منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران بدأ المتضررون من النظام الجديد يعارضونه أما الآن فان المعارضة الإيرانية بدأت تسري في عروق الذين كانت تعتبرهم الثورة الإسلامية أبناءها. ربما تعود النظام على المعارضة الشعبية التي تمثلها التظاهرات والمواجهات في الشوارع وهذه لا تخيفه لأنه يقمعها بوحشية عبر ميلشيات الحرس أما الذي يخشاه النظام فهو المعارضة الأخرى التي يمثلها من كان يعتبرهم أبناءه وأبناء الثورة الذين يفترض انهم سيكملون مسيرتها. فقد بدأت أصوات معارضة تخرج من هنا وهناك بعضها أصحاب عمائم من داخل الحلقات الضيقة للحوزات الذين يرون ما لا يراه عموم الناس ويستطيعون التأثير بأكثر مما يستطيع غيرهم.
استفزازات متتالية لـ المعارضة الإيرانية
في الثاني عشر من شهر ديسمبر الماضي أعدمت السلطات الإيرانية الصحفي المعارض روح الله زم الذي كان يدير موقعا إعلاميا إلكترونيا له مئات الألوف من المتابعين ومن باريس كان يقود معارضة شرسة مستخدما السوشال ميديا لفضح الممارسات التي يقوم بها نظام طهران والفساد الغارق فيه.
المثير في الأمر أن روح الله زم هو أحد أبناء النظام الذين ثاروا عليه… ثاروا على نظام أقامه أباؤهم. كان هذا الصحفي صريحا وواضحا في إعلانه بانه يعمل على إسقاط النظام الذي “سرق الدين” على حد تعبيره. في عام 2019 تم استدراجه إلى العراق ومن هناك جرى خطفه ونقله إلى إيران حيث اعتقل وحوكم ونفذ فيه الحكم.
لفت إعدام هذا الصحفي أنظار العالم وأنظار الإعلام العالمي ليس فقط لأنه حالة معارضة وليس لأن إعدامه مثال على تردي الحريات في إيران أو لأنه مثال على القمع الشديد الذي يتعرض له الصحفيون بل لأن معارضة هذا الصحفي نبهت إلى التحولات الجذرية التي أصابت الكثيرين من أنصار الثورة الإسلامية أو أبناءهم الذين تحولوا عن دعمها ومناصرتها ووجدوا أنفسهم مضطرين للوقوف في صفوف المعارضة التي تطالب بالتغيير.
الملفت للنظر أيضا أن هذا الصحفي هو نجل الإمام محمد علي زم رجل الدين الذي كان مسؤولا عن الدعاية الثورية للنظام في الثمانينات إذ كان يدعو الشباب الإيراني للمساهمة في إقامة الجمهورية الإسلامية تحت “القيادة العظيمة للخميني”. ولشدة ولائه للخميني اعطى ابنه اسم “روح الله” تيمنا بزعيم الثورة. لكن الولد عندما كبر ورأى واختبر الأمور على أرض الواقع انقلب عن خط والده وانغمس في معارضة شديدة ضد نظم الملالي وقد كلفه ذلك حياته.
يجسد روح الله زم الروح المحركة للانتفاضة حيث كان موقعه الإلكتروني “أمد نيوز” الذي أداره من باريس يمثل جيلا متمردا على نظام الثورة الإسلامية وهو نموذج من عشرات وربما مئات النماذج من أبناء الثورة الذين انقلبوا ضدها. فالانشقاقات داخل أسر الزعامات الثورية بدأت في السنوات الأولى من عمر الجمهورية عندما التحق بعض أبناء هؤلاء وأقاربهم بمنظمات معارضة. ومن هؤلاء حسين جنتي نجل آية الله احمد جنتي أحد زعماء مجلس صيانة الدستور وكان أيضا رئيس مجلس الخبراء. وقد قتل حسين جنتي في مواجهات مبكرة مع الشرطة عام واحد وثمانين. ومن الذين انضموا للمعارضة في وقت مبكر من عمر النظام نجل خطيب الجمعة في أورومية رشيد غلام رضا الحسني الذي انضم إلى فدائيي خلق, لكن السلطات اعتقلته وأعدمته في العام 1980.
وثمة ناقد آخر معارض شديد للنظام هو أحمد رضائي نجل الجنرال محسن رضائي الذي كان فيما مضى قائد الحرس الثوري. وقد هاجر أحمد رضائي إلى الولايات المتحدة عام 1988 ومن هناك قاد معارضة قوية للنظام , لكنه وجد مقتولا في أحد الفنادق في العام 2011.
في الوقت الحاضر يمثل المعارضون من داخل النظام أو بعبارة أدق من يحسبهم النظام من الموالين له مصدر الخطر الحقيقي عليه. أحد هؤلاء حسين الخميني حفيد الإمام الخميني من ابنه مصطفى (وهو غير حفيده حسن من ابنه احمد المؤيد للنظام) وقد اعتاد أن يكون ذا صوت مرتفع في النقد لما يعتبره نظاما قمعيا دكتاتوريا كان جده قد أسسه. وبدأت معارضته علنا في عام 2003 عندما سافر إلى الولايات المتحدة ومن هناك أعلن أن الإيرانيين يريدون الديمقراطية والحرية والابتعاد عن استغلال الدين في الحكم. لكنه عندما عاد إلى إيران في العام 2005 اعتقل ثم وضع في الإقامة الجبرية.
وممن يخشاهم النظام أيضا المعارضة الذائعة الصيت فائزة رفسنجاني ابنة الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني من مؤسسي الجمهورية الإسلامية. لا تتوقف فائزة رفسنجاني عن انتقاد نظام الجمهورية وكشفت في مقابلة صحفية في العام 2018 أن الخوف والتهديد هما الأكثر شيوعا في هذا النظام. ولم تسلم من الاعتقال مرات عديدة, لكن بفضل أنها ابنة رفسنجاني, لم تسجن, وان كانت على الدوام تحت المراقبة.
في الآونة الأخيرة ظهر صوت صارخ من خارج إيران ضد نظام الجمهورية وناقد شديد النقد لما اسماه النظام الفاسد داعيا للثورة ضد الحوزات وأئمتها الذين قال عنهم انهم يفتقدون الضمير. انه آية الله محمود أمجاد المقيم في باريس وقد أعلن انه سيقوم بجهاد شفاف لاستعادة حقوق المواطنين. ويحمل آية الله أمجاد , خامنئي, مسؤولية إراقة الدماء منذ القمع الدموي لانتفاضة 2009.
ربما يكون من أصعب الأمور وأغربها أن نحسب محمود أحمدي نجاد في صفوف المعارضة , لكن ما صدر عنه في الآونة الأخيرة يثير بعض التساؤلات. فهو يحاول منذ فترة أن يجد لنفسه موطىء قدم في الحياة السياسية الإيرانية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
في الأسبوع الماضي ناشد نجاد في رسالة خاصة إلى الرئيس حسن روحاني اتخاذ إجراءات لمنع الحرب. لكن عن أي حرب يتحدث نجاد؟ هل تمثل رسالته إلى الرئيس روحاني معارضة ناعمة للدولة العميقة في إيران التي تدق طبول الحرب؟ فهل كانت الرسالة انتقادا خفيا للمحافظين الذين يواصلون استفزاز الرئاسة واستفزاز الجيران والولايات المتحدة؟
أحمدي نجاد يحسب على التيار المحافظ المتشدد الموالي للمرشد , ولا يمكنه باي حال أن يعترض أو يعارض, لكنه يستطيع أن يفعل ذلك مع الرئيس روحاني الذي يحسبه ضعيفا بسبب اعتداله. فلماذا يرسل نجاد إلى الرئيس مناشدة للعمل على منع الحرب وهو يدرك تماما أن المرشد هو صاحب الكلمة العليا؟ لماذا لم يوجه نجاد مناشدته إلى المرشد أو قائد الحرس الثوري أو قائد فيلق القدس الذي لا يزال يدعو للانتقام ويواصل تهديداته؟ فهل تكون هذه الرسالة بداية انشقاق أو بداية معارضة؟
باتت المعارضة الإيرانية الآن أو غالبيتها من داخل النظام , وكثيرون من رموزها كانوا من رجال السلطة أو أبنائهم , ولا بد أن المرشد يفاجىء يوميا بأسماء جديدة تنشق عن أو في الحد الأدنى تنأى بنفسها عنه لما تراه من تدهور الحال وانهيار وشيك للنظام الذي يعاني من الفساد الذي بات مزمنا لا علاج له.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن