قد يحمل مجيء الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض مقاربة جديدة مختلفة للتعامل مع الأزمة السورية لعله يسعى من خلالها لإيجاد حل قد يعيد إلى سوريا السلام والاستقرار.

يرى معلقون أن سوريا وأزمتها لم تكن ضمن اهتمامات جو بايدن الذي كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما ولم يشر إليها في حملته الانتخابية ولم يعلن أي خطة خاصة بشأنها لذلك يرى هؤلاء أن بايدن قد يجدد سياسة أوباما تجاه سوريا ويزيد عليها برفض تسليح المعارضة ورفض إرسال مزيد من القوات إلى سوريا. وبما أن سوريا بعد سنوات الحرب الأهلية لم تعد تشكل أي تهديد جدي للمصالح الأمريكية فان الاهتمام الأمريكي بالتدخل المباشر فيها لم يعد مثلما يعتقد كثيرون.

تأمل المعارضة وأحيانا تطلب التدخل الأمريكي المباشر في سوريا لإسقاط الرئيس الأسد.  لكن واشنطن ستدخل في خلاف عميق مع أصدقائها في المنطقة في حال تغيرت سياستها وقامت بمد المعارضة بالسلاح وأشعلت فتيل الحرب الأهلية مجددا لأنه ليس من مصلحة هذه الدول أن تتجدد الحرب الأهلية. ولم تعد هذه الدول تطالب بإسقاط الأسد بقدر ما تسعى إلى التصالح معه كما أن روسيا التي دفعت ثمنا كبيرا لدعم بقاء الأسد في السلطة ومنع سقوطه وكذلك إيران التي وضعت كل ثقلها لدعم الأسد لن تسمحا بتدخل أمريكي مباشر لإسقاط النظام ولهذا الموقف نتائجه.

لا تتوقع السلطات السورية أي انفراج في العلاقات مع إدارة بايدن ولا تتوقع أي تغيير في السياسة الأمريكية وترى أن ما يحكم العلاقات مع الولايات المتحدة أعمق من مجرد إدارة جديدة في البيت الأبيض سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.

جو بايدن والأزمة السورية

قد لا يكون الملف السوري ذا أولوية كبرى لدى الإدارة الجديدة إلا أن اختيار بايدن لمرشحه لوزارة الخارجية أنتوني بلينكين المعروف عنه اهتمامه بالشأن السوري يوحي بان سوريا ستكون ضمن اهتمامات الرئيس الجديد. وعنوان سياسة بايدن بخصوص سوريا حسبما يرى المرشح لوزارة الخارجية هو أن الإدارة الجديدة لن تعمل على إسقاط الأسد بالقوة لكن العملية السياسية التي سيتم إطلاقها لإعادة السلام إلى سوريا ستتم عبر الضغط لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والعمل على إجراء انتخابات تؤدي إلى خروج الرئيس الأسد من الصورة. ويعترف المرشح للخارجية أن إخفاق الرئيس الأسبق أوباما في إسقاط الأسد سببه تدخلات إيران وروسيا ودول أخرى لم تكن تريد إسقاط الأسد في الماضي وكذلك الآن لا تريد.

يمكن للرئيس الجديد أن يتورط في سوريا إذا ما استجاب لدعوات بلينكن الذي يميل لفرض الحل الأمريكي عبر تسليح المعارضة. فهل يمكن للرئيس بايدن أن يفعل في سوريا ما لم يفعله أوباما؟ أي أن يسلح المعارضة ويدربها ويعمل على إسقاط الأسد بالقوة، وفي حال فعل ذلك هل سيمر الأمر بسهولة؟ هذه مقاربة قد لا تكون مضمونة النتائج وسيكون لها تداعيات غاضبة وحتى الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة لا تستطيع تأييد مثل هذه العملية في حال وقوعها.

لكن بايدن لن يعمل على سحب القوات الأمريكية التي أرسلت إلى شمالي سوريا لدعم بعض الفئات التي تقاتل جماعة داعش الإرهابية هناك. وقد سبق له أن وصف قرار ترامب بسحب تلك القوات بانه دليل فشل واضح. لكن القضية السورية ستأخذ بالتأكيد مساحة كبيرة من اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة وقد تكون المقاربة الأمريكية تجاه سوريا بالتنسيق مع موسكو والتفاهم معها.

وقد وصفت سياسة أوباما تجاه سوريا بانها عبارة عن تقديرات غير صائبة في معظمها. ففي مايو من عام 2011  طالب الرئيس أوباما الرئيس بشار الأسد بالانسحاب من الحياة السياسية وبعد ثلاثة شهور طالبه بالتنحي والرحيل. لكنه لم يفعل شيئا لتفعيل هذه المطالبة. وفي صيف عام  2013 سرت أنباء عن نية أمريكية بقصف البنى التحتية لمنشآت النظام السوري وأجهزته الأمنية لكن أوباما تراجع عن هذا الهدف بعد اتفاق مع موسكو. وعندما سيطرت جماعة داعش الإرهابية على مناطق شاسعة من شمال العراق وشرقي سوريا اضطرت واشنطن للسكوت على التدخلات الروسية والإيرانية.

معروف عن الرئيس المنتخب جو بايدن انه يريد إصلاح العلاقات مع إيران وإحياء الاتفاق النووي معها وهذا إن حصل سيكون مدخلا لتسهيل تعاون أمريكي روسي إيراني وربما تنضم إليهم تركيا للعمل على وضع تسوية للأزمة السورية. وقد ذكرت صحف أمريكية ذات مصادر موثوقة أن بايدن يرغب بالعودة إلى التحرك في المشهد السوري لزيادة الضغوط لكن هذه الصحف لم تذكر إن كان بايدن سيسعى لإسقاط الأسد بالقوة.

من المؤكد أن بايدن سيعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا لكن استعادة هذا الدور لا يمكن أن تتم من خلال جهود أمريكية فقط بل لا بد من تعاون مع موسكو وبعض دول الإقليم لكي يكون للدور الأمريكي شرعية أو بعض الشرعية التي تسمح له بالنجاح والا فإن فشل أوباما سيتكرر مع بايدن.

ما تخشى منه واشنطن في سوريا هو التمدد التركي والنفوذ الإيراني والتأثير الروسي وهذه الخشية لا يمكن التعامل معها إلا عبر الحوار والتعاون. ويرى بعض المعلقين أن تعاونا تركيا أمريكيا يصل إلى حد التحالف يمكن أن يحقق بعض النجاح في مواجهة التحالف الإيراني الروسي في سوريا.

غير أن روسيا قد تستبق الأحداث وتسبق التحركات الأمريكية التي قد تضر بسياسة الأطراف المتدخلة في سوريا. وهناك احتمالان: الأول تعاون وتنسيق روسي إيراني تركي للوصول إلى حل لمشكلة إدلب يؤدي إلى إخلائها من المسلحين سلميا وبذلك ينسحب البساط من تحت أقدام واشنطن ويضيع عليها فرصة ثمينة للتدخل.

أما الاحتمال الثاني فهو عمل عسكري روسي إيراني سوري مشترك لإنهاء مشكلة إدلب عسكريا مما يخلق حقائق جديدة على الأرض تجعل الإدارة الأمريكية عاجزة عن أي إجراء. وإذ ما لجأت الأطراف المعنية في سوريا إلى الخيار الثاني فلا بد أن تبدأ معركة إدلب قبل تنصيب بايدن في العشرين من يناير حتى لا يبقى أي مبرر أو حافز للإدارة الأمريكية للتدخل المباشر بعد ذاك. وعندها لن يكون أمام بايدن سوى التعاون مع روسيا لأجل عمل مشترك ينهي معاناة الشعب السوري ويعيد إلى البلاد الأمن والسلام.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن