علي المقري، الروائي الجريء الذي لا يتردد في التعبير عن أفكاره، ناقشت رواياته المحظور سواء على مستوى القضايا المجتمعية أو السياسية.
كتب عنه مهرجان الأدب العالمي في برلين بأنه “ولد عام 1966 في تعز، المدينة التي كانت الأكثر ليبرالية في شمال اليمن. بدأ الكتابة في سن الثامنة عشرة. حصل على دخل متواضع من كتابة بعض المقالات الصحفية، وسرعان ما تبعت ذلك قصائد، وقصص قصيرة. حظرت وزارة الثقافة في ما كان يُعرف باليمن الشمالي مجموعة من شعره لكونها مثيرة للغاية. ونظرًا لأن المناخ الوطني بعد إعادة التوحيد مع جنوب اليمن أصبح متاحاً لإنشاء مجلات مستقلة، أصبح علي المقري مطلوبًا كثيرًا كمحرر ثقافي للمنشورات التقدمية والمعارضة في الغالب”.
في مقابلتي مع هذا الروائي المبدع طرحت عليه بعض الأسئلة، والتي أجاب عنها بكل صراحة، وشفافية، فتعالوا معي للتعرف عليه أكثر، من هو علي المقري الإنسان الذي استطاع أن يصبح روائياً عالمياً.
حدثني عن طفولتك، أين ولدت؟ كيف كانت عائلتك؟ كيف كانت فترة المراهقة بالنسبة إليك؟ هل وقعت في الحب أم أن المحظورات كانت تعيق أي تواصل مع الجنس الآخر؟
أخذتْ القراءة كل وقتي، وأكاد أقول أنني لم أعش مراهقة صاخبة مثل الشباب الآخرين
علي المقري
ولدتُ في قرية بالقرب من مدينة تعز، وبدأت علاقتي بالقراءة منذ أن تعلمت في (المعلامة) حيث قرأت بعض كتب أبي المتوفرة في البيت، ومعظمها كانت دينية ثم قرأت الحكايات الشعبية، وأبرزها (سيرة سيف بن ذي يزن)، لكن بعد انتقالي للعيش في مدينة تعز صرت أقرأ كل شيء، سواء من المكتبات العامة، أو من مكتبات بيع الكتب. وفي الحقيقة أخذتْ القراءة كل وقتي وأكاد أقول أنني لم أعش مراهقة صاخبة مثل الشباب الآخرين، ما عدا قصة حب مبكرة كنت قد عشتها مع فتاة كانت تدرس معنا في فصول الدراسة الابتدائية، وتبادلنا الرسائل، وكنتُ أظن أني لن أقدر على العيش بدونها أبداً، وها أنا ما زلتُ أعيش بعد أن تزوّجتْ هي من آخر.
متى بدأت تلاحظ شغفك بالكتابة؟
بشكل مبكر، وأذكر أن النص الأوّل كتبته عن شخص مجنون يعبر الشارع، والأطفال يجرون وراءه، وقد أذيع من إذاعة تعز، وهو نص نثري لا معالم لتوصيفه، إذ يستلهم من فكرة الجنون هيئته، وأسلوبه، وأظن أن هذا الطابع اكتسى معظم أعمالي اللاحقة.
من هم من الروائيون/ات سواء عربيا، أو عالمياً الذين ألهموك في بداياتك؟
كثيرون في الحقيقة، ففي البداية كنت أقرأ ديستوفيسكي ثم ماركيز، ثم قرأت فلوبير، ومارسيل بروست، وفوكنر، وكافكا، وشدني كتاب دون كيخوته لسيرفانتس. وغير ذلك هناك مئات الروايات التي أثرت في نظرتي للكون، والحياة، وطريقة الكتابة.
أنت كاتب عالمي، وترجمت رواياتك لعدة لغات، هل تشعر أن الجيل الجديد من الشباب اليمني لديه اهتمام بالقراءة أم أن الحرب جعلت اهتماماتهم تختلف؟
بالتأكيد الحرب أثرت على اختيارات القراءة، لكني من خلال التواصل الاجتماعي لاحظت أن الكثير من الشباب على صلة وطيدة بالمنجز الروائي العربي، والعالمي، وهم يقرأون بشغف ويكتبون انطباعاتهم.
من من الروائيين اليمنيين برأيك كان لهم تأثير في تاريخ الرواية اليمنية، وماذا عن تجارب الروائيين الشباب/ات الذين تقرأ لهم؟
الرواية اليمنية ما زالت تحبو في الحقيقة، إذ أن التجارب السابقة تقتصر على إنجازات قليلة قد لا تتجاوز الرواية الواحدة. لكن الأجيال المعاصرة لديهم مشاريع روائية، وبعضهم كتب أكثر من أربع، أو خمس روايات، وهي مشاريع لا تختلف عن المنجز العربي الحالي.
كنتُ تعرّضت إلى حملات تكفيرية عديدة من رجال الدين المتشددين
علي المقري
رواياتك تحدثت عن الجنس، والدين، والتقاليد، والحكم السياسي الديكتاتوري، هل هناك روايات لك منعت قبل الحرب، وما هي، ولماذا برأيك؟
في اليمن مُنعت رواية “حرمة” بعد حملة تكفيرية، ففي عام 2013 قام تنظيم القاعدة بتهديد الأستاذ أحمد العرامي بقطع رأسه لأنه اقترح على طلابه في الجامعة أن يدرسوا الرواية مما اضطره إلى الهرب إلى مصر بعد أن فصلته جامعة البيضاء من عمله، واتسعت التهديدات لتشملني باعتباري كاتب الرواية. وكنتُ تعرّضت إلى حملات تكفيرية عديدة من رجال الدين المتشددين، أو الذين يصفونهم بالمعتدلين، وذلك بمباركة السلطة السياسية التي تتيح لهم وسائل الإعلام الحكومية، والمساجد للنيل من خصومها التحديثيين.
أولى هذه الحملات كان عام 1997 بسبب كتابي “الخمر والنبيذ في الإسلام”، فقد بدأت الحملة من رجل دين، ووزير سابق لتتسع إلى حزب ديني من خلال صحفه، ومساجده التي كان يسيطر عليها، واعتبروا أنني أسيء للرموز الإسلامية مع أنني قمت ببحث ثقافي فقط. ثم في عام 2003 بسبب قصيدة اسمها (تدليك) اعتبروها إباحية.
أمّا لماذا منعت، فأظن أننا نعيش مرحلة من الانحطاط الثقافي صار فيها كل تعبير مغاير محرّما، ولا يجوز نشره، وهو يخالف حتى التقاليد الأدبية العريقة التي حفلت بالأدب الحر، والمتجاوز للتقاليد السائد في مختلف العصور.
وهل لا تزال رواياتك توزع في اليمن بعد الحرب؟ وهل يختلف ذلك من مدينة لأخرى؟
بعد الحرب صاروا يقومون بتصويرها في نسخ مزورة حيث من الصعب الحصول على الطبعات الأصلية. وفي الحقيقة من المستحيل فرض الرقابة والمنع في عصر الإنترنت.
ما هي الرواية الأقرب لقصة علي المقري؟
جميعهن، ولكني أميل أكثر لتلك الروايات المنبوذة، والملعونة.
ماهي برأيك المصاعب التي تواجه الروائيين الشباب يمنيين، ويمنيات؟
لا حد لهذه المصاعب مع ظروف الحرب القاسية التي آمل أن تنتهي قريباً، فالحرب تعيق كثيراً الاستقرار الكتابي والحياتي للمبدعين.
هل هناك رواية تعمل عليها حالياً، وعن ماذا تتحدث؟
نعم، هناك رواية جديدة، لكنني لا يمكنني الحديث عنها، على الأقل الآن.
ترجمت أعمال علي المقري إلى الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والكردية، وغيرها. وصل إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في عامي 2009 و2011. كما حازت رواية “حرمة” بترجمتها الفرنسية على جائزة التنويه الخاص من جائزة معهد العالم العربي للرواية ومؤسسة جان لوك لاغاردير في باريس 2015، واختيرت رواية “بخور عدني” في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن