روسيا وأوروبا.. هل تسير الأمور نحو الحرب؟

تثير الحشود والتعزيزات الروسية التي تتواصل على الحدود الأوكرانية وقد بلغت مئة وعشرين ألف رجل حسب ما أعلنته أوكرانيا ليس فقط قلق أوكرانيا بل أيضا قلق الغرب عموما الذي يتوقع قيام الجيش الروسي باجتياح المناطق الشرقية من أوكرانيا.

وتقترب روسيا من استكمال استعداداتها على الحدود وقد تحدثت تقارير استخبارية غربية عن أن روسيا تنوي حشد مئة وخمسة وسبعين ألف رجل على حدود أوكرانيا وهذا رقم يشير إلى وجود تحرك فعلي محتمل. ومن ضمن الحشود دبابات وآليات مدرعة تقوم بمناورات متعددة قريبا من الحدود وصواريخ متقدمة جدا ارض جو.

لكن كيف تفكر روسيا بشأن ما ستقوم به ضد أوكرانيا؟ لا يمكن لاحد أن يعرف حقيقة التفكير الروسي المعروف عنه الغموض التقليدي والمفاجآت وهذا ما يقلق الغرب. فقد يكون الحشد مجرد تظاهرة عسكرية بهدف الردع والتخويف لإثبات القدرة على العمل العسكري والتحرك عند اللزوم ليكون ذلك عامل ضغط إضافي على أوكرانيا وعلى الغرب.

تستشعر روسيا خطر التحالف الغربي باقتراب حلف الناتو من حدودها الغربية بعد أن  طلب الرئيس الأوكراني الانضمام إلى الناتو واكد وزير الدفاع الأوكراني أن بلاده ماضية في هذا الاتجاه مهما حصل. وهذا ما اشعل فتيل الأزمة مع موسكو. تعتقد روسيا أن أوكرانيا ستخرق الخطوط الحمر في العلاقات معها إن هي انضمت إلى حلف الناتو لأن هذا سيجلب الحلف إلى عتبات روسيا بما يشكل خطرا حقيقيا عليها وهو أمر لن تقبل به روسيا حتى لو خاضت الحرب.

المطلب الرئيسي الذي تسعى إليه روسيا هو إلغاء طلب انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ولا تستطيع روسيا أن ترى أوكرانيا عضوا في الحلف وتبقى مكتوفة الأيدي. ولن تستطيع أن تخوض حربا ضدها إذا كانت عضوا في الناتو ولذلك إذا لم تحصل روسيا على تعهد أميركي وغربي وأوكراني بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو فقد تغامر وتجتاح مناطق شرقي أوكرانيا وتبقى فيها.

فهل يمكن للولايات المتحدة أن تقدم إلى موسكو مثل هذا التعهد؟

المؤكد أن هذا يدخل في اطار المستحيلات. ففي الاجتماع الأخير بين الرئيسين الأميركي والروسي عبر تقنية الاتصال المرئي حذر الرئيس الأميركي نظيره الروسي من التمادي في استفزاز أوكرانيا وهدد بأنه ستكون هناك عقوبات اقتصادية لم يحدث مثلها من قبل في حال قيام روسيا باي عمل عسكري ضد أوكرانيا. وقال بايدن بعد الاجتماع أن بوتين فهم الرسالة.

لكن بايدن اكد من جديد أن روسيا ستدفع ثمنا باهظا جدا إذا ما قامت بغزو أوكرانيا. ومع انه قال أن إدارته لن ترسل قوات أميركية لحماية أوكرانيا لأن التزامات الحلف هي تجاه أعضائه فقط إلا أنه هدد بانه والحلف قد يرسل قوات إلى أعضاء الناتو في شرقي أوروبا لحمايتها من روسيا.

فهل يمكن لهذا التصريح أن يردع الرئيس بوتين على المضي قدما في خططه لمهاجمة أوكرانيا؟ أم يستفزه باتجاه الحرب؟

الأمر ليس بهذه البساطة فهذه دول كبرى واستخدام السلاح في صراعاتها سيقود إلى كوارث عليها وعلى العالم. فاذا ما تم الاجتياح واضطرت الولايات المتحدة أو حلف الناتو إرسال قوات لدعم أوكرانيا فهذا سيجر أوروبا كلها إلى حروب في غير وقتها والعالم في غنى عنها ولا يستطيع تحملها مع الظروف التي يمر بها العالم سواء تلك الظروف الاقتصادية الصعبة أو ظروف جائحة الكورونا. فتورط الولايات المتحدة في حرب مع روسيا بخصوص أوكرانيا قد يجر الصين لدعم روسيا وهذا ما سيفاقم الموقف وينقله إلى حال لا يمكن إصلاحه في المدى القريب. لذلك قد يكتفي الغرب بإرسال أسلحة وعتاد إلى أوكرانيا وفرض العقوبات ضد روسيا.

