لماذا السلاح وليس الغذاء والدواء؟
لقد كان على ما يبدو سؤالا أصعب من الجواب عندما سأل مذيع الفضائية ضيفه عن العيب الذي يتضمنه منع إرسال أدوية السرطان إلى إيران في إطار العقوبات المفروضة عليها.
وبسرعة كان الجواب أن العيب الحقيقي هو أنه بعد أربعين سنة من حكم الثورة الإسلامية في إيران لم تتمكن من صناعة أدوية للسرطان لكنها تحاول صناعة قنبلة نووية.
ربما مر هذا السؤال وجوابه بسهولة عبر شاشة عالمية لكن بقدر ما فيه من ألم ففيه أيضا تساؤل مشروع ليس فقط عن عجز إيران في توفير أدوية لمواطنيها ولكن عجز كثير من الدول عن ذلك أيضا.
فالأمر يكاد يكون ظاهرة في غالبية دول العالم الثالث التي تنفق الكثير على التسلح والتصنيع الحربي بينما يغرق مواطنوها في الجهل والفقر والبطالة والتخلف واقتصادها يرزح تحت مديونية عالية وسعر صرف عملتها الوطنية في الحضيض.
من الطبيعي أن تسعى الدول لتطوير قدراتها العسكرية بشتى الطرق ولأكثر من هدف وأحد هذه الأهداف إحكام سيطرتها على البلاد ومحاولة فرض الهيمنة على دول الجوار وتسهيل تدخلها في شؤونهم.
في كل مرة تتم فيها الإشارة إلى العقوبات الغربية على إيران وغيرها من الدول التي يسميها الغرب “الدول المارقة” مثل إيران وكوريا الشمالية وغيرهما يتساءل المرء عن سر الإنفاق السخي من تلك الدول على السلاح وتصنيع السلاح والتدخل المسلح في دول أخرى والتقصير في الإنفاق على التنمية والإنتاج والبحث العلمي والتطوير.
سألت الأستاذ الدكتور موسى شتيوي أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأردنية عن هذا الأمر فأجاب “أنه بعد حقبة الاستعمار لجأت دول العالم الثالث إلى بناء قوتها العسكرية بأي ثمن لضمان فرض سيطرتها على أراضيها وشعبها وحماية حدودها وبدأت بالتصنيع العسكري لدعم عملية البناء والتطوير”.
إيران على سبيل المثال تنفق سنويا ما بين 13-14 مليار دولار على موازنة الدفاع مع أن متابعين للشأن الإيراني يعتقدون أن الرقم الحقيقي لموازنة الدفاع والتسلح تصل في بعض السنوات إلى أربعين مليار دولار. ومثلها مثل بقية دول العالم من حقها أن تتسلح وتنفق على موازنة الدفاع لحماية نفسها ولكن ذلك يجب أن يكون ضمن حدود أولويات تكون فيها مصلحة شعبها في المقدمة.
قد تكون أرقام إيران متواضعة أمام أرقام الدول الكبرى لكن المهم ليس الرقم بقدر ما يهم النسبة من الناتج القومي الإجمالي فهذا هو المعيار.
وبالنسبة لإيران فهذا الرقم كبير، والأمر نفسه ينطبق على كثير من دول العالم الثالث التي أولويتها الإنفاق العسكري والتصنيع الحربي بينما يعاني شعبها الفقر والبطالة والجهل والجوع. كوريا الشمالية مثال آخر على ذلك. فهذه الدولة الفقيرة والمغلقة تعتبر الأولى عالميا في الإنفاق العسكري من حيث نسبته إلى الناتج القومي الإجمالي إذ يبلغ 24 في المئة منه.
وتعطي كوريا الشمالية أولوية كبيرة لتطوير قدراتها النووية مع أن تلك القدرات لن تكون شيئا ذا أهمية بالقياس إلى قوة الدول العظمى بالنظر إلى ضعف الإمكانيات من جهة والحصار العالمي والعقوبات الغربية من جهة أخرى.
ومع كل التباهي الذي تقوم به كوريا الشمالية بالنسبة لصناعاتها العسكرية فإن شعبها يعاني من شبه مجاعة قد تكون أخطر من تلك التي ضربت البلاد في أوائل التسعينات من القرن الماضي.
ومع ذلك وفي هذه الظروف يقوم الزعيم كيم جونغ أون خلال عرض عسكري ضخم بعد المؤتمر العام للحزب الحاكم باستعراض ما يسميه أقوى سلاح في العالم.
أما إيران على سبيل المثال فتواصل القيام بمناورات بحرية وبرية وجوية للجيش والحرس الثوري الهدف منها إبلاغ رسائل للجيران أنها موجودة وقوية وأنها في حالة جاهزية تامة على الدوام.
وبين الحين والأخر تعلن عبر أجهزة إعلامها عن تصنيع أسلحة جديدة ومن بينها صواريخ بعيدة المدى في حالة من التحدي الذي ترافقه تصريحات نارية لبعض قادة الحرس الثوري.
يرى الدكتور شتيوي “أن إيران لكونها دولة إقليمية تستشعر الخطر فتعمل على تعزيز قوتها العسكرية حتى لو كانت هذه القوة على حساب مصالح وطنية أخرى أكثر أهمية وعلى حساب أولويات أخرى يحتاجها شعبها”.
تقوم إيران وكثير غيرها من الدول النامية باستعراض قوتها العسكرية عبر شاشات التلفزيون وتبدو وكأنها تحكم من خلال الشاشة ولسان حالها يقول لشعبها وللجيران نحن في كامل الجهوزية اللازمة.
تتوسع هذه الدول في عرض قوتها العسكرية في تظاهرة تلفزيونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسائل عن قوتها العسكرية أولا لشعبها لتخيفه وتسيطر عليه وفي الوقت نفسه لتطمينه وإقناعه بتحمل ضنك العيش الذي يعانيه وكذلك للتغطية على الفشل في نواحي عديدة في إدارة الدولة.
وثانيا للجيران الذين يقعون فريسة الاضطرار للتسلح والإنفاق العسكري لمواجهة المخاطر والتحديات التي تحيط بهم.
تهمل هذه الدول البحث العلمي والعناية الصحية والتطوير التربوي والتنمية الزراعية وتلهث وراء قوة عسكرية لا تنفع إلا لقمع الانتفاضات الشعبية ومكافحة الشغب الداخلي.
ومع إنفاقها الهائل على التسلح تكتشف هذه الدول أنها لا تمتلك نظاما صحيا مناسبا لعلاج زعيمها الذي يضطر للسفر إلى الدول الغربية لتلقي العلاج.
يرى الدكتور شتيوي أن التوجه نحو التسلح وتصنيع السلاح “يتناسب طرديا مع مدى دكتاتورية النظام السياسي”.
فالدولة ذات الحكم الفردي والدكتاتوري والحزب الواحد تشعر على الدوام أنها “مهددة وأنها محاطة بالأعداء والخصوم فتشعر بحاجتها للتسلح واستعراض سلاحها حتى وإن كان ذلك على حساب قوت شعبها”.
الدول الصغيرة المحكومة من قبل دكتاتوريات تعتقد على الدوام أن العالم يتآمر عليها وعلى وجودها فيصبح همها امتلاك السلاح مهما كلف ذلك السلاح من ثمن حتى ولو كان على حساب غذاء شعبها ودوائه.
وتدرك تلك الدول أنها لا تحتمل ضربة عسكرية جادة من الدول الكبرى في حال وقعت الطامة الكبرى؛ فقد حدث ذلك في الماضي القريب عندما شاهد المواطنون الصواريخ في الاستعراضات العسكرية وشاهدوا زعماءهم يتباهون بسلاحهم وتصنيعهم الحربي لكنهم أمام حرب كبيرة لم يستطيعوا الصمود بضعة أيام قبل أن يحدث الانهيار والاستسلام.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن