العالم الغربي يواجه محاولات التمدد من جانب روسيا والصين
جاءت قمة بكين يوم الجمعة الماضية بين الرئيسين الروسي والصيني في وقت حرج وحساس وبخاصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعيش بلاده حالة أزمة وتوتر مع الغرب بسبب أوكرانيا.
الملفت في القمة هو البيان المشترك الطويل نسبيا الذي صدر بعدها وأكد على وقوف الصين إلى جانب روسيا ودعمها غير المحدود لها في مواجهة الولايات المتحدة وعقوباتها المحتملة.
كان البيان المشترك بمثابة إعلان تحدي للولايات المتحدة والناتو والغرب عموما، وفيه أعلنت الدولتان معارضتهما الشديدة لتدخل القوى الخارجية في شؤونهما الداخلية وكذلك معارضتهما الشديدة لتوسع الناتو شرقا الذي يؤثر على الصين مثلما يؤثر على روسيا.
وفي لفتة واضحة أشبه بالتحذير أعلن البيان نية البلدين تعزيز علاقاتهما في مجالات الأمن والتجارة والدبلوماسية لأن الصداقة بين البلدين بحسب البيان لا حدود لها تكشف طبيعة العلاقات العميقة والوثيقة بينهما والالتزام الكامل بتطويرها وتعزيزها لكن البيان لم يتحدث عن تحالف صريح بين الجانبين.
كيف يمكن تفسير هذه المواقف الصينية المؤيدة لروسيا؟ من الواضح أن روسيا تريد العودة إلى تمتين علاقاتها مع الصين وتعزيز شراكة استراتيجية معها مثلما قال بوتين في مقاله الذي نشرته له وكالة الأنباء الصينية عشية وصوله إلى بكين.
فقد ثمن بوتين هذه الشراكة المتجسدة في تجارة بينية تصل إلى مئة وأربعين مليار دولار في السنة ويطمح بوتين في إيصالها إلى مئتي مليار دولار.
العداء لأمريكا هو الأرضية المشتركة التي أكد عليها الرئيسان في قمة بكين. ومثلما تعتبر روسيا أن أوكرانيا أو أجزاء كبيرة منها تعد جزءً من روسيا ثقافيا وتاريخيا فإن الصين تعتبر تايوان جزءا لا يتجزأ من الصين.
وبينما تراقب الصين ما يجري بين روسيا والغرب بخصوص أوكرانيا فإن تايوان تدور في مخيلة بكين طامحة باستعادتها في الوقت المناسب.
تنظر الصين إلى التوتر الروسي الأمريكي بشأن أوكرانيا على انه اختبار لمدى نفوذ الولايات المتحدة ومدة تأثيره في تحويل أنظار الإدارة الأمريكية عن محاولات الصين استرجاع تايوان.
وقد سبق للصين أن أعلنت دعمها لمواقف روسيا وانضمت إليها في محاولة لعرقلة اتخاذ أي إجراء بشأن أوكرانيا في مجلس الأمن.
زيارة بوتين إلى بكين تدخل في إطار حشد الدعم لموقف موسكو بخصوص أوكرانيا، فالولايات المتحدة ردت بأن عضوية الناتو أمر يخص الناتو وحده.
هذا الرد على تساؤلات روسيا لم يكن مرضيا بالنسبة للرئيس بوتين الذي يرى أن واشنطن اختارت تجاهل المخاوف الأمنية لروسيا واتهم الولايات المتحدة بانها تستخدم أوكرانيا أداة لجر موسكو إلى نزاع مسلح. ومع استمرار توجيه الاتهامات لروسيا بزيادة حشودها تواصل موسكو نفي الاتهامات.
وبينما تواصل الولايات المتحدة نشر أسلحة في دول الناتو القريبة من روسيا تتدفق الأسلحة إلى أوكرانيا.
