مستقبل غير مبشر ينتظر حقوق الإنسان في إيران
أثارت عملية تعيين المرشد الأعلى الإيراني علي خامني، لرجل الدين المتشدد غلام حسين محسني رئيساً للسلطة القضائية، خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي تم انتخابه رئيساً للجمهورية؛ وسط مقاطعة واسعة من الشعب الإيراني، الكثير من التساؤلات حول واقع ومستقبل حقوق الإنسان في إيران، خصوصاً وأن (رئيسي ومحسني)، لديهما تاريخ مشترك في انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
فالأول ارتبط اسمه بعمليات الإعدام بحق المعارضين لنظام الخميني في عام 1988، أما الثاني فقد ارتبط اسمه بعمليات اعتقال وانتهاكات واسعة، طالت العديد من المتظاهرين الذين تظاهروا ضد إعادة انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، عندما كان يشغل منصب المدعي العام من عام 2009 إلى 2014، حيث قيد عمليات الوصول إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، مما ساهم في عمليات القمع الاجتماعي التي طالت الحركة الخضراء آنذاك.
والأكثر من ذلك، سيتولى محسني رئاسة السلطة القضائية التي تنتقدها العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بسبب كونها واحدة من أكبر المؤسسات القضائية التي تنفذ عمليات الإعدام والاعتقال التعسفي خارج نطاق القانون، فضلاً عن إجراء محاكمات ملفقة لمزدوجي الجنسية وأفراد تربطهم علاقات مع الغرب، حيث سبق وأن عاقبت الولايات المتحدة إبراهيم رئيسي، بسبب مشاركته في الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين في عام 1988، وكذلك بسبب فترة رئاسته للسلطة القضائية..
وفي هذا السياق أيضاً؛ فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات واسعة على محسني، بسبب دوره في حكومة أحمدي نجاد الأولى عندما كان يشغل منصب وزير الاستخبارات والأمن الوطني، حيث مارس العديد من الانتهاكات التي طالت المواطنين الأجانب في إيران، إلى جانب تقييد حركة مزدوجي الجنسية في الداخل الإيراني، والقيام بالعديد من عمليات الاغتيال التي طالت معارضين إيرانيين في الخارج، ومن أبرزهم المعارض المنشق بيروز دفاني، كما عرف محسني باسم القاضي المحافظ، بسبب عمليات الاعتقال التي طالت السياسيين الإصلاحيين، كما أصدر حكما تعسفيا خارج سياقات القضاء ضد رئيس بلدية طهران الإصلاحي غلام حسين كرباشي، إذ حكم عليه بالسجن خمس سنوات، و 60 جلدة، وغرامة مالية كبيرة، هذا إلى جانب دوره كمدعي عام في محكمة رجال الدين الخاصة في التسعينيات من القرن الماضي، حيث يتهمه خصومه الحاليين بالتورط في سلسلة من عمليات قتل نشطاء ومعارضين ومثقفين بدأت عام 1998.
أسئلة مطروحة في الشارع الإيراني
في ضوء السيرة الذاتية لكل من (رئيسي ومحسني)، يتساءل الشارع الإيراني اليوم، عن واقع ومستقبل حقوق الإنسان، على الأقل خلال فترة رئاسة رئيسي الأولى؛ ومن أبرز هذه التساؤلات هي:
- كيف سيكون واقع حقوق الإنسان في إيران، في ظل حالة التخادم السياسي التي ستنشأ بين شخصيتين متشددتين.
- كيف ستنعكس سيطرة المتشددين عبر المؤسسات والسلطات الثلاث في إيران، على واقع حقوق الإنسان.
- هل يمثل وصول رئيس سلطة قضائية جديد مثل محسني خطوة في إطار مزيد من شرعنة الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في إيران، فيما لو خرجت مظاهرات منددة للنظام أو حتى في إمكانية تحول المظاهرات العمالية الحالية في إيران لمظاهرات ذات طابع سياسي أوسع.
- هل يعتبر وصول محسني للسلطة القضائية؛ استكمالاً لدور رئيسي ومنهجيته في فرض مزيد من الضغط على حرية التعبير، وكذلك توظيف ملفات الفساد التي كان يديرها رئيسي في قمع المعارضين وغيرهم.
كل هذه الأسئلة تواجه بحالة من الريبة، خصوصاً وأن عملية تعيين محسني جاءت من قبل خامنئي، بدعم وإسناد من رئيسي، ما يؤشر إلى إن هناك دور وظيفي مهم ومؤثر سيمارسه محسني في هيكل النظام السياسي الإيراني، فهناك اليوم أزمة شرعية يعيشها النظام السياسي، وهو ما تمثل بنسبة التصويت المتدنية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لم تتجاوز 48%، رغم كل الجهود التي بذلها خامنئي لتجاوز عتبة 50%، فضلاً عن اجتياح أنحاء متفرقة من إيران مظاهرات مناهضة للحكومة، احتجاجاً على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وهي تظاهرات جاءت استكمالاً للتظاهرات التي خرجت بها الأوساط العمالية الأسبوع الماضي، وتحديداً في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات، تنديداً بالإجراءات الحكومية الأخيرة، حيث واجه النظام هذه التظاهرات بمزيد من القمع والتضييق، وبهذا الخصوص أشار راديو “زمان” الإيراني المعارض في تقريرٍ له إلى أن أجهزة الحكومة الأمنية استخدمت كل الوسائل لقمع هذه المظاهرات، كشن حرب نفسية ضد العمال المضربين، وبث الانقسام بين العمال المتعاقدين والموظفين الرسميين، ونشر الشائعات حول انتهاء الإضراب أو التهديد بالتصفية الجسدية أو الطرد الجماعي للعمال، حيث يُكلف استمرار الإضراب يومياً خزينة النظام أموال كبيرة.
إجمالاً؛ فإن تعيين خامنئي لرجل مثل محسني معروف بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، سيعزز القناعة الراسخة لدى العديد من الإيرانيين والمجتمع الدولي، بأن نظام خامنئي ذاهب باتجاه تعزيز قبضته السياسية والأمنية على المجتمع الإيراني، مقدماً شرعية بقاءه على شرعية المواطن الإيراني وحرياته الأساسية، فما يهم خامنئي اليوم هو أن يؤدي التكامل المؤسساتي في إيران، عبر تولي المتشددين رئاسة الجمهورية والبرلمان والقضاء، إلى جانب الحرس الثوري، إلى تهيئة المرحلة المقبلة أمام المرشد القادم دون أية عقبات، خصوصاً وإن الشارع الإيراني بدا متناغما اليوم مع طروحات إعادة مدنية الدولة، بعيداً عن فلسفة ولاية الفقيه التوسعية، والتي انعكست سلباً على واقع المواطن الإيراني وظروفه الاجتماعية والاقتصادية.
والأكثر من ذلك يدرك خامنئي قيمة محسني، إذ لعب الأخير دوراً مهماً في إيصال الأول إلى أعلى سلم القيادة في إيران، عندما قام محسني بصفته مدعياً في محكمة رجال الدين الخاصة، بدور مؤثر في واحدة من أهم التحولات السياسية في إيران، عندما طرح قضية عزل حسين علي منتظري، حليف الخميني الذي كان من المقرر أن يتولى السلطة بعد الخميني، إلا إن الدور الذي لعبه محسني مهد الطريق لخامنئي بالنهاية، ومن ثم تبدو خطوة تعيين محسني كمكافأة على خدماته الجليلة التي قدمها وسيقدمها للنظام وخامنئي على حداً سواء في المستقبل.