ماذا لو التزم الخميني بتعهداته بشأن الثورة الإيرانية
لا يفرق بين صوت الثوار في العالم سوى اختلاف أبجديات اللغة التي يتحدثون بها، إذ تتشابه غايات الثورات عادة، وتتلخص المطالب في السعي لإرساء دولة تحافظ على الحق في العيش بحرية وكرامة وإرساء مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
قبل 42 عاما كانت المطالب ذاتها هي السمة الأساسية في هتافات ولافتات المواطنين الإيرانيين الذين خرجوا لإعلان ضيقهم بحكم نظام الشاه، قبل أن يتمكنوا من إسقاطه.
ستتابع الأحداث بعد ذلك، وسيتوافق الثوار على مجموعة من المبادئ تتلخص في الوفاء لمطالب المحتجين؛ وكان رجل الدين البارز روح الله الخميني بين أولئك الذين تعهدوا بالوفاء للثورة في باريس، لكن تلك التعهدات ستذهب سدى بمجرد تحكم الرجل في مقاليد حكم البلاد، لتسير إيران في اتجاه عكسي، وضعها في نهاية المطاف، على طريق حمل الثوار على أن يمنوا أنفسهم بالعودة إلى نظام الشاه الذي كانوا قد خرجوا عليه.
لكن وباستقراء واقع الحال ووضعه في إطاره الزمني والمكاني، تتولد مجموعة من الأسئلة تنتهي جميعها عند سؤال آخر، ماذا لو التزم رجل الدين البارز بما تعهد عليه إزاء الثورة الإيرانية في باريس.
تأتي الإجابات بأن التزام روحاني بمطالب الثورة، كان يعني عدم الانفراد بالسلطة وترسيخ سياسة الصوت الواحد، وإرساء دولة تقوم على التعددية السياسية، الأمر الذي كان بطبيعة الحال سيعني مزيدا من الأفكار التي تسهم في خلق واقع اقتصادي أفضل من ذاك الذي تعانيه البلاد في الوقت الحالي.
وكنتيجة طبيعية للوضع السياسي، والاقتصادي الجيد، كانت بإمكان إيران أن تحافظ على نحو 150 ألف شخص، من خيرة أبنائها ممن يغادرون البلاد بشكل سنوي، بحسب تقديرات البنك الدولي؛ وكان الحفاظ على هؤلاء أو الحفاظ على طيب العلاقة معهم على الأقل، سيضمن لطهران الاستعانة بقدراتهم وخبراتهم في التعامل مع أزمات البلاد، وفي مقدمتها القطاع الصحي، الذي ضربته أزمة كورونا في مقتل، وخلفت نحو 60 ألف وفاة ونحو 1.5 مليون إصابة.
بالعودة إلى الوراء أكثر، كان التزام الخميني باتفاقه، سيقف حائلا أمام العداء المتفاقم مع الغرب منذ الثورة، وهي الأزمات التي خلقت مشكلات متراكمة، لم يعاني أحد منها بقدر ما عانت طهران، وربما آخرها الأزمة التي خلفها الإصرار الإيراني على الشروع في امتلاك سلاح نووي، ما ترتب عليه عقوبات دولية وأمريكية تسببت في مضاعفة معاناة الاقتصاد، وهو الأمر الذي وصل بمعدلات الفقر في البلاد إلى وضع غير مسبوق.
الالتزام بسياسة خارجية نظيفة بطبيعة الحال، تكون أولى نتائجه هي عمق العلاقات مع دول الجوار، على المستويين الشعبي والسياسي، وهو ما غاب عن طهران منذ استحواذ الخميني على ثورتها، فدخل في حرب مع الجارة العراقية، خلفت نحو مليوني قتيل.
الالتزام ذاته كان سيعني وقف صراعات كثيرة راح ضحيتها ملايين البشر، ما تبرهن عليه الأحداث التي تدور في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وهي جميعها دول تجد فيها إيران موضع قدم عبر ميليشيات مسلحة، دعمتها طهران بسخاء ما كرس من معاناة الشعوب في تلك الدول، وكذلك معاناة الإيرانيين أنفسهم، وهم الطرف الأحق بالحصول على تلك الأموال التي أججت عشرات الحروب في دول لم تراع طهران يوما معها أي حق للجوار.
فحفاظ الخميني على علاقاته مع سوريا مثلا، كان سيعني اختفاء نحو 20 ألف مقاتل يغيثون في البلاد فسادا، بحسب المرصد المعارض، فيما كان سيجد حزب الله اللبناني نفسه مضطرا، للانخراط في عملية سياسية تضمن مزيدا من الهدوء الغائب عن البلاد.
في العراق، ربما لم نكن لنسمع عن ميليشيات تتعدد أسماؤها اليوم بين الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وغيرهم، وهي جماعات تتفق جميعها في أنها “صنعت في إيران”.
أما اليمن، فما كان أمام الحوثي وأنصاره مفر من تسليم السلاح، ووقف إرهاب المدنيين، وعدم استهداف دول الجوار بالصواريخ، جميعها أمور كانت كفيلة بوقف الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم بحسب الأمم المتحدة.
خلاصة ذلك كله، أن التزام الخميني كان سيعني الحفاظ على تلك الفرص الضائعة، وسُيغيب التشكيك الدائم بالقوى الخارجية؛ ليحصل الشعب في الأخير على الديمقراطية بدلا من السلطوية، وعلى حكومة تخضع وتُحاسب بدلا من دولة تقوم على الفساد والمحسوبية، ولحضرت حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات التي غابت تحت شعار الدين.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.