في المقال الأول عن ويجز، حاولت تدقيق المعلومات بعد قراءة ومشاهدة كل ما قاله وقيل عنه منذ ظهوره تقريباً، فكانت النتيجة هي اكتشاف أنه ليس خريج الجامعة الأمريكية بل فشل في تعليمه، ولم يكن في منصب مرموق بشركة فودافون، وكان يدرس ويعيش في العجمي وليس في الورديان، وأن الواقعة التي رواها عن خال زميله الذي علمه الراب في الثانوية العامة غير حقيقية، كل هذا بالنسبة لـ “ويجز” لا يساوي شيئاً فهو الآن أصبح نجماً، وبالمناسبة، محمد صلاح أيضاً لم يكمل تعليمه، وشق طريقه إلى أوروبا في سن صغيرة ويتقن الإنجليزية الآن بطلاقة، كل هذا لا يهمه، فهو أصبح نجماً.
يظن البعض أن ويجز كظاهرة لا يستحق كل هذا الجهد، وأن هناك من هم أولى بالكتابة عنهم، لكن الأرقام والمعلومات وما وراء الكواليس والجيل الذي يسمعه، يجعلون من دراسة قصته أمراً ضرورياً. لا شك أن هناك مساحات شاسعة بين الأجيال، فويجز وجيله يختلفون عن أجيال سبقتهم أو أخرى ستلحق بهم، في النهاية نجح ويجز كمغني راب وبات قادراً على شغل الرأي العام وتصدر التريند لأيام، فأردت ألا تصبح الأكاذيب حقائق بتكرار نقلها.
ويجز والمال
منذ بضع سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لم يكن يدرك فنان الراب المصري “ويجز” أن الناس والإعلام سيحسبون له بالمليم تكلفة الملابس التي يرتديها، أو أنه سيأتي يوم تتجاوز فيه تكلفة إطلالته 93 ألف جنيه مصري كما حدث في مهرجان الرياض الأخير.
كانت “الفلوس” حاضرة دائماً في حياة ويجز، في أغانيه، في حواراته، فعمله في فودافون لم يكن يحتاج منه شيئاً سوى أن يمتلك المال. فلسفة ويجز في الترقي الطبقي (من أساسيات ثقافة مغني الراب) هي أن الطبقة المتوسطة تطمح لأن تكون غنية، والغنية تتطلع لأن تكون غنية جدا، والغنية جداً تحلم بأن تكون (حسني مبارك) على حد وصف ويجز.
211 جنيهاً (أقل من 14 دولار)، يلخص هذا المبلغ الحياة التي كان يعيشها ويجز قبل العمل في فودافون، كان هذا راتبه في شركته القديمة. ووصل الأمر بـ “ويجز” عام 2018 أنه كان يتصل بخدمة العملاء البنك المربوط به راتبه، فقط ليسمع رصيد حسابه عبر الرد الآلي في الموبايل ثم يغلق الخط، كان راتبه حينها 6 آلاف جنيه. يرد ويجز ب بهذا الفعل على من يقولون أن الفلوس ليست كل شيء، وينصح متابعيه ألا يسمعوا لأي شخص (مطبلاتي) شبعان (من الشبع وتعنى الغنى) ثم في نفس الوقت يطالب الناس إنهم يستحملوا ويقول “متخليش أي *** (كلمة تعني مطبلاتي) شبعان يقولك تعالى على نفسك واصبر على الجوع“.
بعدما ترك عمله فودافون وأصبح عاطلاً، كتب ويجز أغنية أو تراك “يمكن” عن الفلوس، كلمات الأغنية تقول: “عايزين المال عايزين المال خليلك راحة البال.. سيبلي الكاش يعدلي الحال.. لو خد شهور وأيام.. عاوزين فلوس عاوزين فلوس فلوسي طموحي.. أخاف م الفقر ومخافكوشي.. الفقر كابوسي.”
ظل كابوس الفقر يطارد ويجز حتى بعد أن صار رصيده في البنك كبيراً. يسأله أنس بوخش عما يخاف منه، ويأتي رده مباشرة: “أخاف أتداين” أي أنه يخاف من تراكم الديون عليه، من العودة إلى الفقر مرة أخرى، لإن الفلوس بتعمل ضهر.
عندما سئل ويجز هل يتمنى يكون عنده فيلا أو جزيرة باسمه، كان رده بأن هذه أمنيته وأمنية كل الناس، مهما كان العمل الذي يعمل فيه، فعندما كان يعمل كتاجر أكياس ملح، كان يتمنى أن يظل تاجر أكياس ملح حتى يحصل على ما يريد من فلوس.
ويجز يكشف عن الجزء السئ بشخصيته
“أنا كنت كلب وأنا في ثانوي.. كنت بأضرب العيال وما كنتش قوي (بدنياً)، كنت قِلة (ضعيف البنية) بس كان معايا سبع عيال زمايلي، ندخل على حد نضربه كلنا.. كان جزء سيء قوي مني.. أنا ما بأحبهوش وما بأحبش أتكلم عنه.. بس أنا عارف إني عديت بيه وخلاص وابتديت أتغير مع الوقت.” صدمت هذه الكلمات الصادرة من ويجز الممثلة أمينة خليل خلال ندوة جمتها معه والمخرج عمرو سلامة والممثل أحمد أمين في “Creative Summit“.
لم يتوقف هذا الجزء السيئ من ويجز بعد الثانوية العامة، بل استمر خلال دراسته الجامعية التي رسب فيها لعامين متتاليين بكلية الآداب قسم لغات شرقية، ويصل إلى الذروة في بث مباشر نشره ويجز بنفسه، بعد باتل (معركة فنية بين اثنين من الرابرز) بينه وبين راب أور ضاي، خسر ويجز (الباتل) لكن المفاجأة أنه رفض بثها على الإنترنت، حتى لا يظهر بشكل سيء أمام جمهوره.
دارت سجالات عديدة بين ويجز وعفروتو من ناحية، وأور ضاي ولورد من ناحية أخرى. وكان رد ويجز عليهم صادماً، هددهم الفنان الأكثر استماعاً لعامين متتاليين على سبوتيفاي باستدعاء بلطجية إن لزم الأمر، فيقول ويجز في البث بصراحة: “أعرف فِرَد (من الفِردة وفرض السيطرة) وأعلام في شوارعهم يشخبطولي على وشوشهم فعلا بس أنا ما بأعملش كدا، أنا مش شخص منحرف، أنا مش بلطجي، لكن الناس دي لو عاوزة بلطجة احنا الحمد لله والله العظيم اتعاملنا مع ناس كتير.. رجالة في عين شمس ومدينة السلام وبولاق الدكرور، وناس تموت لي.”
السيد عجمي وإسلام إحسان هما من بدأ ويجز تعلم الراب على يديهم ويتجاهل ذكرهما، لكن هناك آخرين لا يذكرهم أيضاً ويجز رغم أنهم علموه الراب وأصحاب فضل عليه، منهم محمود عبدالرزاق الشهير بـ “دينيو” آنذاك والذي قام بتغيير اسم شهرته فيما بعد إلى “ياقوت“، وهو مغني راب إسكندراني يعيش في العجمي، بدأت معرفته بـ “ويجز” على مقهى “جدو” بالهانوفيل، وقف بجانب ويجز في البداية وضمه إلى فريق ميكروسكوب بعد فرقته الأولى الهولي هود، وكانت العلاقة بينهما قوية جدا، ثم ساءت جدا، وصلت إلى أن دينيو اختار يوم 12 سبتمبر 2019 (عيد ميلاد ويجز) لينشر “دس مدبح” يهاجم فيه ويجز بضراوة ويتهمه بتعاطي البرشام، وسرقة تراكات من مروان بابلو والمهرجانات.
يرد ويجز على دينيو في بث مباشر، (الطبيعي بين الرابرز إنه يدسه بأغنية للرد عليه)، بث ويجز جاء في نفس اليوم وقبيل احتفاله مع أصدقائه بعيد ميلاده، قال فيه إنه لا ينكر مساعدة دينيو له، لكن دينيو دائما ما يحكي عن الأمر دون أي ذكر لموهبة ويجز أو مجهوده الشخصي، ويبرر ويجز هجوم دينيو عليه بأنه أخذ معه مروان بابلو إلى سادات العالمي ولم يأخذ دينيو، وبعد التقصي تأكدت أن سادت هو الذي أعجب بمروان بابلو ولم يعجبه دينيو.
قطع ويجز علاقته بـ “دينيو” لأنه كان يعايره بجمايله عليه، وأكثر ما كان يؤلم ويجز هو اتهام دينيو له في (الدس) أنه يتعاطى برشام، نفى ويجز وأقسم بالله أنه لا يتعاطى أي برشام، ثم ظهر في نفس الفيديو صديق مشترك بين ويجز ودينيو، اتهم هذا الصديق دينيو بنفس الاتهام بتعاطي البرشام وأنه كان يأتي به له بنفسه.
بداية الشهرة.. سادات العالمي
لعبا الحظ والصدفة دوراً كبيرا في حياة ويجز، يعترف بنفسه لولا سماع الفنان أحمد الفيشاوي له، واهتمام سادات العالمي (أحد أقدم مطربي المهرجانات ويحظى بشهرة كبيرة)، ما وصل إلى ما وصل إليه، تبنى سادات ويجز بعد أغنيته “تي إن تي”، وشاركه الفيشاوي نفس الأغنية في نسخة جديدة منها (تي إن تي 2).
انتقل ويجز من الإسكندرية إلى مدينة “السلام” بالقاهرة ليعيش مع سادات العالمي بمنزله، وشاركه في عام 2018 إحدى أغنياته وهي خربان، يرى كثيرون أنها كانت سبب شهرة ويجز نظراً لجمهور سادات العريض والمساحة التي منحها له وسط محبي المهرجانات.
كان سادات العالمي سبب معرفة ويجز بـ “دي جي توتي” الموزع الموسيقي الشهير صاحب الفضل أيضاً على ويجز حيث تعتمد أغاني الراب بشكل كبير على الموزع الموسيقي، ومن أشهر الأغاني التي تعاون فيها مع ويجز، أغنية باظت التي انتشرت انتشاراً رهيباً، واستخدمت في إعلان مولتو الشهير باظظ خالص، وهو الإعلان الذي تسبب في خلاف فيما بعد بينهما على نصيب كل منهما في حقوق الملكية .
ويجز وأحمد مكي
في بدايات 2019، ظهر ويجز مع عفروتو ( مطرب راب شهير شاركه حفلة مهرجان الرياض الأخير ) في بث مباشر، اعترف فيه ويجز أنه كان يكره ثلاثة من مطربي الراب، هم الجوكر وزاب ثروت وأحمد مكي، كان ويجز يرى أن الثلاثة لا يستحقون ما وصلوا إليه، ثم يعترف أن وجهة نظره فيهم تغيرت بعد تحقيقه جزءاً من النجاح، فيقول: “مالكش دعوة هو بيعمل إيه طالما فيه فئة من الناس بتسمع اللي بيعمله.. هو في سكة واحنا في سكة”، لم تمر سوى ثلاث سنوات فقط حتى شارك ويجز وأحمد مكي سوياً في إعلان تلفزيوني لإحدى شركات الإتصالات المصرية الشهيرة في بدايات عام 2022.
ويجز وزاب ثروب
“شبه النمل” و”شبه الفيشار“، بهذه الكلمات وصف ويجز ومدير أعماله من حضروا حفلته بقاعة المنارة في نوفمبر 2021، التشبيه مع الفيشار يعني رقص وتنطيط الجمهور كما الفيشار.
ذكرتني صورة ويجز في قاعة المنارة بصورة أخرى عام 2015، أحدثت تلك الصورة صدمة للوسط الثقافي والإعلامي المصري وسط تواجد أمنى بمعرض الكتاب بمدينة نصر حول مطرب راب شهير وقتها هو زاب ثروت وهو أحد الثلاثة الذين كان يكرههم ويجز، التواجد الأمني كان لحمايته، حيث حدثت إغماءات وإصابات بسبب الحضور الكبير من الجماهير لحفل توقيع كتابه “حبيبتى” بقاعة المقهى الثقافى بالمعرض. زاب ثروت اسمه الحقيقي أحمد ثروت زكي وكتب بعض الأغاني لفرقة كايروكي وشارك بالغناء فيها، وتوجه للراب والهيب هوب. وشارك مع كايروكي في أغنية (اثبت مكانك).
شبيه ويجز
تسبب نجاح ويجز في ظهور شاب على تيك توك اسمه “الحسيني إبراهيم”، وإمعاناً في تطابق الشبه، صنع لنفسه شنباً مستعاراً فأصبح ضيفا في البرامج والمواقع، بل لقبوه بـ “ويجز الغلابة”، ووصل الأمر إلى قيامه بإحياء حفلات على مسرح، يغني فيها بنفسه أو مستخدماً فلاشة عليها أغاني ويجز ثم يحرك شفايفه معها، ويتسابق مواطنون على التقاط الصور معه في الشارع.
