سقوط مدوّ لمدينتي التي أحب.. هالني المشهد وما يجري في أفغانستان وكأنّ الصاعقة حلّت على كلٍّ منّا. كنت أراقب وأتابع ما يجري، فقد كنت متسمّراً أمام شاشة التلفزيون أتابع ما يصلني من أخبار عاجلة على هاتفي.. لم أصدق ماذا يجري وأنا الذي حلمت ببلد حديث مزدهر أعود إليه مع عائلتي يوماً ما ربّما.. اليوم أشعر بالخيبة وكأنّ الأمل انطفأ بلحظات قليلة.
- لقد دُمّرت مدينتي الجميلة في تلك الحرب
- في نظام طالبان السابق كان لدينا فقط الحق في تنفس الأوكسجين
- اليوم عندما أنظر خلفي أشعر وكأنّني فقدت كلّ شيء
كنت في السابعة من عمري فقط عندما هاجم الروس باكستان، ورحلنا من شمال أفغانستان إلى الحدود الباكستانية في الجنوب. لقد مررنا بالكثير من المشاكل، ومازلت أتذكر عمليات القصف في قريتنا، وأيضاً أتذكّر عملية قتل والد صديقي على يد الروس.
كنّا خائفين حقّاً لذلك عبرنا إلى باكستان. لقد درست وترعرعت في مخيم للاجئين، وبدأت العمل كصحافي في 93 و 94 مع شبكة بي بي سي، ودرست في باكستان. ثم عايشت الإنهيار الأوّل للعاصمة كابول في العام 92 عندما استولى “الجهاديون” على السلطة في بلادي. مازلت أتذكر ذلك اليوم، فقد كان الجميع سعيداً للغاية لأنّ النظام الشيوعي كان ينهار، لكن بعد الإنهيار مباشرة، أدركنا أنّ انهيار كابول ليس حلّاً، بل كانت هناك حرب أهلية دموية للغاية.
إنّ كابول مدينة جميلة، لقد دُمّرت مدينتي الجميلة في تلك الحرب. ثمّ استولت طالبان على السلطة في العام 96. أتذكر أنّ كابول هذه المرة إذ كانت طالبان فقيرة جدّاً، وكان الناس أكثر فقراً في نظام طالبان، ثم أنّ نظام طالبان يتسم بالسياسات القاسية بالنسبة للسياسة في أفغانستان.
“في نظام طالبان السابق، كان لدينا فقط الحق في تنفس الأوكسجين”
إنّنا في نظام حركة طالبان السابق، كان لدينا فقط الحق في تنفس الأوكسجين.. أمّا ما تبقى فقد أخذ وسلب منّا بسبب أخطاء طالبان ووجود تنظيم القاعدة، وبعدها حصلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثمّ أطاحت أمريكا وبقية العالم بنظام طالبان.
وفجأة شهدنا في البلاد نهضة جديدة، حقبة جديدة، حقبة حديثة… فجأة أصبحت أفغانستان مدينة مزدهرة، المعاهد التعليمية فتحت أبوابها أمام النساء والفتيات، التلفزيون، وسائل الإعلام والطرقات والمطارات، فعلاً لقد أصبحت أفغانستان بلداً لطيفاً جدّاً جدّاً.
ويوماً ما كان هناك في جانب من البلاد قتال مع طالبان، نعم كانوا يقاتلون مع طالبان، فيما على الجانب الآخر، فقد كان هناك تقدّم، كانت هناك ديمقراطية، كانت هناك انتخابات، كان هناك نقاش في البرلمان، وقد اعتدنا الظهور في التلفزيون وانتقاد الحكومة والرئيس، وفجأة لم أستطع أن أصدق أنّ ذلك الشيء سيحدث.
اليوم استولت حركة طالبان على أفغانستان، وذلك شكّل لنا صدمة كبيرة، لقد نزل علينا كالكابوس. كما تعلمون، فإذا كنّا سنعود إلى حقبة القرن الثامن عشر، فإنّ الجميع قلق جدّاً. أنا كصحافي قلق، عائلتي قلقة وكل واحد منّا قلق بشأن سلوك طالبان مع الناس، والسلوك مع المجتمع الدولي.
منذ يوم أمس لم أستطع النوم… إنّ ما يحدث في كابول هو أنّ الناس يشعرون بالرعب. نتلقى مكالمات، نتصل بأصدقائنا وعائلتنا كي نطمئن على أحوالهم. لقد عايشت 4 انهيارات في كابول، لكنّ هذه المرّة هي الأسوأ في تاريخ أفغانستان الحديث لأنّنا في السنوات العشرين الماضية عملنا جاهدين وروّجنا لبلاد حديثة بشكل جيّد للغاية، فقد كانت هناك حرية جيّدة حقاً في الكلام.
كصحافي أنا حقّاً كنت أستمتع بالعمل في أفغانستان، وربما أقول إنّه في السنوات الخمسة أو الستة الماضية، لم يكن هناك صحافي في السجون على الرغم من وجود تمرّد وحشي لطالبان.
“في نهاية اليوم، وبعد 20 عاماً، عندما أنظر خلفي أشعر وكأنّني فقدت كلّ شيء”
أنا قلق للغاية، وأعتقد أنّنا فقدنا أفغانستان، وهذه المرة لا أعرف كيف نستعيدها. ما زلت أعتقد أنّ طالبان ليس لديها القدرة على إدارة الأمور، ولا تملك قدرة على تشغيل النظام، وهم لا يثقون بأيّ شخص آخر، يريدون كامل الكعكة في أيديهم، لذلك أعتقد أنّني لا أرى حقاً أيّ مستقبل أفضل لأفغانستان. نحن نترك أفغانستان بيد طالبان، المباني المرتفعة، المشاريع، الطرقات، لكنني لا أعرف ما الذي ستفعله طالبان بمستقبلنا.
أعتقد أنّ الجميع يطمع في بلادنا من الأفغان أنفسهم إلى الأمريكيين وصولاً إلى حلف شمال الأطلسي. في نهاية اليوم، وبعد 20 عاماً، عندما أنظر خلفي فأشعر وكأنّني فقدت كلّ شيء في مقامرة لم أكن أنا جزءاً منها، إنذه لمر محزن لغاية.