وتصر موسكو على أن قيام الناتو بنشر صواريخه بالقرب من حدود روسيا يشكل خطرا مباشرا عليها. هذا الموقف الروسي سيضع المزيد من العراقيل في طريق إيجاد حل للازمة.
يبدو تحدي الرئيس الروسي بخصوص أوكرانيا غير عادي، فما الذي يقف وراء ثقته الزائدة بنفسه برغم التهديدات الأميركية والحشود الأطلسية التي أرسلت إلى دول الحلف في شرقي أوروبا؟ هل حساباته دقيقة إذا ما اندفع في مغامرته أم أنه زعيم ممتلئ بالغرور وان مستشاريه لا يقولون له إلا ما يرغب بسماعه؟
هل ما يقوم به مجرد مواقف استعراضية وهو متخذ قراراه بعدم الدخول في مواجهة عسكرية حقيقية لكنه يحاول إثارة الناتو بقصد منعه من ضم أوكرانيا؟
حتى الآن الإجراءات الأمريكية تقتصر على دعم أوكرانيا دون التدخل المباشر بالإضافة إلى التهديد بالعقوبات الاقتصادية.
لكن الرئيس بوتين على ما يبدو عمل حساب كل شيء، فعلاقاته مع الصين ستفتح له سوقا للغاز الروسي بديلا عن السوق الأوروبية في حال توقفت أوروبا عن استيراده.
وقام بتعزيز الصناعات الروسية لتصبح بديلا عن المستوردات من الغرب، وضمن واردات تكنولوجية من الصين بدلا منم الواردات الأمريكية في هذا المجال.
كذلك عمل على تحويل القروض الداخلية التي كانت بالدولار إلى الروبل، واتفق مع الصين على تحويل التبادل التجاري بين البلدين ليكون بالعملات الوطنية وليس الدولار.
وستكون الصين البوابة التي قد تنقذ روسيا من تداعيات العقوبات الأمريكية. لكن إلى متى تستطيع روسيا الاعتماد على هذا السيناريو في تفادي العقوبات إن وقعت؟
من بين العقوبات التي لن تجد روسيا بديلا لها هي فصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع الدولي السريع (سويفت) وفرض عقوبات على المصارف الروسية ووقف نشاطها في الخارج وتجميد أرصدتها. قد تعتمد روسيا على مخزونها من الدولارات الذي يصل إلى حوالي ستمئة وثلاثين مليار دولار ولكن إلى متى يمكن لهذا الرصيد أن يكفي الاقتصاد الروسي؟
التساؤل الآن هل ستشارك الدول الأخرى الولايات المتحدة في عقوباتها؟ ربما تفعل ذلك بعض الدول لكن العقوبات لن تكون ملزمة لجميع الدول لأنها بالتأكيد لا يمكن أن تصدر عن قرار من مجلس الأمن لأن مثل هذا القرار سيواجه بالفيتو الروسي أولا وربما بالفيتو الصيني أيضا.
لا شك أن طبول الحرب تقرع الآن في شرقي أوروبا، وتتسرب أنباء ومعلومات مليئة بالتحذيرات والاتهامات والسيناريوهات آخرها أن روسيا ستنشر فيديو مفبركا لهجوم أوكراني يكون ذريعة لبدء هجومها وغزوها لأوكرانيا.
ولكن هل تتحمل أوروبا حربا جديدة؟ وفي حال وقوع الحرب بين روسيا وحلف الناتو في أوروبا الشرقية من يضمن عدم امتداد نيرانها إلى مناطق أخرى من العالم وتحولها إلى حرب عالمية ومن ثم إلى حرب نووية؟
هل يمكن أن يكسب أحد من الأطراف هذه المعركة بسهولة بدون خسائر فظيعة ومروعة؟ غني عن القول أن إشعال حرب في أوروبا ليس بالأمر المحمود وليس من ورائه إلا الخراب والدمار ولن يكون من السهل وقف مثل تلك الحرب بعد اندلاعها.