بدأت أصوات إيرانية تعلو ملمحة أحيانا ومصرحة أحيانا أخرى، متحدثة عن الاستعداد للعودة إلى الاتفاق النووي مع القوى الكبرى في العام 2015، بعد أن تأكد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الذي كانت إيران تعول عليه.

الصوت الأبرز في هذا السياق كان تصريح الرئيس حسن روحاني خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي الذي أكد خلاله، أن فرص الدبلوماسية باتت متاحة الآن أكثر من أي وقت آخر وأن العودة إلى الاتفاق النووي لا تحتاج إلى مفاوضات جديدة.

ويشير هذا التصريح المباشر إلى رغبة الرئيس القوية في العودة إلى الاتفاق ولا يخفى أن أهدافه واضحة أيضا، فهو يريد أن يحقق إنجازا للشعب الإيراني يقنعه بانتخاب مرشح إصلاحي للرئاسة في الانتخابات التي ستعقد في حزيران المقبل.

لكن الرئيس روحاني لا يزال يواجه معارضة من المتشددين المدعومين من المرشد ومن الحرس الثوري فأتبع تصريحه بالقول دعونا نسمح لمن لديه تجارب في هذه الملفات لأكثر من عشرين سنة أن ينجز عمله، وهذا معناه أن روحاني الذي يبدو الرجل العاقل بين أركان النظام في طهران يرغب في استعادة الاتفاق وإحيائه قبل استفحال الصراع السياسي الداخلي لان هذا التنبيه يعني إحساسه بانفجار مقبل.

أمنيات روحاني التي ضمنها في تصريحه أمام مجلس الوزراء اتبعها بتصريحات من وزير خارجيته الذي وضع شروطا لعودة إيران للاتفاق بصورة سريعة وبدون مفاوضات ولكن بشرط أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها.

هذا التصريح التوضيحي من الوزير محمد جواد ظريف رسالة تأكيد إلى المرشد الذي اشترط أن تكون العودة إلى الاتفاق بدون تفاوض جديد؛ والهدف من ذلك أن لا تدخل مسألة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى في الاتفاق.

كذلك اشترط ظريف أن تحترم الولايات المتحدة التزاماتها الأصلية لكي تعود طهران للامتثال الكامل للاتفاق.

كما كرر المتحدث باسم حكومة الرئيس روحاني هذه الشروط في تصريحات منفصلة.

من الواضح أن حكومة الرئيس روحاني تريد طمأنة الولايات المتحدة والدول الغربية وضمان العودة إلى الاتفاق بشروطه الأصلية مؤكدة أكثر من مرة أن إيران ستلتزم بكل ما أعلنت الالتزام به لكي يحقق الرئيس إنجازا يخدم التيار الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية.

لا تريد إيران أي تفاوض جديد، مع أن الولايات المتحدة تسعى إلى ذلك، لإدخال الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى في الاتفاق.

وإذا كان التهديد النووي الإيراني للجيران لا يزال بعيدا فإن التهديد بالصواريخ لا يزال قائما ومن هنا ستصر واشنطن على التفاوض بشأن الصواريخ وفي حال تعنتت إيران سيدخل الجانبان في أزمة جديدة ستأخذ الكثير من الوقت، الأمر الذي يعني انشغال تيار الرئيس روحاني بينما يعمل التيار المحافظ والمعارض للرئيس على حملة انتخابية قوية ومنظمة تضمن لهم الفوز.

معروف عن الرئيس روحاني أنه لا يثق بالتيار المحافظ ولا يرغب في الوقت نفسه أن يدخل في صراع مكشوف معه في آخر ستة شهور له في منصبه الذي سيتركه بعد الانتخابات فلا يريد أن يخرج من الحكم بصخب وضجيج يضر بسمعته السياسية بعد فترتي رئاسة حاول أن يكون الاتفاق النووي اهم إنجازاته فيهما.

ويحاول الرئيس أن يمنع المتشددين من السيطرة على الملف النووي لأن هذه السيطرة قد تضر بالمصالح الإيرانية وتدمر الخطط الدبلوماسية التي يقودها لإنقاذ البلاد.

وفي الوقت الذي يبدي فيه الرئيس حسن روحاني وبعض وزرائه مرونة تجاه مستقبل الاتفاق صادق البرلمان الإيراني، على قانون يقضي بتقييد حركة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذه الخطوة من جانب البرلمان الإيراني وإن كانت في ظاهرها ردا على مقتل العالم الإيراني محسن فخري زادة إلا أنها تدل على وجود انشقاقات بين أركان النظام في إيران تتعلق بالاتفاق.

لهذا كان تصريح الرئيس روحاني بأن القرارات الإيرانية يجب أن تكون مبنية على حكمة ورؤية مستقبلية تضمن مصالح الشعب الإيراني.

يتلخص الموقف الإيراني بالرغبة في العودة إلى الاتفاق والالتزام به بشرط أن لا يجري عليه أي تعديل وبدون أي مفاوضات ولكن هل تستطيع إيران الإصرار على هذا الموقف وهل ستقبل به الدول الأوروبية والولايات المتحدة على وجه الخصوص؟

المرشد من جانبه مصّر على عدم تجديد التفاوض وعدم تعديل الاتفاق ويسانده في ذلك المتشددون والحرس الثوري.

ولكن قد يكون هذا الإصرار والعناد مجرد موقف مؤقت ريثما يخرج روحاني من الرئاسة فإذا ما خرج الرئيس حسن روحاني وجاء مكانه رئيس من معسكر المتشددين فقد يكون للخامنئي موقف آخر؛ فالتيار المحافظ قد لا يكون صادقا في دعواه المتشددة فهو يلعب سياسة لأجل مصلحته وكل ما يريده هو الإضرار بأي مرشح إصلاحي وقد نجد هذا التيار المتشدد يقدم من التنازلات ما هو أكثر كثيرا مما قد يقدمه التيار الإصلاحي.

بعض أنصار الرئيس حسن روحاني ومنهم محمود واعظي وهو مسؤول كبير في الحكومة يرى أن البرلمان الإيراني يهدف بهذه المواقف إلى منع الحكومة من الوصول إلى إنجاز في حل المشكلات التي تعيق الاتفاق النووي.

ومن الواضح أنه في الشهور الستة الأخيرة من ولاية الرئيس روحاني يعمل المتشددون والتيار المحافظ على تقويض سلطته وإعاقة محاولاته لإحراز إنجازات تنفع وتفيد وتقوي مرشحي تيار الإصلاح في الانتخابات القادمة.

ومنذ مقتل فخري زادة بات واضحا أن الصراع بين المحافظين المتشددين وتيار الإصلاحيين بدأ يظهر على السطح.

يستمد الرئيس حسن روحاني وتيار الإصلاحيين القوة في موقفهم من موقف الرئيس المنتخب جو بايدن الذي أكد صراحة أثناء الحملة الانتخابية أنه سيعود إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا ما أكدت إيران أنها ستلتزم به.

وقال مستشار بايدن للأمن القومي إن الإدارة الجديدة ستسعى لإعادة إيران إلى ما سماه الصندوق وتفسر هذه العبارة بانها عودة إلى سياسة الاحتواء ومنع إيران من التهور الذي قد يدفع إلى نتائج غير محمودة العواقب، ونوه المستشار إلى وجود إمكانية لإحياء الاتفاق من جديد.

ومع تأكيد الرئيس الأمريكي المقبل رغبته بإحياء الاتفاق إلا أنه أكد من جديد رفضه التام لامتلاك إيران أسلحة نووية بل إنه قد يطالبها بالتفاوض على صواريخها بعيدة المدى ويشترط هذه الإضافة لإلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب.

وإذا أحسن الرئيس الأمريكي المقبل الضغط على إيران لفرض مفاوضات تتعلق بصواريخها فإنه يظل بحاجة إلى تأييد الكونغرس؛ وهو وإن كان يضمن تأييد مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية فإنه قد لا يستطيع ضمان مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن

هل اقترب خروج إيران من اليمن؟