التقيته في كندا خلال أحد الاجتماعات الصحفية.. هو شاب كغيره من شباب الأحواز الطموحين الذين تأثروا بانتفاضة ٢٠٠٥ ..الناشط والناطق الإعلامي باسم جبهة الأحواز الديمقراطية ” طارق جاسم” الذي سألته عن حياته في الأحواز قبل أن يلجأ إلى كندا فأجاب: أنه دخل سلك العمل السياسي من بوابة التوعية الوطنية تحت غطاء العمل الثقافي , وسرعان ما اختار عالم الكتب والثقافة بدل الهندسة التي درسها وفتح مكتبة متواضعة في منطقة حي النهضة في الأحواز العاصمة , حيث رفوفها المتصدّعة التي كانت تضم كتب التأريخ القديم إلى طبعةٍ أولى من كتب الأدب الحديث.
” طارق” شارك في كثير من المعارض المحلية في الأحواز الخاصة بالكتاب , والتي كان أغلبها مراقب من قوات النظام الإيراني . كما ساهم في توزيع كتب عربية من مختلف التوجهات الأدبية والثقافية والعلمية والفكرية إلى جانب نشر العديد من مجموعات الكتب السياسية المحظورة في الأحواز , لكن بشكلٍ سري , ما أدى إلى بدء مرحلة مضايقته من قبل القوات الأمنية بعد شكوك أمنية حول عمله ..فالكتب العربية تعد “جريمة”.
” طارق ” كان يتحدث بشغف عن يومياته المريرة والتحديات التي واجهها عندما كان يتنقل من مكان الى أخر حاملاً معه الكتب التي يمنع النظام الإيراني تداولها. قال لي إنه يعشق الكتب وكانت معه بنجاحاته وإخفاقاته، عاش وسط الكتب، يحفظ أغلب كتب مكتبته وعناوينها وأسماء ناشريها.
حياته تعكس مأساة الإنسان في الأحواز، وتعكس معاناته.. قصة ” طارق” تعرض واقع الاستبداد السياسي والملاحقات الأمنية التي يتعرض لها الأحوازيون لأسباب عدة ومنها “الكتب العربية”. أغلقت مكتبته عام 2011 بأمر من القوات الأمنية التابعة للنظام الإيراني , وتمّت مصادرة كتبه وأصبح ” طارق ” تحت مجهر الحرس الثوري الإيراني لغاية هروبه من الأحواز ولجوئه إلى كندا.
الكتب العربية وطمس الهوية الثقافية للأحوازيين , هي إحدى طرق التهجير القسري التي يتبعها النظام الإيراني في المناطق الأحوازية من أجل فرسنتها.
يقول الأحوازيون الذين قابلتهم في كندا إن الاحتجاجات لم تأتِ صدفة ولا بسبب الجفاف وقلة المياه , بل جاءت بسبب تراكمات وضغوطات الحرس الثوري الإيراني على مدن الأحواز، واشعل الجفاف والعطش نيرانها.
هذه الاحداث جعلتني أتذكر أيضا ” عيسى” العداء الرياضي الذي أقصاه النظام عندما وصل إلى نهائيات إحدى البطولات، ليستبدله بآخر فارسي , رغم الإعلان الرسمي عن اسمه في الصحف الإيرانية الرسمية، بحسب روايته.
احتجاجات الأحواز ليست فقط بسبب شح المياه, بل أيضا بسبب التجفيف المفتعل .. فالأحوازيون يؤكدون أن النظام تعمد تجفيف الأراضي لينفذ خطة التغيير الديمغرافي , فالسدود مليئة بالمياه وتكفي لعشرات السنين .
وأهم هذه السدود هي الكرخة ، الدز ، مارون كارون الأول والثاني والثالث بالإضافة إلى العقيلية (كتوند)..والتي تهرب منها المياه إلى المدن الفارسية عن طريق شركات تابعة لجناح الحرس الثوري الإيراني الاقتصادي.
هذه الاحتجاجات ليست الأولى بل هي مستمرة منذ أعوام بين حين وآخر، أولها كانت عام 1979 عندما انتفضت الأحواز مطالبة بالحكم الذاتي، فيما احتجاجات اليوم اتسعت رقعتها لتشمل مدنا عدة انتفضت ضد نظام الملالي الذي حكم إيران منذ نحو أربعين عاما ، شهدت فيها إيران إعدامات بالجملة وقتل واعتقالات واضطهاد وتهميش الأقليات،
احتجاجات الأحواز التي دعت منظمات عدة إلى منع استخدام القوة المفرطة في التعامل معها , أسفرت عن مقتل نحو ثمانية محتجين إلى جانب حملة اعتقالات لخلق الرعب في صفوف المتظاهرين وإجبارهم على الكف عن احتجاجهم .
وكانت منظمات دولية عدة قد طالبت إيران بوقف استخدام الأسلحة والذخيرة الحية ضد المحتجين، وبين تلك المنظمات، المركز الدولي لحقوق الإنسان في تورنتو الذي نظم وقفة تضامن مع الأحوازيين بحضور عدد من السياسيين الكنديين وأبناء الجالية الإيرانية.
حضرت تلك الوقفة وسمعت آراء السياسيين الكنديين حولها الذين عبروا عن تضامنهم من الأحواز , وإدانتهم لاستخدام السلاح ضد المحتجين.