هل يتسبب التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لحرب أهلية جديدة في لبنان؟
وكأنه لا تكفيه أزمة الكهرباء ونقص الوقود والإفلاس وانهيار الليرة الآن جاءت أزمة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لتكشف حقائق وإن كانت معروفة وتؤكد شكوكا وإن كانت موضع يقين للكثيرين مستذكرين القول المأثور كاد المريب أن يقول خذوني.
يتعثر التحقيق في انفجار مرفأ بيروت للمرة الثانية بسبب مواقف حزب الله وحركة أمل.
وعندما أراد قاضي التحقيق استجواب بعض المسؤولين المنتمين للحزب غضب الحزب وشاركته الغضب حركة امل فنزل مناصروهما إلى الشارع في تظاهرة تطالب بإقصاء قاضي التحقيق متهمينه بتسييس القضية وعدم الحياد في التحقيق.
كان حزب الله يريد إسقاط القاضي مثلما فعل مع القاضي السابق فادي صوان في فبراير الماضي الذي تمت تنحيته تحت الضغط ويبدو من هذا التصرف أن الحزب يريد إسقاط أي قاضي تحقيق ليس على هواه إلى أن تذوب القضية بالتقادم.
كان المراد من التظاهرة دعم الدعوى التي رفعت لتنحية القاضي إلا أن محكمة التمييز رفضت الدعوى وسيواصل القاضي عمله ولم ينجح تهديد حزب الله في إسقاطه. وقد كان موقف كل من الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي حازما وحاسما في عدم التدخل في مسيرة القضاء مؤكدين استقلاله وحريته في اتخاذ قراراته.
جميع السياسيين في لبنان علقوا على الأحداث واستنكروا قتل المتظاهرين وتراشق الجميع الاتهامات ونأى الجميع بنفسه عن الخوض في احتمالات أن تكون هذه الاشتباكات بداية حرب أهلية جديدة فالجميع لا يريدها لكن الجميع على ما يبدو يستعد لها. واذا ما وقعت الحرب فلن يكون فيها غالب ولا مغلوب لأنه لن يكون بعدها لبنان الذي نعرفه.
في كل أزمة يهدد وزراء حزب الله وامل بتعطيل عمل مجلس الوزراء من خلال الاعتكاف والمقاطعة أو الاستقالة ويحرصون على القول أن الحزب لن ينجر إلى صراع داخلي ويتهمون جهات خارجية بتأجيج الخلافات وأن سلاحه لن يوجه إلى صدور اللبنانيين لكن أفعال الحزب على الأرض تشير إلى ما هو مغاير لجوهر هذه الأقوال المعلنة.
فلماذا يغضب حزب الله من مجرد استدعاء بعض عناصره القيادية للتحقيق أو لاستكمال التحقيق والوصول إلى الحقيقة؟ من الواضح أن تصرف الحزب وحركة امل يحمل شبهة العلم بالنتائج المحتملة للتحقيق وكعادته يحاول الحزب استباق الأحداث وتحويل الأنظار.
ما حدث في التظاهرة يشبه إشعال فتيل نار قرب مستودع وقود ولذا فالكل الآن مستعد لما هو أسوأ بدون الشعور بالمفاجأة.
فقد كان اختيار منطقة التظاهر أمرا محسوبا فهي حساسة طائفيا وذات ذكريات أليمة في تاريخ الصراع الطائفي في لبنان.
ولولا ضبط النفس الذي مارسته كل الأطراف وخصوصا الدولة والجيش اللبناني لما أمكن تطويق الحادث والجميع حاول الابتعاد عن فكرة التشبيه ببدايات الحرب الأهلية عام خمسة وسبعين. لكن على المستوى السياسي استمر تبادل الاتهامات. واخذ كل زعيم وكل مسؤول حزبي يكيل الاتهامات لخصومه بغير حساب وواصل إعلام حزب الله وحركة أمل توجيه الاتهام إلى القوات اللبنانية إلى درجة القول أن الذين اطلقوا النار من القناصة معروفين بالاسم.
ويرى خصوم حزب الله أن ما حصل هو مواجهة العدالة بمنطق انقلابي لإسقاط التحقيق في انفجار المرفأ. بل أن وزير العدل السابق اشرف ريفي اتهم حزب الله مباشرة بانه يحضر لانقلاب.
يخشى الرئيس اللبناني وكذلك البطريرك الماروني من انفلات الأمور وتدحرجها نحو المزيد من الانهيار ولذلك كانا واضحين في اتصالهما مع زعيم القوات اللبنانية وتحذيره وإيقافه عند حده وفق بعض المصادر الصحفية اللبنانية التي نقلت الخبر.
لكن رد جعجع كان مبطنا وغير مفهوم عندما قال أن السلاح المتفلت هو السبب الرئيسي في أحداث الطيونة. وهو يقصد سلاح حزب الله الذي يرفض التخلي عنه بحجة المقاومة.
عند مراجعة شريط الأحداث ومتابعة التصريحات المختلفة التي صدرت عن مختلف الأطراف نجد أن ما حدث لم يكن عفويا ولم يكن مجرد “فورة دم” بل كان مخططا له. فالمتظاهرون دخلوا منطقة تعتبر منطقة تماس أو تذكر بها وتظهر الصور التي انتشرت على السوشال ميديا انهم اخذوا يحطمون السيارات وكانوا يحملون سلاحا وبعضهم سلاحا ثقيلا.
من المعروف أن حزب الله وهو مدعوم مباشرة من طهران يكاد يسيطر على معظم مفاصل الدولة في لبنان ويتهمه بعض النواب بانه يريد إقامة نظام على غرار النظام الإيراني. ولأنه يشعر بقوته فإن الحزب كلما حدث امر لا يناسبه ولا يناسب أجنداته يرسل أنصاره إلى الشارع ليخلط الأوراق ويرهب القوى السياسية المنافسة له ويعيد الأمور إلى المربع الأول وبذلك فهو مثل من يشتري الوقت لتأجيل البت في أي قضية يرى أن نتائج التحقيق فيها قد تطاله أو تطال أنصاره ومؤيديه.
في خطابه المتلفز أكد الرئيس عون على استقلال القضاء وفصل السلطات وشدد على أن لا شيء يعلو على الدستور لا التهديد ولا الوعيد وفي هذا الكلام مؤشر خفي على بداية خلاف بين عون وحزب الله الذي كان خطاب أمينه العام تهديد ووعيد.
فإذا تفاقم هذا الخلاف وتحددت معالم التحالفات الجهوية والحزبية فما الذي يبقى بحاجة إلى إعداد لكي تقع الحرب الأهلية؟
التحالفات تكاد تكون واضحة. فالثنائي الشيعي حزب الله وحركة امل يقف إلى جانبهما تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية المعروف بارتباطه تاريخيا مع النظام السوري كذلك يقف معه قسم من الدروز بزعامة طلال أرسلان.
أما الفريق الآخر فيضم القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع ومعه ولو بصورة غير معلنة تماما حزب الكتائب وقد يقف معه التيار الوطني الحر ولكن التيار لأنه بزعامة الرئيس ميشال عون فليس سهلا عليه إعلان تحالفه مبكرا مع القوات اللبنانية. كذلك قد تقف باقي التنظيمات المسيحية مع القوات اللبنانية.
أما تيار المستقبل فموقفه غير واضح. وهو وإن كان يمثل السنة لكنه من الصعب عليه التحالف مع القوات اللبنانية وقد يكون اصعب عليه الوقوف محايدا ولذلك سيكون موقفه صعب جدا.
في ظل ظروف متوترة ما هو دور الجيش اللبناني في بسط سيادة القانون على كل أراضي لبنان ومنع الاحتكاكات بين المسلحين وحماية مستقبل البلاد؟
تدخل الجيش اللبناني بات أمرا ضروريا وعليه عدم تكرار غلطة السبعينات عندما رفض رئيس الوزراء في ذلك الحين استخدام الجيش لفرض الأمن والنظام فتفاقمت الحساسيات وانفجرت حرب أهلية استمرت خمس عشرة سنة.
قد يكون لبنان سائرا نحو انقسام طائفي شديد الوضوح واستقطاب حزبي لا تعرف نتائجه. وقد يظل الوضع في لبنان مفتوحا على كل الاحتمالات التي تتراوح بين الخوف من اندلاع حرب أهلية وبين اندلاعها بالفعل ومع أن الكل يعلن عدم رغبته في الانجرار للحرب لكن لا يبدو أن أحدا يعمل على منعها.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن