الحرب الروسية الأوكرانية فرضت عودة سريعة للاتفاق النووي الإيراني
يستعد الشرق الأوسط لمواجهة واقع جديد يتمثل في إحياء الاتفاق النووي الإيراني ومجابهة التحديات الجديدة التي تفرضها عودة إيران إلى الاتفاق ورفع العقوبات عنها.
ففي ظروف التوتر العالمي الذي فرضته الحرب في أوكرانيا أصبحت كل من الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى العودة السريعة للاتفاق. ولا بد أن إيران ادركت أنها لن تستطيع العناد طويلا مع استمرار حالة التدهور الشديد في اقتصادها والتراجع الحاد في مستويات معيشة سكانها.
ومع اقتراب الوصول إلى التوقيع على الاتفاق وقد بات قريبا جدا بحسب العديد من المصادر الغربية والإيرانية تعمل دول الشرق الأوسط على تنسيق جهودها لمواجهة إيران ما بعد الاتفاق. هذا يعني ضرورة التعاضد العربي فيما بين الدول المجاورة لإيران والتنسيق مع الأصدقاء والحلفاء. عودة إيران للاتفاق تعني رفع العقوبات المفروضة عليها وعودتها إلى المجتمع الدولي وفتح الأسواق أمام تجارتها وخصوصا النفط واستعادة عشرات المليارات من الدولارات التي كانت مجمدة بسبب العقوبات.
هذا الحال قد يدفع إيران إلى مرونة سياسية في علاقاتها مع جيرانها وفتح صفحة جديدة معهم لكنه أيضا قد يفتح الباب أمام عودة إيران للغرور والاستعلاء وزيادة تدخلاتها عبر الميليشيات التابعة لها والمنتشرة في بعض دول المنطقة. فقد كانت العقوبات ضاغطة على إيران وكانت سببا في الحد من تحركاتها المعادية لجيرانها .
الولايات المتحدة بحاجة للنفط الإيراني وإيران بحاجة لرفع العقوبات
كانت كل من الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى العودة للاتفاق. فالولايات المتحدة وبعد حظر النفط الروسي باتت بحاجة إلى النفط الإيراني ليسد الفراغ في السوق العالمية وإيران بحاجة ماسة لرفع العقوبات التي كادت تخنقها وتدمر اقتصادها.
ولذلك برفع العقوبات عنها والسماح بعودتها إلى تصدير نفطها بمعدل مليوني برميل يوميا ستتدفق مئات الملايين من الدولارات إلى الخزينة الإيرانية وتتوفر حصيلة مالية تساعد طهران على إنقاذ نفسها بعد سنوات من المعاناة.
وهذا سيساعد إيران على تخفيض مستوى الاحتقان الشعبي والتململ الذي وصل في بعض الأحيان إلى حالة انتفاضة ضد النظام.
لكن لا يبدو أن إيران ستلتزم مرونة سياسية أو اعتدال فهي ما زالت تطالب برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب حتى يستعيد أمواله المجمدة ويعود لتدخلاته السافرة.
مسألة رفع اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب قد تؤدي في حال عدم الاتفاق عليها إلى فشل المفاوضات مع أن أحد رجال الكونغرس المقربين من الرئيس الأميركي جو بايدن المح إلى أن واشنطن قد تستجيب للطلب الإيراني لكن لا يزال هناك رفض قاطع لدى الجهات الأميركية وخصوصا في الكونغرس لهذا الأمر. لكن وزير الخارجية الأميركي أكد أن حكومته لن تستجيب للطلب الإيراني بهذا الشأن.
العودة للاتفاق النووي ولكن هذه العودة ستكون عودة براغماتية
قد يتم التوقيع على العودة للاتفاق النووي ولكن هذه العودة ستكون عودة براغماتية يجد فيها كل طرف مصلحة خاصة به ولكن دون تحقيق ما كان يصر عليه عند بدء التفاوض.
بالنسبة لإيران لم تحصل على موافقة أميركية بالتعهد بأن الإدارات القادمة ستواصل الالتزام بالاتفاق كما لم تحصل إيران على موافقة واشنطن على استبعاد الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.
كذلك الولايات المتحدة لم تستطع أن تفرض شمول الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى في الاتفاق ولم تستطع الحصول على تعهد إيراني بوقف دعم ميليشياتها التي تتدخل في بعض دول المنطقة.
وبرغم ما سبق لا يبدو أن الإدارة الأميركية ستتهاون في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. ومن هنا جاء الموقف الأميركي الأخير بتدعيم علاقات واشنطن مع أصدقائها وحلفائها في الشرق الأوسط وتعهدها بمواجهة المخاطر التي قد تصدر عن إيران.
لكن هل يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لإسرائيل بالتدخل والقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية؟ الولايات المتحدة لا تريد ذلك وتضغط على إسرائيل لمنعها من العمل المنفرد ضد إيران.
وربما هذا أحد الأسباب وراء تعجل الإدارة الأميركية في الوصول إلى اتفاق مع إيران لإجبار إسرائيل على ضبط النفس.
زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط واجتماع النقب مع وزراء عرب وإسرائيليين كانت لتطمين المنطقة بأن إحياء الاتفاق النووي سيكون في صالح شعوبها. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد أي تدخل إسرائيلي مباشر في الموضوع الإيراني فضلا عن رفضها قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية على الأقل في المرحلة الراهنة.
على الرغم من العلاقات القوية بين الدول العربية والولايات المتحدة فإن تطمينات وزير الخارجية لم تكن كافية.
من هنا تحركت الدول العربية في اتجاه موازي نحو سوريا. ولذلك استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة وقبيل قمة النقب الرئيس السوري بشار الأسد في لفتة مهمة تشير إلى احتمال عودة العلاقات الطبيعية بين سورية وعدة دول عربية. كذلك انتشرت أنباء عن قرب عودة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي إلى بيروت بعد الأزمة العابرة التي سحب على اثرها هؤلاء السفراء من العاصمة اللبنانية.
عودة هؤلاء السفراء إلى بيروت يعني تعزيز الوجود العربي والخليجي في لبنان مقابل التدخلات الإيرانية في هذا البلد.
الخطوة العربية كانت في وقتها فاستعادة سوريا إلى الصف العربي بعد كل تلك السنوات يعني إبعاد دمشق ولو بشكل محدود عن النفوذ الإيراني.
وزيارة الرئيس بشار إلى الإمارات تعني أن سوريا راغبة بهذه الخطوة ومؤيدة لها. قد لا يكون سهلا فك التحالف السوري الإيراني لكن تعزيز العلاقات العربية مع سوريا سيوجه رسالة قوية لإيران بأن الساحة السورية ليست خالية أو مستباحة للتدخلات الإيرانية. كذلك ستعمل العلاقات العربية القوية مع سوريا على الحد من التدخلات الإيرانية في لبنان أيضا. وهذا قد يسمح بإعطاء دمشق دورا أكبر هناك مقابل تخفيض تعاونها مع طهران.
التحركات العربية في مواجهة عودة إيران إلى الاتفاق النووي قد تشمل أيضا العودة إلى الحوار العربي الإيراني لبحث التعاون الإقليمي لمصلحة شعوب المنطقة. فأي مصالحة بين إيران وجوارها العربي سيكون له مردود إيجابي على الجميع ولكن على إيران أولا أن تظهر حسن نواياها وخصوصا في اليمن والعراق وسوريا.
هل سيعطي الإتفاق الجديد إيران الوقت لبناء سلاح نووي
يمكن اعتبار العودة إلى الاتفاق النووي تحولا سياسيا مهما من المرجح أن تكون له انعكاساته على المنطقة لما سيحدثه كما هو توقع من تحولات في علاقات القوى الإقليمية فيما بينها.
لايزال البعض يخشى أن العودة إلى الاتفاق سيسمح لإيران بعد بعض الوقت بأن يكون لديها قدرة على بناء سلاح نووي تهدد به جيرانها لأن للاتفاق مدة محددة قد تعود إيران بعدها إلى الممانعة والعناد ومحاولة امتلاك سلاح نووي.
فما هي الخطوات الأميركية القادمة التي ستمنع إيران تماما من امتلاك السلاح النووي. لا توجد خطط أميركية معروفة لما بعد العودة إلى الاتفاق لأن واشنطن تراهن على أن إيران ستنشغل بتعزيز اقتصادها ومشروعاتها التنموية. لكن آخرين يرون أن الاتفاق لا يمنع إيران بالمطلق من امتلاك السلاح النووي لكنه يؤخر ذلك ما بين عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة في الحد الأعلى. وهذا يعني انخراط المنطقة في سباق تسلح غير مرغوب فيه.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن