أخبار الآن | مقال رأي
كيف ترى الوضع السياسي وأنت تنظر اليه من التل، سألني محدثي وهو مسؤول كبير في الدولة؟ أنظر له بنظارة ثلاثية الأبعاد، أجبته! وكيف ذاك؟ قلت،هناك ثلاثة أبعاد تتحكم بالمشهد السياسي كما أراه، وهاك تفصيلها المختصر:
1. البعد الشعبي: تشرين ستعود، حتى وإن كانت بزخم أقل هذه المرة لأسباب موضوعية كثيرة. مع ذلك يجب الانتباه لنقطتين مهمتين. الأولى، أنه ورغم أن أرقام استطلاعات الرأي عن شعبية رئيس الوزراء غير مسبوقة، ورغم التحسن النسبي في المزاج الشعبي(وليس النخبوي) تجاه الحكومة فإن شهر العسل هذا قد لا يدوم أكثر من أسابيع أو بضعة أشهر مالم يحصل اختراق واضح على جبهتي الأقتصاد وأستعادة ولاية الحكومة على الدولة العراقية. وإذا أنتظر الشعب طويلاً دون أي إنجاز حكومي، ستحصل فجوة التوقعات والتي يعقبها الأحباط ثم العنف.
أما الثانية، فيجب عدم الإنجرار الى فخ الأحزاب المتحاصصة التي تحاول شيطنة تشرين عبر اختراقها. بالتالي فإن أي خطاب حكومي يوحي بالابتعاد عن الانتفاضة أو يلمح إلى ضرورة إخمادها ستكون عواقبه وخيمة لا على صعيد خيبة أمل المنتفضين الحقيقيين حسب بل على صعيد الدولة والحكومة قبل ذلك. ولو كنتُ محل الحكومة لبذلت كل جهد لفصل الخنادق داخل الانتفاضة والإنصات لصوت (كل) المتظاهرين السلميين ودون أي عملية تشذيب للمطالب أو تمريرها عبر مصافي متعددة! الإنتفاضة هي الرافعة الشعبية التي تحتاجها الحكومة لمجابهة حيتان وديناصورات السياسة في العراق.
2. البعد السياسي. لقد خلقت الانتفاضة وما أعقبها من أحداث سياسية وأمنية وأقتصادية منذ افتتاح عام 2020, تغيرات سياسية حقيقية وفرضت على كل اللاعبين المحليين واقعاً غير مستقر وتوازنات حرجة جديدة.
كما ان الانتخابات المقبلة التي ستجري وفق قواعد(ربما) تكون مختلفة ستزيد من تعقيد المشهد. ومما يزيد في هذا الحراك والتعقيد الناجم عنه، الزيادة (النسبية) في تأثير المتغيرات الداخلية،والنقصان (النسبي) لتأثيرات العامل الخارجي على الخارطة السياسية العراقية.
إن هذه الخارطة ستكون محكومة بمعادلات مختلفة عما سبق وهي معادلات مازالت في طور النشوء. لذا فأن القدرة السياسية للحكومة على قراءة المشهد بشكل صحيح وإدامة شبكة توازنات وتحالفات حرجة سيكون لها الدور الحاسم في نجاح الحكومة وعبورها الاختبارات الصعبة التي تنتظرها وفي مقدمتها حسم المعركة مع (شقاوات) اللادولة.
إن الإعتقاد أن العامل الخارجي هو الأهم في حسم هذه المعركة هو أعتقاد خاطىء بل وخطير على أمن العراق.
3. البعد الخارجي. هناك تغييرات جدية حصلت في تأثير هذا البعد الذي طالما حسم الخارطة السياسية في العراق طيلة الأعوام السبعة عشر الماضية. إيران لا زال تأثيرها قوي لكنه غير حاسم. فانتفاضة تشرين، ومشاكل إيران السياسية والاقتصادية الهائلة قد أثقلت كاهلها وحدّت(لكن لم تنهي) قدرتها على الحركة في العراق والمنطقة. وقد كان لاغتيال سليماني وتنامي تأثير تيار (الدولة) والذي هو غير راض عن أداء تيار (الثورة) في المنطقة تأثير كبير في تقليل التأثير الايراني في العراق خلال الأشهر الماضية.
وحتى على صعيد وكلاء ايران وانصارها في العراق فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيد من الانشقاقات الداخلية بين الأنصار والتابعين. كما إن كثير من تلك القوى المناصرة أو التابعة فقدت قوتها(الناعمة) رغم زيادة قوتها الخشنة وستصبح عبئاً سياسياً على من يؤيدها أو يغض الطرف عنها.
أما على صعيد تأثير الجانب الأمريكي، الذي وكما هو الحال مع إيران، فرغم أنه مازال مؤثراً لكنه تقلص بحدة نتيجة عوامل داخلية أمريكية (أهمها الأنتخابات) من جهة فضلاً عن تداعيات آثار الهجمات المستمرة على السفارة والقواعد الأمريكية. وقد أسهمت السياسات الأمريكية في العراق على مدار السنين السابقة في تقليل النفوذ والتأثير الأمريكي على العراق. من جديد فإن ذلك لايجعل ايران أو أمريكا خارج اللعبة ،بل يقلل من تأثيرهما النسبي.
في المقابل فأن الدور الاوربي يبدو مرشحاً للصعود في العراق فضلاً عن الدور العربي.
خلاصة القول فإن الفرصة تبدو ملائمة أمام ساسة العراق ومتخذي القرار فيه (ولأول مرة على مايبدو) لكي يخففوا -إن أرادوا ذلك- من تأثير العامل الخارجي الخانق والمحدد لحركتهم طيلة السنوات السابقة .
لذا أتوقع هذه المرة أن تكون عربة المتغيرات الداخلية (الحراك الشعبي زائد خارطة التحالفات السياسية المتحركة) هي من سيجر قطار السياسة في العراق مع عدم إغفال العامل الخارجي،الذي سيبارك في الغالب أي اتفاق داخلي لا يتناقض أو يهدد مصالحه القومية.
ومن سيحسم المعركة بين الحكومة و(شقاوات)اللادولة، سألني محدثي؟ قلت له،سيكون هذا محور حديثنا القادم، وهو ما سأسطره في مقال آخر.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن