يشير إجراء رابع انتخابات عامة في إسرائيل خلال سنتين إلى عمق الأزمة السياسية التي تمر بها وستكون الأزمة أكثر عمقا إن كانت نتيجة التصويت غير حاسمة في تحديد هوية الحزب الذي سيشكل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
ويتنافس في هذه الانتخابات لاختيار أعضاء الكنيست الرابع والعشرين في تاريخ إسرائيل ستة وثلاثون حزبا.
تعود إسرائيل إلى الانتخابات من جديد لأكثر من سبب. وبالإضافة إلى عدم تمكن نتانياهو من تشكيل حكومة قوية تضم شركاء أقوياء فإن أزمة الأحزاب الدينية الرافضة للخدمة العسكرية لاتباعها أوجد للحكومة مشكلة عميقة. كما أن قضايا الفساد التي تلاحق نتانياهو تجبره على العودة للانتخابات على أمل تحقيق فوز كبير يضمن له رئاسة الحكومة لفترة كاملة تحميه من العقوبة ولو مؤقتا. إلى جانب ذلك هناك الانقسامات داخل الائتلافات الحزبية التي نشبت بينها الصراعات على المكاسب بعد تشكيل الحكومة الأمر الذي أدى إلى إخفاق الكنيست في إقرار موازنة الدولة للعام الجديد. وتبقى مشكلتان أمام نتانياهو دعته إلى التوجه للانتخابات هما فشله في معالجة أزمة كورونا وشكاوى شركائه في الحكومة بانه يتجاوزهم في كثير من القرارات والقضايا التي تستوجب استشارتهم المسبقة بحسب ما تم الاتفاق عليه بينه وبينهم.
بطبيعة الحال ولأنها الانتخابات الرابعة خلال فترة زمنية لا تزيد عن سنتين وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية فإنه من غير المرجح أن يحقق أي حزب فوزا ساحقا يمنحه أغلبية تساعده على تشكيل حكومة جديدة بمفرده.
ولهذا فالفرصة ستكون مفتوحة للأحزاب الصغيرة وخصوصا الدينية منها للمساومة وتحقيق مكاسب ووضع شروط للموافقة على أي حكومة يشكلها ائتلاف الأحزاب الرئيسية.
من المؤكد أن نتانياهو لن يستطيع تشكيل حكومة أغلبية من نواب كتلة الليكود التي يتزعمها فهذه الكتلة قد لا تفوز بأكثر من تسعة وعشرين مقعدا ولذا فانه سيكون مضطرا للتحالف مع بعض الأحزاب اليمينية الأخرى التي تدعم نهجه وبالتالي سيتمكن من تشكيل حكومة جديدة إذا ما استطاع أن يحشد من تلك الأحزاب واحدا وستين نائبا فأكثر.
وهذه النتيجة ستجعله رهنا بمساومات تلك الأحزاب التي لها مطالب حزبية ضيقة وسيكون مضطرا لتلبيتها حتى تدعم ترؤسه للحكومة.
أما إذا وصل الوضع السياسي إلى طريق مسدود ففي هذه الحالة سيكون على إسرائيل إجراء انتخابات جديدة.
يعتبر بنيامين نتانياهو أطول رئيس وزراء إسرائيلي خدم في هذا المنصب وما ساعده على ذلك كثرة تنازلاته لرغبات اليمين المتطرف ومساعداته للمستوطنين الذين يصوتون له في كل انتخابات.
وهو يحاول كسب الانتخابات بأغلبية أو على الأقل بعدد من النواب يؤهله لمشاركة غيره من الأحزاب ليعود ويشكل الحكومة الجديدة، فهذه هي وسيلته الوحيدة لتفادي المحاكمة والعقوبة والا فانه سيضطر للمثول أمام المحكمة مجددا لمواجهة اتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطة وتلقي الرشاوى.
أما المشاركة العربية في هذه الانتخابات فإنها ليست متميزة مثلما كانت في الانتخابات السابقة عندما بلغت نسبة المشاركة حوالي خمسة وستين في المئة أدت إلى وصول خمسة عشر نائبا عربيا كانوا ضمن القائمة العربية المشتركة إلى الكنيست.
كان ذلك العدد من النواب العرب هو الأعلى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، وفي هذه الانتخابات حاول العرب أن يحققوا عدد مقاعد مشابها أو أكثر لكن هذا لن يحدث.
فقد اصطدمت محاولتهم في الشهر الماضي بانشقاق ممثل التيار الإسلامي عن القائمة المشتركة منصور عباس ليشكل القائمة العربية الموحدة من أربعة مرشحين.
هذا الانقسام سيؤدي وفق بعض المعلقين إلى انقسام في الشارع العربي في إسرائيل وهذا قد يؤدي إلى تشتيت الأصوات العربية وتقع الخسارة على القائمتين.
الغريب في أمر القائمة المنشقة أنها تحظى بدعم من كتلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ولهذا يتوقع في حالة فوز أي من أعضائها أن يشارك بحقيبة وزارية ثمنا لمواقف السابقة في الكنيست عندما صوت أعضاؤها بقيادة منصور عباس برفض إجراء تصويت على إسقاط نتانياهو.
وفي ظل انقسام القائمة العربية وضعف أداء النواب العرب في الكنيست تشير بعض الاستطلاعات إلى توقع انخفاض نسب التصويت في الشارع العربي وبالتالي خسارة القائمة لبعض إنجازاتها وتراجع عدد مقاعدها إلى ثمانية أو تسعة مقاعد فقط؛ مع أن الصوت العربي يمكنه أن يأتي بخمسة وعشرين نائبا إلى الكنيست لو توحدت الصفوف فعلا وامتنع القادة والزعماء عن الانقسام والتنابذ والبحث عن المصالح الضيقة.
يشارك العرب في الكنيست بهدف إيصال صوتهم وتحقيق أي مكاسب ممكنة سواء على صعيد الخدمات البلدية أو التعليمية.
لم يحدث أن كان للصوت العربي تأثير على تشكيل الحكومات في إسرائيل أو على قرارات الحكومات الإسرائيلية لكن الوجود العربي في الكنيست على قلته وعلى ضعفه إن كان ضعيفا أن له تأثيرا على وعي الإسرائيليين وسلوكهم كما يثبت وجود الفلسطينيين على أرضهم ويدافع عن حقوقهم التي عانت الكثير منذ قيام إسرائيل عام 1948.
يعتقد زعيم القائمة العربية المشتركة أيمن عودة أن التعاون العربي اليهودي يجب أن يتجسد على أرض الواقع، وهناك أصوات يهودية يسارية تدعو إلى إشراك العرب ومنحهم الفرصة السياسية للمشاركة في دوائر صنع القرار.
قد يتساءل البعض عن سبب رضا إسرائيل عن المشاركة العربية في الحياة السياسية إلى درجة الوصول إلى الكنيست، هذا الرضا الإسرائيلي الذي على العرب في إسرائيل استغلاله إلى الحد الأقصى برغم عدم توفر حسن النية فيه يهدف إلى تجميل صورة إسرائيل في عيون العالم طالما أن أنظمتها وقوانينها هي التي تحدد قواعد اللعبة السياسية.
وهناك بعض السياسيين الإسرائيليين من اليمين الذين يعارضون المشاركة العربية في الانتخابات ويرفضون وصول العرب إلى الكنيست، وإذا كان هذا مفهوما فانه من غير المفهوم وجود معارضة للمشاركة العربية في الوسط العربي.
ومهما كانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية فان إسرائيل ستظل تفتقر إلى زعيم قوي صاحب كاريزما يجمع عليه الإسرائيليون خصوصا بعد غياب من يطلق عليهم جيل التأسيس الذين رافقوا قيام الدولة.
وعدم قدرة الأحزاب الإسرائيلية على التوافق تسبب في تشرذم القوى السياسية وضياع فرص تشكيل حكومة قوية مستقرة، وسيكون لهذا تأثير سلبي على عملية السلام في الشرق الأوسط والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن