أرمينيا تسعى لتدارك الماضي في علاقتها مع الدول العربية
في الحادي عشر من مارس/آذار الجاري، زار وزير خارجية أرمينيا آرا أيفازيان دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الزيارة التي التقى خلالها، نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد وشدد خلالها على التزام بلاده بتعميق التعاون مع الدول الخليجية.
جاءت الزيارة بعد سنوات، دأب الدبلوماسيون الأرمن والمثقفون والمحللون في البلد والمهجر، على مطالبة الحكومة بتوسيع علاقاتها مع الشعوب العربية، إذ يرى كثيرون أن ذلك يعود بالنفع على الطرفين، خصوصا وأن الفرصة باتت مواتية بعد تولي أيفازيان حقيبة الخارجية، نظرا لأن وزير خارجية أرمينيا تخصص في شبابه بالدراسات العربية في جامعة ولاية يريفان.
وبالنظر في الخطوات الأرمينية خلال الفترة الأخيرة، نجد أن الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان قد زار، مؤخرًا الإمارات العربية المتحدة وقطر تمهيدًا لافتتاح سفارة أرمينية جديدة في الدوحة.
واستضاف سركيسيان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أوائل العام 2020 وقصد العاصمة عمان في خلال السنة ذاتها.
أرمينيا في مرحلة إعادة تقييم عقب هزيمتها العسكرية في حرب قرة باغ 2020
اندلعت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في سبتمبر/أيلول الماضي في صراع على مرتفعات قره باغ.
وفي التاسع من نوفمبر/تشرين الأول، وقع رئيس وزراء ارمينيا، نيكول باشينيان اتفاق وقف إطلاق النار شمل تسليم مناطق عدة تخضع لسيطرة الأرمن إلى أذربيجان.
منذ ذلك الوقت والبلاد تعاني أزمة سياسية إذ إن الكثير من منتقدي بالحكومة يدعون لاستقالة القيادة في البلاد بسبب الطريقة التي تعاملوا فيها مع ملف الحرب.
وبعد سقوط آلاف القتلى واندلاع أزمة لجوء والقلق من حرب ثالثة مع أذربيجان، تجد أرمينيا نفسها مضطرة للتفكير باستراتيجياتها على عدة مستويات لاسيما العلاقات الخارجية.
أرمينيا تعدل سياستها الخارجية
كان اتباع مقاربات جديدة مطلبا للكثيرين من أجل تجنب أي أزمة أخرى وبغية ضمان أن أرمينيا في مأمن في حال اندلاع حرب جديدة.
وبرز من بين المقترحات توطيد العلاقات مع العالم العربي، وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيبًا من قبل معظم الفصائل السياسية والقطاعات الفاعلة.
وبالرغم من التقارب الجغرافي إلا أن علاقات أرمينيا مع الشعوب العربية غير مستغلة، إذ تملك أرمينيا علاقات وطيدة مع دول مثل لبنان الذي يحتضن شريحة واسعة من المهجرين الأرمن ولكن بالمقابل لا تتمتع أرمينيا بعلاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية حيث لا يتشارك البلدان السفارات.
ويمكن مقارنة الوضع في أرمينيا بجيرانها القوقازيين، إذ تتمتع جورجيا وأذربيجان بعلاقات قوية مع دول عربية وتحديدًا دول مجلس التعاون الخليجي، ووقعت باكو وتبليسي صفقات تجارية مع المملكة العربية السعودية وحصدت ثمارها.
إلا أن الوضع على وشك أن يتغير مع تدشين سفارة جديدة في الدوحة ومع تصريح مصدر من وزارة الخارجية الأرمنية يفيد بأن يريفان بدأت بعمليات للانخراط مع المملكة العربية السعودية تمامًا كما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة في السنوات الماضية.
سبب آخر لهذا الاندفاع هو العلاقات العدائية لأرمينيا مع تركيا، ففي وسط حرب ناغورني قره باغ في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، قطعت تركيا علاقاتها الدبلوماسية وأغلقت حدودها مع أرمينيا عندما سيطرت القوات الأرمنية على كالبجار في قره باغ، ولا تزال الحدود مغلقة بين البلدين والعلاقات فاترة.
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع أذربيجان فهي أسوأ حيث الحدود بين البلدين عرضة للمناوشات، وبسبب حرب مرتفعات قرة باغ 2020 ساءت العلاقات أكثر بين باكو ويريفان.
فنتج عن ذلك أن الحدود الأطول لأرمينيا ظلت مغلقة ولم تبق سوى الحدود مع جورجيا وإيران مفتوحة من أجل التجارة والسفر، وترك هذا الأمر أرمينيا مفتقرة للجيران الصديقة التي يمكنها التعاون والمبادلة معها.
العزلة الأرمينية
وتعاملت دول كثيرة بحذر مع أرمينيا في محاولة لتجنب العداوة مع أنقرة وباكو، فعلى سبيل المثال لا توجد علاقات دبلوماسية بين باكستان وأرمينيا ولا تعترف الأولى بها دولة سيادية، إلا أنها تبقي على علاقات وطيدة مع أذربيجان وتركيا.
لكن يبدو أن الأمر مختلف بالنسبة للعالم العربي، بعض الدول مثل مصر انخرطت مع أرمينيا ومن أهم الأسباب وراء ذلك هو علاقاتها المتأزمة مع تركيا، بالتالي نستنتج أن حكومات عربية عدة غير مستعدة لعزل أرمينيا من أجل نيل رضى باكو وأنقرة.
لا بل وتسلط تلك الدول الضوء على العلاقات التجارية والاقتصادية المحتملة التي من شأنها العودة بالنفع على أرمينيا والعالم العربي على حد سواء.
وفي أواخر العام 2019، وقعت شركة مصدر التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها وهي شركة معنية بالطاقة المتجددة اتفاقية بقيمة 320 مليون دولار أمريكي مع أرمينيا من أجل بناء محطة طاقة شمسية بسعة 400 ميغاواط في البلاد.
ومع أن جائحة كوفيد-19 والحرب مع أذربيجان جعلتا التقدم في هذا المشروع بطيئًا، إلا أن هذا يكشف استعداد الإمارات للتعامل في مشاريع كبيرة مع أرمينيا.
وأُطلقت أيضًا رحلات جوية مباشرة بين مدن عربية وأرمينيا في السنوات الماضية، وتُقلع باستمرار الرحلات إلى الدوحة وبيروت من مطار يريفان أما الرحلات إلى أبوظبي فمن المتوقع أن تنطلق في خلال هذا العام.
إيران.. حجر عثرة في طريق التقارب العربي الأرميني
ولعل أهم العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار، في توقف العلاقات العربية الأرمينية، هي إيران، إذ تجمع بين أرمينيا وإيران علاقات قديمة وتاريخية، وتتشارك الدولتان الحدود والتجارة ويلتقي زعماء طهران ويريفان بشكل دوري.
وبحسب المحللين فإن السلك الدبلوماسي في أرمينيا والحكومة قد تبنيا مقاربة حذرة في السياسة الخارجية في محاولة لتجنب معاداة طهران.
وبخلاف أذربيجان فإن أرمينيا بقيت فترة طويلة تأبى تقوية العلاقات مع إسرائيل، في مسعى لإرضاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تصفها يريفان بالحليف المقرب.
ولم تتخل أرمينيا عن علاقاتها مع إسرائيل وحسب من أجل إيران، بل وصل الأمر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى.
إلا أنه يبدو أن هذه الديناميكية تشهد تغيرات، بعد أن طرح أرمينيون علامات استفهام حول العلاقة مع إيران.
من بين الآراء، أن إيران ستتدخل في حال حاولت أذربيجان أو تركيا الانخراط في نزاع عسكري مع أرمينيا، إلا أن الدعم كان فقيرًا وصرح علي الخامنئي أن المناطق المحتلة في قره باغ يجب أن تعاد إلى أذربيجان.
وعلاوة على ذلك فالاقتصاد الإيراني يعاني مؤخرًا، وفي ظل العقوبات الدولية والشؤون الداخلية الأخرى فإن أرمينيا لا تحصد ثمار العلاقات الاقتصادية مع إيران كما في السابق.
وتزداد الضغوطات على النظام في طهران في السنوات الأخيرة، وقد اتحدت جهود الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإسرائيل من أجل عزل إيران.
وتدهورت العلاقات عقب انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران ومقتل قاسم سليماني.
أرمينيا والسعي إلى الخروج من العباءة الإيرانية
وسافر الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان مؤخرًا إلى إسرائيل حيث تم افتتاح سفارة هناك، وأثناء وبعد الزيارة دعت رموز إسرائيلية إلى تعميق العلاقات مع أرمينيا.
وفي خلال ولاية ترامب، زار مستشار الأمن القومي جون بولتون أرمينيا فيما رآه كثر أنه إيماءة إلى إيران نظرًا لموقف بولتون الصارم نحو إيران.
ويوجد افتراضات أخرى بأن السعودية والبحرين والإمارات ومصر ستحاول عزل إيران من خلال توطيد الصلات مع جيرانها.
حتى مع هذا الواقع الجديد في المنطقة لا يُتوقع أن تقصي نفسها مباشرة عن إيران، بل على العكس قد تتخلى عن العلاقات مع الدول التي لا تتفق وإيران.
يعلق المحلل السياسي البارز المقيم في أرمينيا إريك هاكوبيان قائلًا ما يلي حول العلاقات بين أرمينيا والخليج، “تجاهلت أرمينيا علاقاتها مع دول الخليج، التي تمثل شراكات تجارية عظيمة لأرمينيا فيما يخص بيع الخدمات من القطاع التكنولوجي الذي يشهد نموًا وفيما يتعلق الصادرات الزراعية وفي كونها مكانًا للعثور على مستثمرين لمشاريع تتخذ من أرمينيا مقرًا.
بالنسبة لدول الخليج تمثل أرمينيا نقطة عبور نحو الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (وهو تكتل اقتصادي تقوده روسيا) بينما توفر للدول فرصًا استثمارية في دولة مستقرة تاريخيًا ذات نظام مصرفي جيد وتتشارك معه ألفة ثقافية عظيمة.
على الرغم من كل هذه الأسباب حول لم وكيف تسير العلاقات بين الدول العربية وأرمينيا، من الجدير بالذكر أن أرمينيا والدول العربية لا تحمل ضغينة تجاه بعضها البعض، وبرغم التعقيدات في العامل الإيراني إلا أن ما قد يعيق العلاقات شؤون قليلة تتمثل في بعض المصالح المتضاربة وسبل تعاون محتملة، مما قد يدفع بأوساط عديدة في أرمينيا لتشديد الدعوة إلى مقاربة جديدة نحو الجيران العرب في الجنوب.