إيران تواجه ضبابية في المشهد السياسي والاقتصادي مع قدوم رئيسي
- أزمات عدة تواجه إيران في ظل هيمنة المحافظين على مفاصل الحكم
- عراقيل تواجه رئيسي فيما يخص تشكيلته الحكومية
- ظهور طالبان يخلق انقساما واضحا في السياسة الإيرانية
- إيران تلجأ لخرق الاتفاق النووي كوسيلة لتخفيف الضغوط الاقتصادية
لا زالت إيران تواجه الأزمة تلوى الأخرى داخلياً وخارجياً، وعلى مايبدو ستكون ولاية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي غير هادئة؛ كما كان يطمح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حيث إن رؤيته قامت على توجه مفادهُ أن سيطرة المحافظين على مؤسسات النظام قد تخلق حالة من الإستقرار السياسي كمدخل للإستقرار الإقتصادي والأمني، وهو مالم يتحقق حتى الآن، إذ شهدت الأيام الأولى من صعود رئيسي إندلاع الإحتجاجات المنددة بالوضع الإقتصادي والخدمي، سوءاً في الأحواز أو طهران العاصمة، إلى جانب دخول إيران الموجة الخامسة من جائحة كورونا، وما أفرزته من مخاوف بإمكانية إنهيار المنظومة الصحية في البلاد، ومن ثم بدأ محاكمة حميد نوري النائب الأسبق للمدعي العام في سجن كوهردشت في كرج، لدوره في جزء من عمليات إعدام جماعية، بموجب فتوى من الخميني عام 1988، أخيراً الهبوط الكبير في سعر العملة الإيرانية.
محاولات رئيسي المتعثرة
رغم محاولة رئيسي تجاوز هذه التحديات التي أصبحت تأكل شرعية النظام في الداخل والخارج، بالإسراع في تقديم تشكيلته الحكومية إلى البرلمان الإيراني من أجل المصادقة عليها، إلا إن خطوته واجهت عراقيل مهمة، وأهمها عدم قناعة البرلمان الإيراني بالعديد من الأسماء المرشحة، وتحديداً لوزارات الصحة والتربية والتعليم والزراعة وغيرها، هذا إلى جانب أسماء مطلوبة للأنتربول الدولي، ومنها أحمد وحيدي المرشح لوزارة الداخلية، والمتهم بتفجير أستهدف مركزاً يهودياً في بوينس أيرس عام 1994، فيما إقتصر إجماع البرلمان على أسم وزير الخارجية أمير عبداللهيان.
هذا إلى جانب تحدي آخر مهم، وهو صعود طالبان في أفغانستان، حيث شهدت المواقف السياسية الإيرانية إنقساماً واضحاً في هذا الخصوص، ففي الوقت الذي حذر فيه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي من هذا الصعود، لما يحملة من إيديولوجيا مناهضة للشيعة، رحبت من جانب آخر قيادات الحرس الثوري بهذا الصعود، وإعتبرته فشلاً أميركياً مهيناً، على حد وصف محمد رضا نقدي نائب منسق الحرس الثوري، إجمالاً تحاول إيران تجنب أي حالة تصعيدية مع حركة طالبان، لأنها تدرك أن الأمور ماضية نحو تأسيس إمارة جديدة تقودها الحركة في البلاد، ومن ثم فإن التصعيد معها، يعني أن إيران ستواجه في المستقبل دولة دينية متضادة معها مذهبياً، وقد تستنزف إيران كثيراً، وهي خشية ظهرت على تصريحات رئيسي الذي عد ضمان الإستقرار الحاجة الأولى لأفغانستان اليوم.
ولعلّ هذه الصورة تشير بدورها إلى الخشية الكبيرة التي يمثلها بروز دولة ذات هوية دينية مذهبية متشددة جديدة على الخارطة العالمية، وما يزيد من هذه الخشية أنها ستكون مجاورة لدولة ذات هوية دينية مذهبية راديكالية متضادة، وهذا ما يزيد من حساسية الموقف، فَفرص التعايش بين طالبان السنية وإيران الشيعية، قد لا تدوم طويلاً بعد وصول الحركة للحكم، ورغم علاقات التحالف التكتيكي التي جمعت الحركة بإيران في الفترة الماضية، إلا أن المستقبل قد لا يجد ضرورة لإستمرار هذا التحالف، أي دخول العلاقة بين الطرفَين في عهد جديدة من التعامل والتنافس، وهذا ما تدركه إيران جيداً.
العودة للتخصيب كمدخل للتصعيد مع الخارج
في خضم هذه التحديات الإقتصادية والأمنية، وتحديداً في الهبوط الأخير لسعر العملة الإيرانية، حيث بلغ سعر الدولار الأميركي الواحد نحو 260 ألف و500 ريال للشراء، مقابل 280 ألف ريال للبيع، وفي هذا الإطار؛ .وجدت إيران ضرورة العودة إلى لعبتها المعهودة لتجاوز هذه التحديات، والحديث هنا عن زيادة نسب تخصيب اليورانيوم وتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي، وذلك من أجل الضغط على الأطراف الأخرى في المحادثات النووية للتخفيف من شروطها، والعودة السريعة للمحادثات ورفع العقوبات التي أثقلت كاهل الإقتصاد الإيراني، حيث أشار التقرير الأخير الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الثلاثاء، إن إيران سرعت من وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة التي جعلتها قريبة من إمتلاك القدرة النووية، إذ زادت إيران من نسبة نقاء تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%، رداً على إستهداف المنشآت النووية، إلى جانب محطات تشغيل أجهزة الطرد المركزي، وقد أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء ما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الأخير، مطالبة طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، معتبرةً أن إيران ليست لديها أي حاجة فعلية لإنتاج اليورانيوم المعدني.
وبناءً على ذلك، تنتظر الولايات المتحدة طلباً إيرانياً بالجلوس على طاولة المحادثات من جديد في جولتها السابعة، ويمكن القول إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد العودة إلى الإتفاق النووي، لكن بنصوص أوسع وأطول أمداً، ولكن مع رئيس محافظ يؤمن بعقائدية المواجهة مع الولايات المتحدة، ووزير خارجية جديد مقرب من الحرس الثوري، تبدو الأمور معقدة بعض الشيء، ورغم تلويح الولايات المتحدة مؤخراً بضرورة الرد على إيران جراء هجومها الأخير على سفينة ميرسر ستريت قبالة سواحل عُمان، إلا إنها لا زالت تفتقر للإجماع الدولي حول هذه الخطوة، فإدارة بايدن يبدو إنها حتى اللحظة لم تبلور رؤية واضحة حول طبيعة الرد على إيران، وهو ما يؤشر إلى إن عجزها عن خلق إجماع دولي ضد إيران، في ظل تردد بريطاني واضح، قد يدفعها إلى إيكال مهمة الرد لإسرائيل التي يبدو إنها الأكثر حزماً في هذا الإطار، خصوصاً وإنها سبق أن شنت العديد من الهجمات الشبحية في الداخل الإيراني، سوءاً على مستوى إستهداف العلماء النوويين، أو تحقيق إختراقات إستخبارية في المواقع والمنشآت النووية، أو حتى في شن هجمات سيبرانية مؤثرة في الداخل الإيراني، إلى جانب عمليات التفجير في عرض البحر، وفي هذا السياق أيضاً صدرت العديد من المطالعات الصحفية الإسرائيلية، وتحديداً صحيفة “جيروليزم بوست” والتي ألقت الضوء مطولاً على الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، وإعتبرته المسؤول عن الهجمات التي تتعرض لها المصالح الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، ما يعني إنه قد يكون على قائمة الإستهداف الإسرائيلي فيما لو قررت إسرائيل ذلك.
الذي يبدو واضحاً هو أن الإصرار الإسرائيلي على الردّ، يوضِّح الرغبة الإسرائيلية في أن تنعكس عملية الردّ المفترضة بصورة مباشرة على المحادثات في فيينا، خصوصاً أنها سبق وأن أبدَت تحفُّظاتها على المسار الذي تجري بموجبه المحادثات النووية، وتحديداً التعهدات الأميركية التي تحفظ لإيران على الأقل الإحتفاظ بقاعدة نووية يمكن إحياءها في أي وقت تريده إيران، ومن المؤكد أن إسرائيل لا تريد أن يتم ذاك الأمر، وسوف تعمل على إجهاضه في أي مناسبة تُتاح لها، وهو ما تُحاول تأكيده في إصرارها الحالي بالردّ على إيران، في الزمان والمكان المناسبَين لها.
ومن خلال ما تقدّم، يمكن القول إن التحديات الداخلية والخارجية المعقّدة التي تعيشها إيران اليوم، ستجعل خامنئي يعيد الكثير من الحسابات السياسية، وتحديداً في طريقة تهريب المشاكل الداخلية وتصديرها على شكل مشاكل للخارج، وهذه العودة ستكون محكومة بحالة عدم اليقين التي تعيشها إيران، ففي الوقت الذي تزيد فيه إيران من نسب تخصيب اليورانيوم، نجدُ أن الضغوط الدولية تتزايد على إيران، وفي ظلِّ هذا التعقيد السياسي، سيظلّ ملف المواجهة الساخنة أو السلام المقلق في العلاقات الإيرانية الأميركية حاضراً بقوة على مسرح الأحداث الإقليمية، حتى تتّضح معالم الواقع المقلق المحيط بالنظام الإيراني.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أخبار الآن