إلى جانب هذا كله تصر موسكو على أنها لا تفكر أبدا في غزو أوكرانيا وتتهم أوكرانيا وحلفاءها بانهم يقومون بأعمال عدائية ضدها. وقد رفض الرئيس بوتين التكهنات التي تشير إلى احتمال قيام روسيا بغزو أوكرانيا واعتبرها تحريضية. بطبيعة الحال لا يمكن أن يقول بوتين انه سيقوم بغزو أوكرانيا لكنه قال ما يشير إلى ذلك عندما اكد أن روسيا لن تظل مكتوفة الأيدي حتى يصل التحالف العسكري الغربي إلى حدودها. ومعنى هذا أن بوتين استقر على رأيه بأن عملا عسكريا مباشرا هو الكفيل بتحقيق الأهداف الروسية المتعلقة بأوكرانيا.

لا شك أن بوتين يريد إقلاق الغرب وإشعاره بوجود روسيا وأهميتها. كما انه يريد تخويف أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى حلف الناتو وتهديدها بان شرق أوكرانيا يجب أن يعود إلى روسيا وأي محاولة أوكرانية لاستعادة المنطقة من المتمردين سيكون لها عواقب وخيمة.

مع استمرار الأزمة هناك ثلاث احتمالات أولها أن تذعن روسيا للتهديد الأميركي وتسحب قواتها عن الحدود الأوكرانية ويعود كل شيء إلى ما كان عليه. لكن هذا الاحتمال في الحقيقة هو آخر ما يمكن أن يفكر فيه الرئيس بوتين. فهو قد أرسل قواته في مهمة يعرف حدودها ولن يعيد قواته من دون تحقيق أي هدف ولن يقبل بإظهار أي خضوع للغرب مهما كلفه ذلك.

أما الخيار الثاني فهو حملة دبلوماسية بقصد مصالحة روسيا وأوكرانيا وتعهد غربي واضح بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. لكن من المستبعد أن تقدم الولايات المتحدة مثل هذا التعهد. وقد قال مسؤول كبير في البيت الأبيض أن عضوية الناتو يقررها أعضاء الناتو وليس روسيا.

ويبقى الخيار الثالث وهو الأخطر أي أن تضرب روسيا بكل شيء عرض الحائط وتغزو أوكرانيا وعندها يكون قد فات الأوان ووقعت الفأس بالرأس. من الواضح أن روسيا تستعد لعمل عسكري وإن لم تصرح بذلك. وهذا العمل العسكري قد يكون غزوا شاملا أو محدودا وقد يتخذ هذا الغزو شكل ضربة خاطفة لكنها قوية جدا باستخدام قوة نيران هائلة كما هي عقيدة الحرب الروسية توقع بأوكرانيا هزيمة كبرى تدفعها لإعادة حساباتها.

قد تبدأ العملية بحسب المحللين الغربيين بقصف جوي وصاروخي هائل يستهدف مستودعات السلاح والذخيرة والقوات المتحصنة الأمر الذي سيشل الجيش الأوكراني ويمنعه من الحركة. وبهذه الطريقة توقع روسيا اكبر قدر من الدمار في أوكرانيا بوقت قصير جدا لا يتجاوز ساعة من الزمن.  باستخدام أسلوب الصدمة والترويع يمكن للقوات الروسية أن تحقق أهدافها بكسر صمود أوكرانيا ودفاعاتها.

ما زالت نوايا موسكو غير واضحة لكن التوتر صار أمرا واقعا واحتمال اشتعال الجبهات قد يكون مسألة وقت. المحللون الغربيون يعتقدون أن كل المؤشرات موجودة وكل الدلائل تشير إلى أن هجوما روسيا شاملا لاجتياح شرق أوكرانيا قد يتم بالتزامن مع بدء أولمبياد الشتاء في بكين الذي سيكون في الأسبوع الأول من شهر فبراير القادم.

لا تستطيع أوكرانيا الصمود بدون دعم مباشر من الغرب فاذا جاء هذا الدعم في الوقت المناسب قبل أي هجوم روسي وتمكنت أوكرانيا من الصمود وصد القوات الروسية وإطالة أمد الهجوم فقد تدفع روسيا ثمنا باهظا لمغامرتها وتندم على فعلتها حيث لا ينفع الندم.