العسكرية ليس من مصلحة القوات المسلحة التدخل في الأمور الاقتصادية. وانتقد سياري الأعمال الدعائية للحرس الثوري والباسيج واعتبرها ضد المبادئ العسكرية. لكن إدارة العلاقات العامة في الجيش الإيراني اضطرت للاعتذار عن هذه التصريحات عبر بيان قالت فيه أن قادة الجيش مخلصون لولاية الفقيه وينفذون أوامر المرشد.
لا يمكن لاحد أن يشكك بولاء الجنرال سياري للدولة أو الثورة فهو كان قائد البحرية الإيرانية وجاء تعيينه مساعدا للمنسق العام للجيش بأمر من المرشد خامنئي. لكنه في الحقيقة يكشف وقائع وحقائق قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة في إيران.
الصراع بين الجيش والحرس الثوري صراع قديم جديد ومتجدد. ومع أن الحرس الثوري يعتبر جزء من القوة العسكرية الإيرانية التي يعتمد عليها النظام إلا أن التنسيق بينه وبين الجيش الإيراني يكاد يكون معدوما. ومنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية تنامى الحرس الثوري وتضاعفت قوته. ويسيطر على أهم القواعد العسكرية في إيران ويتحكم بتطوير القدرات النووية ويملك صواريخ متطورة وقد استخدم بعضها في قصف القواعد الأميركية في العراق في يناير الماضي.
طوال عقود أصبح الحرس الثوري العمود الفقري لنظام الملالي فهو يقود ويسيطر على الكثير من القطاعات المهمة في الاقتصاد الإيراني ويسيطر على الكوادر والمراكز الأيديولوجية، وهو يملي السياسة الخارجية للحكومة. وهذا قد يحول إيران إلى دكتاتورية عسكرية يحكمها الحرس الثوري.
بقاء النظام الإيراني إلى اليوم كان منوطا بقدرة الحرس الثوري على دعمه وإدامته. فالحرس يسيطر على كثير من مفاصل الدولة الإيرانية من خلال مؤسسات الاستثمار التي يديرها، كما يستخدمه المرشد لبسط سلطانه على الشعب الإيراني وفرض ما يريد. وقائد الحرس مسؤول مباشرة أمام المرشد ولا علاقة للرئاسة الإيرانية بالحرس وتصرفاته كما أن الجيش الإيراني بعيد عنه ولا يتدخل في نشاطاته.
تهدف نشاطات الحرس الخارجية إلى توسيع نفوذ إيران وفي الداخل يستخدم قوات الباسيج لقمع أي معارضة وبقسوة كما حدث في العام 2009.
يدير الحرس الثوري في الداخل مؤسسات استثمارية واقتصادية كبرى تكاد تشكل اقتصادا بديلا للاقتصاد الرسمي وله سيطرة مباشرة على كثير من شركات النفط والإنشاءات وسيطرة غير مباشرة على شركة طيران واحدة على الأقل هي شركة ماهان.
أما في الخارج فهو بحسب اتهامات الولايات المتحدة يقف وراء التوترات المستمرة في الشرق الأوسط. وهو بالفعل يدعم بشكل مباشر ويدير عبر فيلق القدس جيوشا وألوية في باكستان وأفغانستان واليمن ولبنان والعراق وسوريا وغزة.
في شهر يناير الماضي قام الحرس بقصف صاروخي استهدف قواعد أميركية في العراق. ومن غير المعروف إن كان الحرس قد اخذ موافقة الرئاسة الإيرانية على ذلك القصف أم اكتفى بمباركة المرشد. باستقراء الحادث مجددا يمكن الظن أن الرئاسة الإيرانية ربما علمت بعملية القصف دون أن يطلب رأيها أو موافقتها فقامت بإبلاغ الجانب العراقي الذي بدوره أبلغ الأميركيين فاحتاطوا بأن اختبأوا في الملاجىء ولم تقع بينهم أي خسائر في الأرواح. وإذا أردنا مواصلة هذا النوع من التفكير فقد يكون قصف البارجة كونارك أيضا ردا على هذا الموقف ليجيء بعده انتقاد مساعد المنسق العام للجيش لما سماه التمييز بين الحرس والجيش ومحاباة الحرس على حساب الجيش وانتقاد النشاط الاقتصادي للحرس ليكمل حلقة الخلاف والعداء بين الجانبين.
خلال جائحة كورونا التي ضربت إيران في العمق استغل الحرس الثوري الأمر ليعزز من نفوذه وهيمنته على البلاد. فقادة الحرس أدركوا مدى انخفاض شعبية الملالي بسبب تعاملهم الجاهل مع تداعيات الوباء. فاظهر الحرس نفسه بطلا في الدفاع عن الناس متخذا دور الحكومة والدولة وتولى إدارة الأزمة في تحدي مباشر وواضح لسلطات الرئاسة وتهميش مقصود لحكومة الرئيس حسن روحاني.
ولأجل كسب عطف الناس أعلن الحرس أن مختبراته صنعت أجهزة يمكنها اكتشاف حالات الكورونا بصورة فورية ومن مسافة بعيدة، وأعلن اقتطاع عشرين في المئة من رواتب عناصره لدعم المجهود الطبي. كذلك نشر آلاف المتطوعين من مختلف العناصر للمساعدة على مواجهة الفايروس.
لكن كل هذه التصرفات والإجراءات من الحرس الثوري لا تعني شيئا للجماهير التي تتخلى عن شكوكها في الحرس. فالناس لا تزال تراه جزءً من النظام ومساهم رئيسي في قمع الحريات.
إلى ماذا ستؤدي هذه الازدواجية في إيران؟ هل يمكن للجيش الإيراني أن يجد نفسه يوما وقد ضاق ذرعا بما يقوم به الحرس الثوري فينقض على السلطة بانقلاب يسقط فيه الثورة الإسلامية ويسقط معها ولاية الفقيه والمرشد وكل نظام الملالي؟
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن
اقرأ المزيد: