إلى ماذا ستؤول أزمة المياه في إيران
كانت إيران تخشى انتقال عدوى الربيع العربي إليها فأسرعت في وصفه بأنه مثال عن الثورة الإسلامية الإيرانية وبوادر يقظة مستوحاة من ثورة إيران.
لكن اليوم وبعد عشرة أعوام أخذ الإيرانيون يستلهمون الربيع العربي للقيام بانتفاضة ضد النظام، فهل جاء دور إيران لتختبر ربيعا جديدا؟
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن ربيع إيراني يحاول فيه الإيرانيون إحداث التغيير ومواجهة القمع الدموي لكن يمكن الحديث أن التغيير في موقف الأغلبية الصامتة قد بدأ.
فالتحدي الذي كشفت عنه المواجهات في الأسبوعين الماضيين سواء في إقليم خوزستان أو في طهران نفسها يبشر بتغيير قادم.
تشكل هذه المواجهات تحديا صعبا للرئيس الإيراني الجديد وهو تحدي ربما لم يكن في حساباته عندما فاز في الانتخابات الأخيرة. فالتحديات الكبرى كانت محددة تقريبا في الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وتدني مستوى المعيشة وارتفاع نسب البطالة والتضخم وخارجيا في الاتفاق النووي والعلاقات مع دول الجوار والأوضاع في سوريا والعراق واليمن بالإضافة إلى وباء كورونا. الآن ظهر التحدي الأكبر الذي عبرت عنه المواجهات الأخيرة، وهذ المواجهات في الواقع ليست هي المشكلة بل هي إحدى أعراضها، فالمشكلة الرئيسية التي نجمت عنها المواجهات هي أزمة نقص المياه.
فأزمة المياه هي المشكلة الحقيقية والرئيسية يضاف إليها خيبة أمل الإيرانيين من النظام نفسه بعد كل هذه السنوات التي جعلت من إيران أشبه بالدولة الفاشلة.
وهذه الأزمات هي التي قد تطيح النظام إن استمرت المواجهات بهذا الزخم وامتدت إلى المدن الرئيسية.
ربما استطاع الإيرانيون التكيف مع أزمة التضخم ونقص البنزين وارتفاع تكاليف المعيشة وقد يتحملون القمع السياسي والظروف الأمنية الصعبة لكن المؤكد أن الإيرانيين قد لا يتحملون وهم بالفعل لن يتحملوا نقص المياه والوعود المتكررة التي لا تستطيع الإدارة الحكومية تلبيتها. وعندما تكون المشكلة الرئيسية الكبرى هي نقص المياه وهي شريان الحياة فإن الاضطرابات والاحتجاجات ستكون نتيجة طبيعية لكن المهم في الأمر كيفية معالجة المشكلة من قبل السلطة الحاكمة.
في أثناء رئاسة روحاني كان يسهل على المحافظين المتشددين توجيه النقد واللوم لإدارة الرئيس المعتدل وتحميله كل مسؤولية عن الخراب الذي تعاني منه البلاد.
الآن المحافظون على رأس الإدارة الحكومية والتحديات كبيرة وأبرزها تحدي نقص المياه. وهو التحدي الذي أخرج الإيرانيين إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة بحقهم في مياه الشرب.
قد لا تستطيع سلطة الرئيس المعروف عنه تمسكه بأسلوب القمع والقسوة السيطرة على الاحتجاجات وإذا نجحت مؤقتا فالناس لن تسكت ما لم تحل هذه المشكلة التي باتت مزمنة في إيران.
فالبلاد تعيش أزمة مياه قاسية جدا وهي تؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد والزراعة والأمن الغذائي، وزادت حدة المشكلة بسبب الجفاف الذي لم تشهد إيران مثيلا له منذ خمسين عاما؛ لدرجة أن إحدى أكبر البحيرات في جنوب إيران جفت واختفت.
ندرة المياه في إيران ستسبب المزيد من الاضطرابات عندما تصل ذروتها في العام ألفين وخمسة وعشرين فموارد المياه أقل بكثير من الحاجة الفعلية للسكان.
وهناك تفاوت كبير في استعمالات المياه والاستعمال المنزلي للمياه فيه الكثير من الهدر بسبب انخفاض سعر المياه.
وقد تجد الحكومة نفسها مضطرة لرفع أسعار المياه وهذا سيزيد من الاحتقان الشعبي الذي قد ينفجر في مواجهات جديدة ولكن أكثر عنفا.
جهات عديدة حذرت منذ سنتين من استفحال أزمة المياه في إيران لكن على ما يبدو لم تفعل الحكومة شيئا حيال ذلك.
تفاقم أزمة المياه أدى إلى الانحدار الشديد بمستوى المعيشة للمواطن الإيراني وهو ما دفع إلى زيادة ملموسة في الهجرة من الريف إلى المدن.
أسابيع من انقطاع المياه وعدم توفرها في مناطق إقليم خوزستان دفع السكان للتظاهر والاحتجاج مطالبين بحقهم في المياه.
مسيرات الاحتجاج على نقص المياه تطورت لتصبح مسيرات مناهضة للنظام ومطالبة بالتغيير وارتفع سقف الهتافات لتطال نظام الجمهورية الإسلامية وضد المرشد؛ وقد سبق أن كان انقطاع المياه سببا في اندلاع انتفاضة 2018 و2019.
في هذه المرة خرج الإيرانيون في أكثر من مكان ليس فقط في خوزستان الذي يعاني سكانه من إهمال شديد لهم من قبل سلطات طهران بل أيضا في العاصمة وبالقرب من وزارة الداخلية وساحة الحرية وبعض المدن الأخرى وتم استخدام العنف لتفريق الاحتجاجات الأمر الذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى؛ ونشرت السلطات قوات مكافحة الشغب والحرس الثوري بكثافة لقمع أي تحركات جديدة.
ومع ذلك انتشر المزيد من أشرطة الفيديو التي تظهر المزيد من التجمعات الاحتجاجية، ولاقت هذه التجمعات تأييدا من نقابات المعلمين والفنانين وبعض الفعاليات الأخرى.
كما انتقد رؤساء سابقون تصرفات الحرس الثوري وقوات الأمن التي اتهمها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بأنها من خلال أسلوبها تحول المسيرات السلمية إلى مواجهات عنيفة.
أما الرئيس الأسبق محمد خاتمي فاعترض أيضا على أسلوب رجال الأمن في قمع التظاهرات رافضا أي تبرير لاستخدام القوة ضد المتظاهرين.
يتساءل كثيرون لماذا تندلع الاحتجاجات الآن بينما تستعد البلاد لتنصيب رئيس جديد خلال هذا الأسبوع؟
عندما انتخب الإيرانيون حسن روحاني بناء على وعود انتخابية زاهية خاب أملهم فيه وفي طريقة حكمه طوال فترتين رئاسيتين.
وفي الانتخابات الأخيرة وبرغم المقاطعة الكبيرة فاز مرشح النظام من التيار المحافظ والمعروف عنه قسوته وميله لاستخدام القوة في القمع بحسب سيرته التي يعرفها الإيرانيون جيدا. لذلك من غير المتوقع أبدا أن يتهاون الرئيس الإيراني الجديد مع هذه الاحتجاجات مهما كلف الأمر وقد يكلفه الكثير بالفعل.
وإزاء مشكلة نقص المياه يبدو النظام عاجزا عن حل هذه المشكلة الحيوية فإذا استمر التأخر في إيجاد الحل فقد تزداد الاضطرابات وتتواصل الاحتجاجات وقد تصل إلى مراحل متقدمة مما قد يؤدي إلى تحولها إلى انتفاضة شاملة وعامة فتكون بداية ربيع جديد في إيران قد لا يقوى النظام على قهرها.