ظاهرة الحسيني، لم تكن جديدة وتكررت في مصر كثيرا، فهناك شخص يقلد الرئيس المصري السابق أنور السادات في زيه وحركاته، ثم تطور الأمر إلى ترتيبه لقاءات مع محافظين ومسؤولين، بل ترشح فيما بعد في الانتخابات البرلمانية عام 2015، وهناك آخر يشبه محمد صلاح، وثالث يشبه رشدي أباظة ورابع يشبه ساديو ماني، يحاورهم الصحفيون وتستضيفهم الفضائيات، ويدلون بتصريحات.
كلام غير مفهوم
وجد ويجز صعوبة في فهم الجمهور لكلام أغاني الراب التي يغنيها، فاستعان بصديقه “بلكس” وهو فيديو جرافيك لكتابة كلمات الأغاني على الفيديوهات، لكن هذا ليس متاحاً بالطبع في التطبيقات الصوتية فقط مثل ساوند كلاود وسبوتيفاي وأنغامي وغيرها، يهاجم البعض أغاني الراب، دون أن يعرفوا أصل هذا الفن وبداياته في المناطق الشعبية الفقيرة، فمغني الراب (الرابر) يكتب لنفسه، ويفتخر بالمنطقة الشعبية التي نشأ فيها وبأصحابه أو البفة (الشلة)، ويستخدم لغة الشارع، ويمجد في منتج الأغنية (البروديوسر)، ويسعى للترقي الطبقي، ويكتب قليلاً عن حياته العاطفية، ويكثر من الحديث عن الظلم والفقر والغدر.
مصطلحات الراب عديدة وهناك لغة مستخدمة بين من يعملون في هذا الفن من فنون الهيب هوب ويتابعونه. اخترت منها، (سين – scene) وتعني مشهد الراب أو انتاجات الراب والسين المصري يعني مشهد الراب المصري، و(دس – diss) هي أغاني عنيفة للتقليل من الراب الخصم بألفاظ بذيئة وجمعات دسات، و(باتل – Battle) تعني المواجهة بين الرابرز في الشارع أو على مسرح، و(بانش لاين – PUNCHLINE) هي الاستعارة المكنية، أما (ميتا فور – Metafore) هو التشبيه الصريح، و(بيف – beef) تعني استعراض مواهب بين اتنين رابرز، و(فيت – Feat) هو تعاون بين اتنين رابرز في أغنية واحدة، و(بار – bar) معناها جملة في أغنية راب، أما (نكش) فهي جر الشكل والتلسين على رابر آخر، ومعروف عن ويجز بين الرابرز أنه ضعيف في الدس وقوي في النكش.
التمثيل والجراند طوطو
دخل ويجز مجال التمثيل من خلال مسلسل بيمبو الذي عرض على منصة شاهد من إخراج عمرو سلامة وبطولة أحمد مالك الذي دعم ويجز في البداية بنشر أغانيه لجمهوره عبر تويتر، وكانت أمنية ويجز منذ ثلاث سنوات أن يقابله، فشاركه في مسلسل.
أجاد ويجز الدور واللهجة الصعيدية ونال إعجاب كثيرين، يطرق ويجز بذلك أبواباً أخرى، كعادته في كل مرة، من الراب إلى التراب، إلى المزج بين الراب والمهرجانات، ثم أغاني الإعلانات وأغاني الأفلام مثل أغنيته في فيلم الغسالة، وفي نفس الوقت يسعى لانتشار أكبر في أسواق أخرى، فشارك مطرب الراب الأكثر الأشهر والأكثر استماعا في الشرق الأوسط المغربي الجراند طوطو (طه فحصي) أغنية “مش خالصة” وتم تسجيلها في الدار البيضاء بالمغرب، الجراند طوطو هو قدوة ويجز في المرحلة الحالية وفنانه المفضل.
كانت رحلة ويجز قاسية قبل النجومية.. لكنها كانت مجرد بداية، بداية لشاب صار ملء السمع والبصر، يحاول نسيان الجزء السيء منه، وأن يكون شخصية أخرى، شاب يتمتع بقدر كافٍ من الذكاء ليستمر في رحلته، مع قدرةعالية طوال الوقت على لفت الانتباه.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن