أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (منقذ داغر)
نشرت المجموعة المستقلة للأبحاث في العراق قبل أيام إحصائية خطيرة عن تدني مستوى الثقة لدى العراقيين بالآخر. فقد انخفضت ثقة العراقيين ببعضهم البعض من 40% عام 2004 إلى 7.5% عام 2020. هذا يعني أنه من كل 100 عراقي هناك 7 أشخاص فقط يثقون بالآخر. لكن لماذا تبدو هذه النسبة خطيرة؟
ان الثقة بالآخر هي الركن الأساس في ما يسمى برأس المال الاجتماعي لأي شعب. ويعرف رأس المال الإجتماعي بإنه مجموعة القيم والمعايير المشتركة التي تسهل التعاون بين الأفراد والجماعات. فالقيمة الأساسية للثقة هي في كونها السمنت الرابط بين أبناء المجتمع لأداء المهام الإقتصادية والاجتماعية والسياسية. فبدون الثقة يصبح التعاون بين الأفراد والجماعات ضعيف أو معدوم. وبالتالي لا يمكن إنجاز المهام المجتمعية بطريقة صحيحة.
عندما يتعارف عراقيان لأول مرة ، فإن أول ما يدور في خاطر كل منهما هو : هل أن الآخر يمكن الثقة به؟ هل هو من نفس مذهبي أو يؤمن بنفس أفكاري؟ هل لديه أجندة خفية عني ويمكن أن تضر بي أو بالجماعة التي أنتمي لها؟ وغير ذلك من الأسئلة المقلقة والتي في ضوء الإجابات المتصورة لها يتم اتخاذ القرار بالتعاون ، أو الانفتاح أو ربما الشك والتجاهل للآخر. وهذه العملية لا تستهلك فقط الوقت المتاح للتعاون بل تستهلك أيضاً الطاقة الإيجابية للشخص وتجعله محاط بمجال سلبي يحد كثيراً من قدراته ، وبالتالي من قدرات المجتمع. كم هي الان نسبة العراقيين الذين يقفون لغريب محتاج للمساعدة في الشارع،وكم كانت سابقا؟
وبدلاً من أن يكون اليقين هو الطريق للشك تصبح القاعدة هي أن الشك هو الطريق لليقين. ويسود الإفتراض أننا نعيش في غابة مليئة بالفرائس والمفترسين. ويصبح الهم الأساسي للشخص هو ليس ما ينجزه أو يتفوق به بل ما يجعله وأسرته وجماعته آمنين من الآخر وافتراسه.
إن نقص الثقة بالآخر لا يعكس فقط عدم الثقة بالمجتمع بل أيضاً عدم الثقة بالنفس. ولذلك فهو لا يبطل القدرات الجماعية للمجتمع بل حتى القدرات الفردية للمواطنين. وفي حالة مثل العراق تعرض فيها المجتمع ومنذ 1980 إلى كثير من عوامل التعرية والتآكل في نسيجه الإجتماعي نتيجة العنف والاستقطاب الطائفي والسياسي ، فإن من المفهوم انخفاض مستوى الثقة بالآخر.
لكن المصيبة الكبرى تتمثل في أن المجتمعات التي تعاني من انخفاض مستوى الثقة بالآخر تساعد على بروز القادة الشعبويين والذين يستفيدون من حالة الانقسام المجتمعي لتعزيز مكاسبهم السياسية والإقتصادية. فالمقاربة السياسية الرئيسة للقادة الشعبويين لكسب الأصوات وجعل الناس تتبعهم هو الخوف من الآخر،الذي يريد افتراسنا. أنه أسلوب الإنسان القديم(أنسان الصيد) الذي كان يعيش هو وأسرته في كهف ويعتاش على أصطياد الفرائس،والحرب من أجل الغنائم وأفتراض أن الاخرين أما أعداء أو منافسين. أنها حياة ماقبل التعاون والحضارة!
إن أهم أساليب استعادة ثقة الناس ببعضهم البعض ومن ثم تعاونهم لبناء الحضارة هو خلق هوية مشتركة عابرة للمجموعات والطوائف. وهذا لا يمكن تحقيقه دون إيجاد أهداف مشتركة من جهة وخلق ثقافة مجتمعية تقوم على المواطنة والانتماء للعراق وليس لهذه المجموعة أو تلك.أن قوة مؤسسات حفظ النظام وسيادة القانون هي من بين الاسباب المشجعة على زيادة الثقة بالاخر.كما أن الانفتاح على الآخر وتعزيز الاتصالات المستمرة معه ، ومهما كانت أسباب القطيعة والاختلاف ، هو عامل حاسم آخر في تعزيز الثقة به. أخيرا فأن لمؤسسات التنشئة الأجتماعية(الأسرة والمدرسة والدين)فضلا عن الأعلام دورا مهما في تعزيز ثقافة الثقة والتعاون ونبذ التشرذم والخوف من الاخر.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن