إيران تراقب الوضع في أفغانستان

منذ أن سقطت أفغانستان مجددا بأيدي حركة طالبان لم تتوقف الأسئلة المتعلقة بالموقف الإيراني مما يجري في هذا البلد.

وهذا ليس بالأمر الغريب فالعلاقات بين إيران وأفغانستان علاقات قديمة وكانت هناك على الدوام مصالح إيرانية في أفغانستان.

تتأثر المصالح الإيرانية على الدوام مع كل تغيير يحدث في أفغانستان وهذا يتطلب من طهران أن تعيد النظر في مواقفها وإجراءاتها وما يجب أن تفعل أو لا تفعل إزاء ما يجري في أفغانستان.

وهذه المرة الأمر مختلف قليلا إذ على إيران أن تكون مستعدة لاتخاذ إجراءات قد تكون عسكرية وليس فقط إجراءات حدودية ومواقف سياسية.

ذروة المواقف الإيرانية تجاه أفغانستان قد تكون التدخل العسكري ولكن هل تسمح ظروف إيران بمثل هذا الإجراء؟ والسؤال المضاد هنا هل تستطيع إيران أن تقف متفرجة بينما تقوى تنظيمات إرهابية تعمل في أفغانستان سواء برضا طالبان أو بدون رضاها؟ من غير المتوقع أن تترك إيران أمور أفغانستان بدون أي تدخل ولا يمكن أن تترك الساحة الأفغانية لكي تنشط فيها تنظيمات تعادي إيران ومصالح إيران.

المقصود هنا داعش خراسان وبصورة اقل القاعدة، أما طالبان نفسها فإنها وان كانت تضايق إيران بعض الشيء فهذا يمكن السيطرة عليه والتعامل معه أما تنظيم داعش خراسان فهذا أمر آخر لن تقبل طهران أن يقوم هذا التنظيم بأي عمل معادٍ لها.

قد لا تكون مصلحة أحد رؤية حرب أهلية في أفغانستان لكن في حال وقعت فكل جيران أفغانستان سيتأثرون بذلك بصورة أو بأخرى.

لا شك أن إيران فوجئت بما وقع في أفغانستان فور الانسحاب الأمريكي، ولا شك أن تقديراتها الاستخبارية كانت تتوقع عودة طالبان إلى الحكم لكن المفاجأة كانت تتعلق بالسرعة التي عادت فيها طالبان.

فقد اعتقد كثيرون أن حكومة الرئيس أشرف غني قد تصمد بضعة شهور قبل أن تسقط أمام ضغط طالبان وزحفها وكانت هذه الأطراف تعتقد أنه بإمكانها ترتيب تسويات وتفاهمات مع طالبان قبل عودتها إلى السلطة، لكن كل ذلك لم يحدث وصار لا بد من التعامل مع الأمر الواقع بكل ما فيه.

برغم الترحيب بخروج الولايات المتحدة من أفغانستان إلا أن القلق خيم على النظام الإيراني الذي عليه إعادة حساباته.

فتأثير الانسحاب لن يكون كبيرا على السياسة الخارجية الإيرانية وعلاقات طهران مع الخارج إلا إذا تطور الخلاف مع طالبان إلى صراع مسلح وهذا امر مستبعد في الوقت الحاضر.

المصالح الإيرانية في أفغانستان عديدة لكن أكثر ما تخشاه إيران هو أن تنشط عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان إلى إيران حيث تعاني إيران من آفة المخدرات بشكل كبير والأرقام الرسمية تشير إلى أن خمسة في المئة من مجموع السكان تعاطوا المخدرات بشكل أو بآخر وخصوصا الأفيون. ولذا سيكون على إيران أن تحمي حدودها ضد تهريب المخدرات وضد تسلل الإرهابيين وتهريب السلاح.

ولأجل النجاح في هذا الأمر لا بد من تعاون إيراني مع طالبان بشكل من الأشكال وقد يكون ذلك على شكل تعاون في مكافحة خطر داعش خراسان التي بدأت منذ الانسحاب الأمريكي عمليات إرهابية قتلت فيها المئات لإشغال طالبان عن أحكام السيطرة على البلاد.

