لماذا تتدخل روسيا في كازاخستان؟
منذ بداية العام الجديد والاضطرابات والمواجهات تجتاح كازاخستان برغم البيانات الرسمية باستعادة السيطرة على الأوضاع.
وجه الخطر في الأمر أن الرئيس قاسم توكاييف وصف المحتجين بأنهم عصابة إرهابية دولية تدربت في الخارج وما تفعله يعتبر عدوانا على الدولة.
وقد أصدر أوامره بإطلاق النار على المسلحين وقتلهم.
ويرى الرئيس أن ما يجري الآن في بلاده يشكل لحظة مأساوية سوداء في تاريخها مؤكدا رفضه التام للحوار مع من أسماهم بالمجرمين.
البداية كانت الاحتجاج على رفع أسعار الوقود إلى الضعفين لكن انتشارها السريع وتحولها للعنف والمواجهات المسلحة يضع علامة استفهام على حقيقة ما يجري في أحد أهم بلدان آسيا الوسطى الغني بالنفط والغاز واليورانيوم.
فكل إجراءات الحكومة لم توقف الاحتجاجات التي تحولت من احتجاج على رفع الأسعار إلى احتجاجات للمطالبة بإقصاء الفاسدين وإصلاح النظام السياسي.
وما يحدث الآن في كازاخستان يعتبر غير مسبوق.
هدف المعارضة الآن ليس فقط الرئيس ونظامه ولكن أيضا الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف الذي حكم البلاد ثلاثين عام ولا يزال يتحكم بالسلطة من وراء الكواليس ويحظى بدعم خفي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومع أن الحكومة أعادت الأسعار القديمة بسرعة وأقالت الحكومة وشكلت لجنة للتحقيق إلا أن الاضطرابات لم تهدأ الأمر الذي يشكل تهديدا جديا للرئيس توكاييف.
حجة رفع الأسعار ربما كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة لكن من الواضح أن القلوب معبأة ضد النظام فانتشار الفقر والفساد والشعور بالتمييز ضد الطبقة الفقيرة مقابل امتيازات طبقة مقربة من النظام تخلق احتقانا شعبيا ينفجر على شكل اضطرابات لا تهدأ قبل أن تسيل دماء كثيرة. وهذا الاحتقان الشعبي هو الذي يدفع المحتجين لتحطيم الممتلكات العامة والخاصة وتعطيل الحياة العامة ومهاجمة مراكز الشرطة ومؤسسات الدولة.
التأثيرات السلبية لهذه الاضطرابات لا تقتصر على كازاخستان وحدها. فالبلاد تقع جنوبي روسيا ولها حدود مشتركة بطول يقترب من سبعة آلاف وخمسمئة كيلومتر وما يحدث فيها له تأثير مباشر على روسيا خصوصا أن قسما من شعب كازاخستان يتحدر من أصول روسية. وفي البلاد نظام أمني محكم بناه الرئيس السابق نزارباييف ويمكنه القضاء على أي تمرد مثل الذي يجري الآن لكن ما تخشاه روسيا وهي الحليف الأقرب إلى كازاخستان هو امتداد الاحتجاجات إلى غيرها من دول آسيا الوسطى قبل قمعها تماما في كازاخستان وبذلك قد يفلت زمام الأمور وتغرق المنطقة في وحل اضطرابات عرقية واجتماعية وسياسية لا تنتهي. وقد تصل الأمور إلى سقوط أنظمة هذه الدول التي تعتبرها روسيا ضمن مجالها الحيوي وقد تصل نيران هذا السقوط إلى روسيا نفسها.
من هنا يمكن تفسير مسارعة روسيا للتدخل إلى جانب النظام الذي طلب مساعدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تتزعمها روسيا وتضم إلى جانب كازاخستان عددا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى. ربما كان هذا التدخل العسكري المباشر الذي تسميه موسكو عملية أمنية لم يكن خيارا سهلا لكنه كان أمرا ضروريا لحماية مصالح روسيا الاستراتيجية في الإقليم والمحافظة على نفوذها ومواجهة ما يصفه الرئيس توكاييف بالإرهاب المتسلل من الخارج. لكن الصحافة الغربية اعتبرت هذا التدخل بمثابة صب الزيت على النار مع أن روسيا تسميها قوات حفظ السلام وجاء تدخلها بطلب من الرئيس الكازخي ويشمل قوات من أكثر من دولة من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ربما فوجئت روسيا بما يحدث في كازاخستان وهي المشغولة بأزمة أوكرانيا ولذلك ليس أمام التدخل الروسي الآن سوى أن ينجح في مساعدة نظام كازاخستان في إعادة السيطرة على البلاد لأنه يعتبر امتحانا لمدى قدرة روسيا على المحافظة على تماسك تحالفها مع دول المنطقة. ولان موسكو تريد أن تنجح في أول تدخل خارجي لقوات التحالف الجديد فقد تمت الاستجابة بسرعة قياسية وأقيم جسر جوي لنقل أكثر من ثلاثة آلاف رجل وقد أكدت موسكو أن إرسال هذه القوات جاء لحماية المنشآت الاستراتيجية والمراكز العسكرية والأمنية.
لا بد أن نتذكر أن تحالف روسيا مع كازاخستان قديم ويحظى الرئيس توكاييف بدعم روسي يعمل على تثبيت حكمه. ومن المعروف أن روسيا تنظر إلى أساليب الحكم القمعي في الدول الحليفة لها على أنها دعم للاستقرار ومحافظة على الوضع الراهن وأي اختلال في هذا الوضع يدفع روسيا للتدخل مهما كان ذلك مكلفا. ليس من الضروري أن يكون رئيس تلك الدولة الحليفة عميلا لموسكو أو تابعا لها لكن سكوت موسكو على الإطاحة به يفسح المجال للقوى المتطرفة المعادية لروسيا بالظهور وقد يتبع ذلك ظهور إرهابيين لذلك تسعى موسكو لإنقاذ نظام كازاخستان بأي ثمن مثلما فعلت لإنقاذ نظام بيلاروسيا.
بهذا التدخل أرادت روسيا شراء ثقة كازاخستان وإظهار التكاتف والدعم لدولة حليفة لكي تكون النتيجة في النهاية لصالح روسيا وتتعمق العلاقات بين الجانبين الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي على موقف روسيا إزاء الأزمة المتعلقة بأوكرانيا. هذا التدخل الروسي محفوف بالمخاطر ولا بد أن موسكو تدرك ذلك وعليها أن لا تتوسع في جعل إقامة هذه القوات في كازاخستان إقامة دائمة لأن شعب كازاخستان لا يحب الروس كثيرا.
التساؤل الذي يخشاه الكثيرون هو هل تغرق موسكو في مستنقع كازاخستان إذا طالت الأزمة؟ هل تنجر روسيا تدريجيا إلى مزيد من التدخل؟ ولكن هل يفتقد بوتين الحكمة لكي يغرق بلاده في مشكلات دول الجوار إلى هذا الحد؟ ما يريده بوتين هو المحافظة على نفوذ موسكو في آسيا الوسطى والنجاح في إخماد انتفاضة كازاخستان ليكون ذلك ورقة رابحة في يده يلعبها على طاولة أزمة أوكرانيا فاذا استطاع تحقيق ذلك ببضعة آلاف من الجنود أرسلها إلى كازاخستان فإنه لن يغامر بالمزيد.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.