يونس.. لعبت والدته دورًا كبيرًا في حياته؛ كما فعلت أمي
- وُلد يونس في عام 1940 وبدأت قصته 1976
هذا هو مقالي الأول في “أخبار الآن“- حيث أعمل في غرفتها التحريرية منتجًا للأخبار والبرامج، وعلى مدار سنوات عملي في الصحافة، كنت أحاول قدر المستطاع، الابتعاد عن فن المقال- وهو القالب الوحيد- من فنون الصحافة، التي يُسمح فيه للكاتب بإبداء رأيه.
وكان ترددي في كتابة المقالات يأتي لسببين، الأول هو أن معظم سنوات عملي كانت في صناعة الأخبار، وأول ما نتعلم هو أنه “لا يمكن للصحفي أن يكشف عن رأيه في الخبر، حتى باتت هذه القاعدة جزءًا من تركيبتي المهنية، وصرت لا أفصح عن رأيي في أغلب القضايا المطروحة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي”- وبغض النظر عن إيجابية هذا الموقف أو سلبيته، ولكن هذا ما حدث.
أما السبب الثاني، فهو لإيماني، بأنه لا يمكن لأحد أن يُكّون رأيًا- لا سيما في القضايا التخصصية، ما لم تُعمّق تجاربه، وتَزداد خبراته، ويشيب رأسهُ- وهي الأشياء الثلاث التي أعتقد أنها تحققت- أقلهُ أستطيع أن أؤكد الثالثة.
أما عن سبب اختيار هذا الموضوع، كفكرة للمقال الأول- وربما يكون سلسلة مقالات- فهو سبب؛ يمتدُ طرفه إلى أكثر من عقد من الزمان- ربما يأتي وقت للحديث عنه بتفاصيل- أما الطرف الآخر؛ فنشأ هنا في غرفة “أخبار الآن”، حيث دُفعت لأتذكر ما خبأتهُ السنوات الماضية، واستدعاء كل جملة يُمكن أن تعبر عن هذه الذكريات، والأحلام.
لكن.. من هو يونس الذي يحبه الفقراء؟
في عام 1976، كان الدكتور محمد يونس، والمولود في عام 1940، يعمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة شيتاغونغ في جنوب بنغلاديش، وإذا قررت -الآن- في 2022، البحث عن الرجل الذي حصل في عام 2006 على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع البنك الذي أسسه لمساعدة الفقراء، ستجد الكثير من الإشادات والاتهامات، وبغض النظر عن الجانبين، يبقى في النهاية عمله الرائد في إقراض الفقراء، ومساهماته في تحويل بنغلاديش من واحدة من أفقر دول العالم؛ إلى اقتصاد ينمو خطوة بخطوة، حتى باتت قصة نجاح يُحتذى بها.
ولكن أعتقد أن الأهم من كل المعلومات الوارد عن الرجل، والإشادة بما حققه، أو اتهامه باستغلال الفقراء، ومص دمائهم، هو أنه حوّل القوانين النظرية، التي كان يُدرّسها لطلابه؛ إلى تجارب واقعية، فكان يُدرس الاقتصاد وقوانينه التي تُحقق الرفاه للشعوب؛ في الوقت الذي يُعاني مواطنيه الفقر المدقع، وبات رائدًا في تمويل المشاريع متناهية الصغر، التي تعتمد عليها حاليًا الاقتصادات الناشئة.
محمد يونس- كان الثالث من بين 14 طفلاً، توفي 5 منهم في سن الطفولة، وكان والده صائغًا ناجحًا، وكان دائمًا يشجع أبنائه على السعي للحصول على التعليم العالي.
لكن التأثير الأكبر في حياته، يعود لوالدته صوفيا خاتون- التي كانت تساعد الفقراء الذين يطرقون بابهم دائمًا، وقد ألهمه ذلك بالالتزام بالقضاء على الفقر.
كيف بدأت الحكاية؟
بعد الاستقلال في عام 1971، واجه اقتصاد بنغلاديش أزمة اقتصادية، تعمقت في مارس 1974، عندما شهدت البلاد “مجاعة”، من أسوأ المجاعات في القرن العشرين، وذلك على إثر فيضانات هائلة على طول نهر براهمابوترا، دمرت محاصيل الأرز، فضلا عن تسببها في مقتل 1.5 مليون شخص، بأسباب مختلفة بينها الجوع، والأمراض الناتجة عن المجاعة.
في هذا التوقيت كان أستاذ الاقتصاد القادم من الولايات المتحدة، يراقب الوضع، ويسعى لوضع برنامج اقتصادي لسكان القرية المجاورة للجامعة التي يعمل بها.
وخلال زياراته للأسر الأكثر فقراً، اكتشف أن القروض الصغيرة يُمكن أن تحدث فرقاً، حيث وجد مجموعة من النساء يصنعون من الخيزران أثاثاً، ويعتمدون على القروض لشراء الخامات، لكن كانت تذهب أرباحهم للمُقرضين.
في عام 1974، قاد يونس، طلابه في رحلة ميدانية إلى قرية فقيرة، أجروا مقابلات مع امرأة كانت تصنع كراسي من الخيزران، وعرفوا أن عليها استعارة ما يعادل 15 بنساً لشراء خيزران خام لكل كرسي مصنوع، بعد السداد للوسيط، أحيانًا بمعدلات تصل إلى 10٪ في الأسبوع، تُرك لها هامش ربح بنس واحد.
يقول الدكتور يونس: “رأيت أنني لن أستطيع حل مشكلات العالم، ولكنني قطعًا أستطيع أن أفعل شيئًا، من أجل هذا العدد القليل من الناس في القرية”. ثم تساءل: “لماذا لا أقرض المال بنفسي؟”
كانت التجربة العملية، طريقه لفهم الواقع، عوضًا عن أن يمكث لسنوات وسنوات في دراسة الأمر، والوصول إلى حلول نظرية.
أقرض محمد يونس 27 دولار من أمواله الخاصة إلى 42 امرأة في القرية، وشاع بين أهل القرية الراغبين في الإفلات من المُقرضين، حتى باتت أمواله تقترب من النفاد.
اتجه يونس، محاولا إقناع الفرع المحلي لبنك “جاناتا” ليحل محله، ويعمل على إقراض الفقراء، لكن رفض البنك، حتى عرض الرجل نفسه كـ”ضامن”، حتى وافق البنك بعد بضعة أشهر، وحول الأمر إلى مؤسسة تعمل على تأمين القروض للفقراء، ونجحت الفكرة لأن المُقترضين كانوا يسددون الأموال التي اقترضوها، وبحلول عام 1982، وصل عدد المقترضين 28000 مقترض.
إلى أن جاء التحول الأكبر في عام 1983، عندما قرر إنشاء “بنكًا” لهذا الغرض، وهو بنك غرامين “بنك القرية“، ودوره في تغير حياة الملايين، واستثمار البنك في الكثير من المشاريع وإنشائه العديد من الشركات منها الربحية، ومنها غير الربحية، إلى أن اصطدمت الحكومة مع “يونس” بعد محاولته التدخل في السياسة، ولماذا نجح شخص فيما تفشل فيه دول؟ وسيكون هذا موضوع المقال التالي.
للحديث بقية..
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.