لا شك أن إيران ستواصل مراقبة الوضع في أفغانستان لكنها لن تنظر بعين الشماتة إذا ما قامت حرب أهلية أو حرب بين طالبان وداعش خراسان بل ستدخل إيران هذه الحرب إلى جانب طالبان للقضاء على داعش خراسان التي تسعى لإقامة خلافة في كابول تكون قاعدة لنشر الإرهاب في بقية المناطق وتشكل خطرا حقيقيا على إيران وعلى الأقلية الشيعية من الهزارا في أفغانستان.

تتدخل إيران لأنها لا تستطيع أن تركن إلى مبدأ دع الحيات تقتل العقارب فهي تحتاج التدخل في أفغانستان لمواصلة تجنيد مقاتلين في لواء “الفاطميون” الذي تستخدمه إيران في سوريا وقد تستخدمه في أفغانستان إن احتاجت.

وقد نشط الحرس الثوري الإيراني في السنوات الأخيرة بتجنيد عشرات الآلاف من هؤلاء ولا بد أن إيران تريد مواصلة ذلك ولأجل أن تغض طالبان الطرف على عمليات التجنيد ستقوم إيران بمساعدة طالبان ضد أعداء الداخل وتقايض على هذه المساعدة بضمان امن الحدود وربما بعض الاستثمارات الإيرانية التي تحتاج إليها أفغانستان.

داعش خراسان هي التحدي الأكبر أمام طالبان في أفغانستان ولا يمكن لطالبان أن يستقر حكمها وان تنتصر على تنظيم داعش في الداخل إلا من خلال التعاون الإقليمي وخصوصا مع إيران وهي الجار الأكثر اهتماما بمحاربة داعش. وقد جاءت التطورات في أفغانستان في وقت كانت فيه إيران مشغولة باختيار وزراء الإدارة الجديدة ومكافحة جائحة كورونا.

والرئيس الإيراني الجديد الذي تهيأ بعد تنصيبه لجبهتين هما الاقتصاد المنهار وجائحة كورونا المستشرية عليه الآن أن يستعد لفتح الجبهة الثالثة وهي التنظيمات الإرهابية في أفغانستان. وهمّ الإرهاب في أفغانستان سيكون هما إضافيا على النظام إلا يراني.

وبدل أن يكون الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلامة للشعب الأفغاني يبدو أنه أصبح علة أزمة جديدة تتولد على الساحة الأفغانية.

ولأن طالبان في أغلبها من البشتون وكذلك الجيش الأفغاني المنهار وبقية الأجهزة الحكومية فإن هذا قد يكون عامل ضعف أو عامل قوة.

تماسك البشتون والتفافهم وراء طالبان قد يكون عامل قوة أما إذا استطاعت داعش خراسان اللعب على وتر الخلافات العرقية والعشائرية واستطاعت تأليب القبائل الأخرى على البشتون فإن ذلك لن يكون في صالح طالبان على أي حال.

منذ البداية لم يكن هناك أي وفاق بين طالبان وداعش خراسان بل كان العداء مستحكما بينهما. وعندما دخلت طالبان إلى كابول وسيطرت على سجنها المركزي كان أول عمل قامت به قبل اطلاق السجناء هو قتل زعيم داعش خراسان المعروف باسم أبو عمر الخراساني وثمانية من مساعديه الذين كانوا معتقلين معه. وقد يكون قتل زعيم داعش خراسان هو الشرارة التي أطلقت العداء مجددا بين جماعته وطالبان.

معركة أفغانستان ستكون طويلة بالنسبة لإيران لأنها لن تكون الجبهة الوحيدة.

ولذلك قد تحتاج إيران لتوظيف علاقاتها الجيدة مع الصين وخصوصا بعد الاتفاق التجاري طويل الأمد بين البلدين لدعم الموقف الإيراني والمساعدة على حماية المصالح الإيرانية في أفغانستان. ولا بد أن الجميع سيظهر التعاون الجاد المطلوب لتثبيت حكم طالبان طالما أن هذا سيقضي على بؤر الإرهاب.