ماذا بعد محاولة اغتيال الكاظمي؟
عندما يقول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد فشل محاولة اغتياله أن الصواريخ والطائرات المسيرة لا تبني أوطانا ولا تبني مستقبلا فهو بالتأكيد يشير إلى جهة عراقية يعلمها أو على الأقل يستطيع أن يحددها. وبذلك يكشف الكاظمي أن الدولة العراقية تعرف الجهة التي تقف وراء الهجوم الفاشل وسيتم الكشف عنها وملاحقتها واتهمها بانها تحاول العبث بأمن العراق وتحويله إلى دولة عصابات.
ويشير الكاظمي إلى بناء الوطن عبر احترام الدولة والمؤسسات وفي هذه العبارة تكمن معان خفية وإشارات إلى الجهات التي لا تحترم الدولة ولا تحترم مؤسساتها بل تسعى إلى إقامة سلطة خاصة بها تستمد قوتها من الخارج.
معروف عن الكاظمي انه كان مديرا للاستخبارات العراقية وهذا يعني انه يعرف الكثير من التفاصيل المتعلقة بالمليشيات وعلاقاتها سواء بإيران أو غيرها وهذا أمر قد لا يكون مرضيا لهذه المليشيات. كذلك ومنذ تسلمه منصبه رئيسا للوزراء في العراق في نيسان من العام الماضي حاول الكاظمي العمل بهدوء على إبعاد العراق عن إيران من خال التقرب إلى البلدان العربية والتنسيق مع الأردن ومصر في اطار جهد من التكامل الاقتصادي الذي يخدم الدول الثلاث ولا يربط العراق بإيران أو يبعده عن محيطه العربي. كذلك عمل الكاظمي على استضافة محادثات إيرانية سعودية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين البلدين لأجل تحقيق مصالحة بينهما.
وفي الداخل عمل الكاظمي على محاولة ضبط إيقاع الحكم وتوفير الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات عامة ولو كانت مبكرة. ومنذ مجيئه إلى السلطة بدأت تظهر في العراق مواقف سياسية ترفض الارتباط بالسياسة الإيرانية وتسعى إلى بناء دولة عراقية قوية. وقد أظهرت الانتخابات التي جرت في شهر أكتوبر الماضي نفورا شعبيا من الميليشيات وخصوصا تلك المرتبطة بإيران والمؤيدة لها فخسرت هذه المليشيات الكثير من مقاعدها في البرلمان الأمر الذي دفعها وأنصارها للنزول إلى الشارع واختلاق حالة من الفوضى لم تكن مقبولة.
وقد كان ملفتا انه بعد تلك الانتخابات ونتائجها التي لم ترضي المليشيات صدور تهديدات باستخدام طائرات مسيرة من قبل بعض التنظيمات الموالية لإيران. والجهة العراقية عدا الدولة التي تملك طائرات مسيرة هي إما داعش أو الحشد الشعبي. أما داعش فهي بعيدة عن بغداد بعد أن تم كسر شوكتها في العراق وهذا في الأصل ليس أسلوبها في عملياتها الإرهابية.
ربما تحولت الأنظار في البداية إلى الجماعات الإرهابية مثل داعش لكن تصريح رئيس الوزراء العراقي يبعد الشبهة عن التنظيم في الوقت الراهن على الأقل ويدفع للتفكير في أن الذين يقفون وراء المحاولة هم جهات أو جهة عراقية. قبل يومين من المحاولة الفاشلة كانت هناك اشتباكات مسلحة بين القوات الحكومية وميليشيات موالية لإيران خسرت في الانتخابات الأخيرة.
فهل تكون هذه الجهة هي من الفصائل التي خسرت في الانتخابات وتريد تسجيل هدف ضد رئيس الوزراء الذي اصر على إجراء الانتخابات؟
قد يكون من السهل توجه التهمة بمحاولة الاغتيال الفاشلة إلى أي فصيل عراقي يعارض سياسة الكاظمي أو يشعر بالهزيمة أمام جهوده في بناء الدولة العراقية بعد فترة الفوضى التي مرت بها. وبما أن الدولة العراقية لم تكشف عن الجهة التي تقف وراء المحاولة فليس سهلا التخمين أو توجيه الاتهام من دون وجود الأدلة والبراهين لكن الجهات الرسمية تستطيع بعد التحقق من التفاصيل أن تؤشر إلى الجهة التي كانت وراء المحاولة.
يمكن أن تصل التقديرات إلى جهة عراقية متنفذة وذات ارتباط مع الخارج ولا تخفي ذلك الارتباط. كذلك هي جهة تملك طائرات مسيرة وتعرف تفاصيل تحركات رئيس الوزراء وفي الوقت نفسه غاضبة منه ورافضة لتوجهاته ومعترضة على نتائج الانتخابات. فهي لذلك تريد أن تقلب الطاولة على رئيس الوزراء الذي يمضي في مشروعه لبناء الدولة العراقية الجديدة بكل جدية.
في العادة تتكشف خيوط العمليات من هذا النوع وتفاصيلها ببطء شديد في ضوء عدم إعلان أي جهة عن مسؤوليتها عن العملية. فقد نسبت بعض مصادر الأخبار إلى جهة رفضت الكشف عن هويتها أن تحليل قطع الطائرات المستخدمة في العملية والتي تم إسقاطها تشير إلى أنها من صنع إيراني وبالتالي يمكن التخمين بان الجهة التي تقف وراء العملية هي جهة مرتبطة بشكل أو باخر بإيران ولها مصالح مشتركة معها.
أما إيران فتحاول أن تنأى بنفسها عن المحاولة وأرسلت قائد فيلق القدس إلى بغداد ليدين المحاولة من هناك ويصرح بان إيران ليس لها أي علاقة بالعملية. واصطفت إيران مع سلسلة الدول العربية والأجنبية التي دانت المحاولة وأعربت عن دعمها الكبير للعراق وللكاظمي شخصيا.
يخشى كثيرون سواء من العراقيين أو غيرهم أن تكون هذه المحاولة مع أنها فشلت مجرد بداية لسلسلة من المحاولات المشابهة لإغراق العراق في فوضى تشبه تلك التي أعقبت سقوط النظام السابق عام ألفين وثلاثة. وقد تكون لهذه المحاولة ما بعدها وقد يشهد العراق تحولات جذرية في المجالات السياسية والأمنية. ولا أحد يريد أن يرى العراق يسقط في هاوية الفوضى والاغتيالات والصراعات الطائفية. وإذا لم تستطع الدولة معالجة الأمر بحزم يناسب خطورة المحاولة فقد ينجر العراق إلى دوامة من الفوضى وأعمال عنف لا يمكن السيطرة عليها وتنقل العراق إلى حالة من الانهيار الأمني والسياسي لا خروج منها في المدى المنظور.
ولكن قد تكون معالجة الدولة العراقية للأمر هذه المرة سببا للهدوء والاستقرار واستعادة الوعي بضرورة العمل الجاد لأجل بناء دولة قوية مستقرة. واذا ما استطاع الكاظمي أن ينجح في استعادة زمام المبادرة وتعزيز سيطرة الحكم يكون قد تمكن من وضع العراق على بداية طريق جديدة من أجل دولة قادرة ذات سيادة وهيبة.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن