مستقبل مبهم للتيار الإصلاحي في إيران
هل انتهى العمر الافتراضي لتيار الاعتدال والإصلاح في إيران بانتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي زعيم تيار المحافظين؟ بالتأكيد هذا سؤال لا جواب له لكن السؤال الحقيقي هو هل يمكن القول إن تيار الإصلاح والاعتدال تلقى هزيمة منكرة لن يقوم منها؟
كانت هزيمة تيار الإصلاح عميقة. حتى في أي انتخابات محلية للبلديات على سبيل المثال لن يتمكن الإصلاحيون من تحقيق أي فوز ملموس. وترى وسائل الإعلام الإيرانية أن تيار الإصلاحيين في إيران لن يتمكن من العودة إلى السلطة في المستقبل المنظور حتى ولو على شكل أدوار سياسية بسيطة.
الصراع الخفي بين الإصلاحيين والمتشددين لا يزال محتدما وبدأ يطفو على السطح وهذه المرة يتقدم فيه المتشددون الذين اخذوا يكيلون التهم ضد الإصلاحيين بأنهم يروجون ضد إدارة الرئيس رئيسي ويسيئون إليها بنشر الإشاعات حول فشلها وعدم قدرتها على الاستمرار.
فقد الإصلاحيون في إيران الأمل في حدوث معجزة تنقذ إيران وتنقذهم وفقدوا الأمل في الإصلاح بعد أن لم يعد لهم أحد في المناصب العليا وقد ضعف تيارهم بصورة كبيرة جدا. وأحد أسباب هذا الضعف أن النظام الإيراني يواصل الضغط على رموز هذا التيار ومؤسساته الأمر الذي قاد بحسب أحد الناشطين الاقتصاديين العضو في منظمة العدالة والحرية إلى تبخر الأمل في الإصلاح السياسي.
توجد في إيران حاليا مجموعتان من الإصلاحيين الأولى ملتزمة بقيم الحريات والحقوق الإنسانية والمساواة وتجتهد للانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية. وهذه المجموعة تبدو خاسرة لأن النظام الشمولي اجبرها على الخروج من الحياة السياسية ولم تعد تملك القدرة على مواجهة استحقاقات المرحلة. أما المجموعة لثانية فهي انتهازية تستغل فكرة الإصلاح وتتخذها مجرد شعار للحصول على حصة ومكسب في النظام السياسي.
في المرحلة القادمة سيكون المعسكر الإصلاحي منقسما إلى ثلاثة تيارات. الأول تيار يرى أن لا مستقبل للإصلاح إلا باللجوء إلى السوشال ميديا والثاني يرى أن الإصلاحيين ليسوا جادين بالعودة إلى الساحة السياسية لكنهم سيواصلون التحرك في المشاغبة على نظام الرئيس إبراهيم رئيسي على أمل المساهمة في إحراز تغيير في البلاد. أما التيار الثالث فسيكون تيارا إصلاحيا مؤيدا للرئيس رئيسي ويعرفهم الإيرانيون بأنهم انتهازيون يطمعون في الحصول على مناصب ومكاسب.
لكن على جميع الأحوال هل يستطيع الإصلاحيون أو ما بقي منهم تشكيل كتلة متماسكة وضاغطة على الرئيس مثلما كان المحافظون يضغطون على الرئيس الإصلاحي المعتدل حسن روحاني؟ سيبقى هذا الأمر في إطار الممكن والمحاولة لأن السلطات على ما يبدو لا تترك أنصار هذا التيار ورموزه ينشطون بحرية بل تسعى إلى قمعهم والتضييق عليهم. فقد حجبت السلطات الإيرانية موقع “امتداد” أحد اهم المواقع الإخبارية وهو تابع لحزب “الأمة الإيرانية” أحد أبرز القوى السياسية الإصلاحية في إيران.
كذلك تتم ملاحقة الناشطين والمواقع الإلكترونية التابعة للإصلاحيين وترصد كل ما يقومون به لتتصيد أي انتقاد تتم الإشارة إليه ليحسب على أنه محاولات للإساءة إلى الرئيس وإدارته وبالتالي تصوير هذا التيار بصورة سلبية وتحقيره في أعين الجمهور الإيراني.
وبالفعل هناك بعض زعماء الحركة الإصلاحية المعتدلة الذين أساؤوا إلى أنفسهم ببقائهم صامتين في الوقت الذي كان فيه خصومهم يصدحون بالصوت العالي معبرين عن مواقفهم. وقد خسر الإصلاحيون معركة حضورهم في الساحة السياسية لعدم امتلاكهم استراتيجية واضحة المعالم وزعيما قويا يوحد صفوفهم ويشد من أزرهم. فالرئيس الأسبق محمد خاتمي وهو من أبرز رموز الإصلاح ظل رافضا لتولى زعامة المعسكر الإصلاحي كما أنه لم ينصح باي شخص آخر ليتولى تلك الزعامة.
أما الرئيس السابق حسن روحاني فإنه على ما يبدو لا يريد أن يظل في الواجهة ولا يرغب في قيادة معارضة إصلاحية في وجه المحافظين المتشددين الذين لا يزالون يوجهون إليه الانتقاد تلو الانتقاد وكان آخر ما حدث هو تحذير من الحرس الثوري له ضد مشاركته فيما يعرف بالجلسات الرمضانية.
الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية في إيران تبدو مناسبة تماما للتيار الإصلاحي لكي ينشط لاستعادة مواقعه. فالتذمر الشعبي من إدارة الرئيس بلغ مدى واسعا جدا حتى أن البرلمان الإيراني وبرغم سيطرة المحافظين عليه وجه انتقادات حادة للأداء الضعيف للفريق الاقتصادي للحكومة إلى درجة انه دعا إلى عزل وزراء هذا الفريق. وقد أشار استطلاع أجرته مؤسسة دولية إلى أن ستين في المئة من الإيرانيين يرغبون في تغيير النظام والتحول عن نظام الجمهورية الإسلامية. وأن نسبة 41 في المئة من الإيرانيين يريدون تغيير النظام.
كذلك فإن الذين كانوا في العادة من أنصار المحافظين بدأوا يجهرون بالشكوى ويرفعون أصواتهم منتقدين أداء الرئيس المحافظ. فالصحافة الإيرانية بكافة تياراتها تمتلىء بالانتقادات الموجهة إلى الرئيس وطاقمه وجميعها على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية ونقص الأموال وضعف الموازنة. وأخذت الصحافة تكيل الاتهام للرئيس بانه لم يستطع حتى بعد تسعة شهور من تسلمه مهامه السيطرة على التضخم الذي يصل إلى أربعين في المئة ولم يحقق أيا من الوعود التي قطعها بل استسلم ببساطة لمصالح التيار الأصولي المهيمن في النظام حتى أن بعض المعلقين داخل إيران يرى انه لا توجد أي فرصة لنجاح إدارة الرئيس رئيسي. ويرى بعضهم أن حكومة رئيسي تكاد تكون نسخة عن حكومة الرئيس الأسبق محمود احمدي نجاد.
كان الرئيس السابق حسن روحاني وسطيا إصلاحيا وقد شجع الحريات الشخصية وحرية الوصول إلى المعلومات وساهم في تحسين حقوق المرأة. لكنه مع ذلك ظل يتعرض لانتقادات شديدة من قبل التيار المحافظ واتهمت إدارته بضعف الأداء إلى درجة أن أعضاء متشددين في البرلمان يطالبون بمحاكمته.
الصحف المؤيدة للرئيس المتشدد بدأت الحملة ضد تيار الإصلاحيين في محاولة لإسكات أصواتهم الناقدة واتهمتهم بمحاولة نشر مشاعر الياس بين الإيرانيين. لكن خيبة الأمل واليأس لدى الإيرانيين لا تتعلق بمسائل الإصلاح ولكن من مجمل النظام السياسي وهذا تجلى في الإقبال الضعيف جدا على الانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي.
قد يشتد الصراع بين تيار الإصلاح والاعتدال وخصمه التيار المتشدد لكن في إيران المفاجآت مستمرة والكلمة العليا دائما للمرشد. كانت المفاجأة الأخيرة وجود الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ضمن المدعوين إلى مأدبة إفطار أقامها المرشد في الأسبوع الماضي. ويمكن تفسير وجدد روحاني في الصف الأول من المدعوين على أنه تعبير عن رضا المرشد عنه وتطهيرا له من كل التهم التي وجهها له البرلمان الأمر الذي قد يقود إلى تعيينه في مجلس تشخيص مصلحة النظام أو ربما رئيسا للمجلس مثلما جرت العادة السياسية في إيران في تعيين الرئيس المنتهية ولايته في هذا المجلس عضوا أو رئيسا.
مع كل هذا فالصراع بين المعتدلين والمتشددين في إيران سيتواصل. وإذا ما رضي المرشد عن الرئيس السابق روحاني فهذا لا يعني انه سيقف مؤيدا لتياره في مواجهة تيار المحافظين. لكن التيار الإصلاحي سيظل موجودا إلا إنه سيكون وجودا مشتتا وغير قادر على التماسك أو الوقوف في وجه تيار المتشددين أصحاب الصوت العالي.